- ℃ 11 تركيا
- 5 نوفمبر 2024
سنية الحسيني تكتب: الأزمة الروسية الأوكرانية من منظور آخر
سنية الحسيني تكتب: الأزمة الروسية الأوكرانية من منظور آخر
- 24 فبراير 2022, 8:07:27 ص
- تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
من المفيد النظر إلى الأزمة الروسية الأوكرانية بمنظور أوسع أو أشمل، فقد يساعد ذلك على فهم هذه الأزمة بشكل أفضل، إذ لا تنفصل الأزمة الروسية الأوكرانية عن الصراع القائم بين روسيا من ناحية والغرب بقيادة الولايات المتحدة من ناحية أخرى.
ولا تخفي الولايات المتحدة مواقفها السياسية، والتي تعتبر الصين بشكلٍ رئيس وروسيا المهددين الاستراتيجيين الرئيسيين لسلطتها ومكانتها العالمية. وقد تمثل روسيا مكانة أشد خطورة بالنسبة للولايات المتحدة، ليس لأنها عدوتها التاريخية إبان الحرب الباردة فقط، بل لأنها تتمدد، الآن، وتنتشر في قارة أوروبا، القارة الحليفة والشريكة والسند الاستراتيجي والأيديولوجي الرئيس للولايات المتحدة.
عادة ما تقع الدول الضعيفة أو الصغيرة ضحية لصراع الأقطاب الكبار، وهو ما لا ترغب بالطبع أوكرانيا أن تدفع ثمناً له، إلا أن الدول الكبيرة عادة ما تعي طبيعة هذا النوع من الصراع، وتحاول جاهدة أن تتجنب تبعاته عليها، فهل سيفرض الاتحاد الأوروبي عقوبات إضافية على روسيا، ويصبح طرفا في هذا الصراع، ويتحمل تبعات ذلك؟.
وتستخدم الولايات المتحدة قضية تايوان من جهة وأوكرانيا من جهة أخرى في إطار مواجهتها المفتوحة مع الصين وروسيا، كمبرر لتدخلات عسكرية أو حتى فرض عقوبات اقتصادية، وهي أدواتها المعروفة لمحاربة منافسيها وتقويض مكانتهم الإقليمية أو الدولية عسكرياً واقتصادياً.
عملت روسيا بعد صعود فلاديمير بوتين إلى رأس السلطة العام ١٩٩٩على تطوير مكانتها ونفوذها السياسي والعسكري والاقتصادي، وشهد العقدان الماضيان الصعود الكبير الذي نجحت روسيا في تحقيقه في المجالات الثلاثة، ليس فقط في إطار القارة الأوروبية، بل امتد أيضاً إلى خروجها. إلا أن الاختراق الذي نجحت موسكو على تحقيقه على الصعيد الاقتصادي داخل القارة الأوروبية عبر السنوات الماضية بدأ يثير قلق واشنطن التي باتت تعتبره الخطر الذي يمكن أن تستخدمه موسكو في المساومات السياسية مع دول القارة الأوروبية.
ويعتمد اقتصاد روسيا على تصدير النفط والغاز، إذ تعتبر ثالث دولة منتجة للنفط في العالم والثانية في إنتاج الغاز، ويوجه معظمه إلى دول القارة الأوروبية التي تستهلكه بكثافة، وتعتمد على استيراده بشكل أساسي على الجار الروسي، فثلث استهلاك أوروبا من الغاز يأتي من روسيا، وتشكل حصة ألمانيا والنمسا منه حوالي ٦٠%.
وتهتم روسيا بشكل خاص بتطوير إنتاجها وتوسيع دائرة عملائها الاقتصاديين من الدول، وتعتبر أوروبا هدفا رئيسا لذلك الاهتمام. ويشكل الغاز الروسي بالنسبة للأوروبيين أهمية خاصة نظراً لأنه لا يحتاج لبناء بنية تحتية وسيطة، فهو يتحول من حقول الغاز في روسيا، إلى المنشآت والمصانع والبيوت في الدول الأوروبية مباشرة، وذلك من خلال أنابيب الغاز التي أنشئ بعضها في عهد الاتحاد السوفيتي. ونجحت روسيا بمضاعفة عائداتها من تصدير النفط خلال العام الماضي بزيادة ٥١% عن العام ٢٠٢٠.
كما زادت عائدات شركة الطاقة الروسية «غازبروم» لتصدير الغاز الطبيعي العام الماضي بنسبة ١٢٠% مقارنة بالعام ٢٠٢٠. خلال العام الماضي، زادت شركة «غازبروم» من إمدادات الغاز إلى تركيا وألمانيا وإيطاليا ورومانيا وبولندا وصربيا وفنلندا وبلغاريا واليونان بنسب ملحوظة ومتفاوتة تراوحت ما بين ١٨٨% و١٢% .
في المقابل، تقف الولايات المتحدة حجر عثرة أمام هذا التمدد الروسي السلس بين دول القارة الأوروبية، فوقفت ضد إنشاء خط أنابيب الغاز «نورد ستريم ١» العام ٢٠١١، و»نورد ستريم ٢» العام ٢٠١٨، الرابط بين روسيا وألمانيا عبر بحر البلطيق. كما أنها كانت من بين أهم أسباب عدم تشييد خط أنابيب الغاز «ساوث ستريم»، الذي كان يفترض أن يمر عبر بلغاريا، حيث استعاضت عنه روسيا بعد ذلك بخط الغاز التركي. ولا يأتي دعم الولايات المتحدة للنظام الأوكراني المعادي لروسيا، إلا ضمن ذلك السياق، إذ شكلت أوكرانيا أهمية اقتصادية خاصة لروسيا، فكان خط أنابيب الغاز الذي يمر عبرها من روسيا إلى جميع دول القارة، وشيد في عهد الاتحاد السوفيتي، الخط الذي اعتمدت عليه روسيا لسنوات طوال لنقل غازها للقارة الأوروبية.
ولم تلتف روسيا لتشييد خطي الأنابيب مع ألمانيا، إلا تخطياً لأزمتها مع القيادة الأوكرانية التي باتت تنحاز بقوة باتجاه الغرب. وقد تكون كل الأزمة المفتعلة بين روسيا وأوكرانيا محاولة في سبيل الالتفاف على الاختراق الروسي الملحوظ على المستوى الاقتصادي لدول القارة الأوروبية.
من الملاحظ أن الولايات المتحدة هي الجهة المركزية التي قادت دفة الشائعات التي روجت لفكرة الغزو الروسي لأوكرانيا في الأيام الماضية. كما أن الولايات المتحدة هي من كان الأكثر تشددا في اعتبار الاعتراف الروسي بالمقاطعات الأوكرانية الانفصالية بمثابة غزو لأوكرانيا، والذي يترتب عليه فرض العقوبات.
كما تتركز العقوبات التي تقترحها الولايات المتحدة على روسيا حول تجميد العمل بخط أنابيب «نورد ستريم ٢» بشكل خاص. كما جرى الحديث عن بحث الولايات المتحدة عن مصادر طاقة بديلة للقارة الأوروبية عن روسيا، بما فيها الولايات المتحدة نفسها. ناهيك حديثها عن عقوبات مالية واقتصادية مؤثرة، كعزل البنوك الروسية عن النظام العالمي وفرض عقوبات على الصناعات الاستخراجية، وكل ما يشكل ضربات للاقتصاد الروسي في الصميم.
ويبدو أن روسيا القطب العصي تواجه مخططات الولايات المتحدة من خلال الاقتصاد أيضاً، إذ نجحت في السنوات الأخيرة باستخدام عائدات الطاقة لتراكم حوالي ٦٣٠ مليار دولار من احتياطات النقد الأجنبي، وخفض البنك المركزي الروسي اعتماده على الدولار بشكل ملحوظ، ولجأت روسيا لسياسة استبدال الواردات خصوصاً فيما يتعلق بالصناعات الحيوية، حتى لا تعرض بنيتها التحتية الأساسية لأي خطر.
كما زادت روسيا علاقاتها التجارية والاستثمار الأجنبي المباشر مع دول آسيا على حساب دول الاتحاد الأوروبي. كما يعتبر التقارب الروسي مع الصين أحد مظاهر تلك المواجهة المفتوحة بين روسيا والولايات المتحدة، إذ وقعت روسيا مع الصين عقدا طويل الأمد لمدة ٣٠ عاما، في سلوك غير مألوف، لتصدير الطاقة للصين، والتي تعتبر من بين أكثر الدول حاجة لاستيرادها.
خلاصة القول، عادة ما تقع الدول الضعيفة أو الصغيرة ضحية لصراع الأقطاب الكبار، وهو ما لا ترغب بالطبع أوكرانيا أن تدفع ثمناً له، إلا أن الدول الكبيرة عادة ما تعي طبيعة هذا النوع من الصراع، وتحاول جاهدة أن تتجنب تبعاته عليها، فهل سيفرض الاتحاد الأوروبي عقوبات إضافية على روسيا، ويصبح طرفا في هذا الصراع، ويتحمل تبعات ذلك؟.