- ℃ 11 تركيا
- 19 نوفمبر 2024
سميح خلف يكتب: الدولة الواحدة .. خيار أم حقيقة ..؟؟
سميح خلف يكتب: الدولة الواحدة .. خيار أم حقيقة ..؟؟
- 2 مارس 2023, 12:10:25 ص
- تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
مازال خيار الدولة الواحدة على الأرض الفلسطينية هو الخيار الاستراتيجي والواقعي لحل الصراع العربي الصهيوني وحفظ الأمن الإقليمي والأمن الدولي ، وإن ابتعدت وجهات النظر واطروحات السياسيين وبرامجهم عن هذا الخيار ودخلت كافة الأطراف في اطروحات ومبادرات تبتعد كليا عن الواقع الديموغرافي وتوزيعاته على الأرض الفلسطينية والتداخلات البيئية والوحدة الجغرافية والمساحة الأرضية لفلسطين التاريخية .
ربما تسبب في ذلك تصدير الأزمة وليس وضع حلول لها منذ نشأة الصراع وما تمخض عنه من مبادرات لحل الأزمة وهي عشرات القرارات أبرزها الكتاب الأبيض والذي استنسخ عن اطروحات القذافي (دولة اسراطين) ، لقد لقي هذا الطرح هجوما شرسا سواء من لإسرائيليين أو من الفلسطينيين أو العرب ، في حين أن جميع المبادرات الدولية قد احبطت لتقاسم الأرض الفلسطينية ، وأهمها قرار التقسيم 181 والذي بموجبه تم الإعتراف بالدولة الإسرائيلية في مجلس الأمن مقرونا بالإعتراف بالدولة الفلسطينية على جزء من أراضيها التي لا تزيد عن 46% للفلسطينيين و 54% للإسرائيليين .
استخدمت إسرائيل عامل القوة والمناخات الدولية المساندة لها وبعض دول الإقليم في تجاهل كل القرارات الدولية والمضي قدما في السيطرة على كل الأرض الفلسطيني والتي كان آخر كيلومترات بها هزيمة 67 والتي بموجبها تم الإستيلاء على كل الأرض الفلسطينية وآخر أجزائها الضفة الفلسطينية وغزة.
من وجهة نظري أن جميع الاطروحات التي تلت ذلك من قرار 242 و 338 وإعلان الدولة الفلسطينية في الضفة وغزة وحل الدولتين ما كان إلا بمثابة إعطاء الضوء الأخضر لإسرائيل دوليا واقليميا بتثبيت وجودها على الأرض الفلسطينية وخاصة التي كان تبويبها هو أوسلو ومشتقاتها وإفرازاتها التي انعكست كليا على أداء إسرائيل السياسي والأمني وعلى أداء القيادة الفلسطينية ممثلة بقيادة السلطة وقيادة منظمة التحرير والتي أتاحت لإسرائيل بعد أكثر من 3 عقود من المفاوضات بتكريس وجودها في الضفة الغربية وعلى 60% من أراضيها ، حيث أصبح من الجهل أن نتحدث عن أوسلو وعن حل الدولتين في ظل هذا الواقع الجغرافي والديموغرافي .
إسرائيل ورعبها الداخلي والفكري والأيدلوجي جعل قيادتها تطالب بيهودية الدولية وبتبادل الأراضي مع الواقع السكاني الفلسطيني والإسرائيلي.
إسرائيل تهرب من حل الدولة الواحدة كما تهرب منه قيادة منظمة التحرير وقيادة السلطة ، ولكن وقائع تطور الصراع والمواجهة على الأرض يدفع بأن إسرائيل بسياستها وإجهاضها لفكرة حل الدولتين تسير على طريق حل الدولة الواحدة إذا ما أخذنا في لإعتبار مكامن القوة في الجانب الفلسطيني والتكدس السكاني والديموغرافي الضفة الغربية وغزة وشمال فلسطين .
إسرائيل تواجه مصيرها الحتمي وفشل نظريتها الصهيونية وفشل نظريتها الأمنية وإن أخذت من أوسلو وقيادة منظمة التحرير لتحقيق آمالها في استخدام عمليات الترانسفير والإزهاق للشعب الفلسطيني والعدوان الإرهابي على غزة والاجتياحات المتكررة لمدن ومخيمات الضفة الغربية في ظل سلطة لا تمتلك قرارها ولا تمتلك حيثيات وجودها أيضا ، وللأسف مازالت تلك السلطة لا تخضع للتصور الوطني الشامل ولا لبرنامج وطني موحد .
ومن الجانب الإسرائيلي مازالت إسرائيل تستخدم فلسفتها الإجرامية التي اعتمدت عليها في كيانيتها الأولى مثل دير ياسين وكفر قاسم ، وهذا ما مارسته إسرائيل وبشكل مطور في مخيم جنين وما استخدمته في ثلاث حروب متتالية في غزة ، في عام 2008 و 2012 و 2014 والأخيرة كانت قاسية ، لقد تكبّد فيها الشعب الفلسطيني على مدار 51 يوما خسائر فادحة في البنية التحتية والبشرية واستخدمت فيها كل أنواع الأسلحة المتطورة ، ولأن إسرائيل قد فقدت وعيها ونظرية وجودها أيضا حيث اختلت تلك المفاهيم الأيديولوجية للمستوطن الإسرائيلي على الأرض الفلسطينية ، لقد قاست إسرائيل معنويا وماديا بما يضع الخنجر في خاصرة نظريتها الصهيونية ، وشبكة الأمان التي وضعت لها على الأرض الفلسطينية ، لقد أجهضت المواجهة الأخيرة نظرية الأمن الصهيونية القائمة على الأمن والأمان والحماية للكيبوتسات والمستوطنات والمدن المحتلة والتي بناء عليها أتت أمواج الهجرة اليهودية إلى فلسطين ، ومن فلسفة تلك المواجهة الفلسطينية التي ابتدعت الأنفاق والصاروخ فما يهمنا هو الإخلال الأمني وصنع توازن الرعب بين الفلسطينيين والإسرائيليين ، وهذا تحقق في المواجهة الأخيرة .
أمام اخفاقات الجيش الإسرائيلي في الحرب البرية وتراجعاته وعدم مقدرة إسرائيل ومجتمعها الإستيطاني أن يحتمل الإرباكات والاختلالات الأمنية ، قد تكون إسرائيل تراجعت عن هجوم بري موسع لإحتلال قطاع غزة ، إسرائيل تمتلك من القوة ما يكفي لإجتياح قطاع غزة وبخسائر باهظة ، ولكن ليس هذا مربط الفرس بالدرجة الأولى ، فأعتقد أن سبب التراجعات الإسرائيلية هو ما سيترتب بعد إحتلال قطاع غزة من مسؤوليات ووقائع جديدة على الأرض تفرض معادلة جديدة في الصراع كان مؤشرها عندما قال الرئيس الفلسطيني أن إسرائيل تمارس التمييز العنصري ضد الأقليات كما حدث في جنوب إفريقيا ، وهذا يعطي مدلولا لأفق سياسي وبرنامج سياسي جديد وفي هذه الحالة أن يناضل الفلسطينيون لأخذ كامل حقوقهم في ظل مدلول الدولة الواحدة ، وهو الذي سيلاقي ترحيبا من كل شعوب العالم ومؤسساته وجمعياته الإنسانية وهذا ما تدركه إسرائيل من مخاطر على وجودها ووجود ما يسمى يهودية الدولة ، فالتوزيع الديموغرافي على الأرض الفلسطينية يشكل خطرا كبيرا على النظرية الصهيونية ووجودها في كل من الضفة الغربية والشمال الفلسطيني وغزة وبالتالي ستفرض وقائع جديدة في الصراع ، وهذا المأزق الذي ستقع فيه إسرائيل ، ولذلك تسعى إسرائيل من خلال التعامل مع بعض المبادرات الإقليمية والمبادرات التي تحاول أن تصدرها لمجلس الأمن أن تصنع كيانية فلسطينية تأخذ شكل الدولة وبدون أي أبعاد اقتصادية أو سياسية أو أمنية (سيادية) والأهم من ذلك أن قيادة السلطة لم تحاول أن تستثمر نقطة الرعب التي تساور الإسرائيليين ومصادر صنع القرار في إسرائيل وما تمخضت عنه الحرب في غزة من توزان للرعب واضمحلال القدرات النفسية والمادية للجندي الإسرائيلي من خلال عمليات سياسية لا ترتقي بمعدلات التغير على الأرض وفي الميدان ، فمازال الرئيس الفلسطيني يكرر نفس الأطروحات وكأن الزمن لم يتغير ولم يتقدم للأمام ، بل مازال متمترسا بما يسمى مستلزمات خارطة الطريق التي رفصها الإحتلال ، ومازال يتمسك ببنود أوسلو التي دمرها الإحتلال أيضا ، ومازال يتمسك بحل الدولتين كحل استراتيجي والتي أنكرها نتنياهو قبل يومين بأنه لم يتفق على إقامة دولة فلسطينية مع الرئيس الفلسطيني عباس.
المؤشرات السياسية للرئيس الفلسطيني وحكومة التوافق توضح أن هناك مؤشرات لنسفها من الرئيس الفلسطيني نفسه ، من إثارة أبعاد من التشرذم والانفصال الذي قد بدأ في عام 2007 على قاعدة برنامج اقتصادي أمني يربط الضفة الغربية بإسرائيل وأن تكون غزة تابعة لهذا البرنامج زمانيا ومكانيا وبشكل مبرمج بعد انهاء ما يشاع من حالة التمرد في غزة بوصفها كإقليم متمرد وربط قضية الإعمار بنزع سلاح المقاومة وهنا أوضح أن سلاح المقاومة ليس لفصيل محدد بل هو وجه من وجه الدفاع للشعب الفلسطيني كله في غزة ضد العدوان والمخططات السياسية الهادفة لتركيعه وانهاء وجوده بحيث لا يطال دولة وبحيث لا ينال اطروحات حل الدولة الواحدة ، نعتقد أن الأيام القادمة هي من أخطر الأيام على مسار القضية الفلسطينية ومسيرتها والتي لم يتغير فيها الرئيس الفلسطيني وبمقدار ما تغير الواقع الفلسطيني ، حيث فرض نفسه اقليميا ودوليا وميدانيا في حقل المواجهة من الإحتلال والذي كان يجب أن يحدث كثير من المتغيرات في تطوير البرنامج الوطني ورفع الأداء ومنسوب المطالب الفلسطينية والتي تبدأ بالمناورة من قرار التقسيم واجهاض المبادرة العربية واطروحات حل الدولتين وصولا إلى الدولة الواحدة ، ولأن إسرائيل لم تعطي الرئيس الفلسطيني دولة كاملة السيادة في الضفة الغربية ، بل دولة عبارة عن كنتونات سكانية في الضفة الغربية وملحقها قطاع غزة في ظل ترتيبات أمنية لا تستطيع الإفلات من الاخطبوط الأمني الاقتصادي الإسرائيلي ، هذه تصورات الرئيس محمود عباس والتي يرفضها الشعب الفلسطيني وفصائل المقاومة وأحرار حركة فتح والمنتقدين لسياسة محمود عباس من الكتل الوطنية ، لا بد أن يكون هناك تغيرا في وعاء وطني شامل لكل القوى الوطنية وفصائلها والقوى الحية لبلورة برنامج وطني يجهض كل محتويات التنازل عبر أكثر من ثلاث عقود لنصنع فجرا جديدا في الخريطة السياسية والأمنية في المنطقة يكون أحد مكوناتها الأساسية الوجود والسيادة للشعب الفلسطينية ليمارس حقه الانساني على الكرة الأرضية .
إن اسرائيل تدفع الآن سواء في المواجهات العسكرية مع قطاع غزة أو اجهاضها لكل الحلول والاطروحات لحل الدولتين وتمترسها في احتلالها للضفة الغربية أنها ستدفع للفكرة أن تكون واقعا وليس خيارا لحل استراتيجي وتاريخي على الأرض الفلسطينية وهو حل الدولة الواحدة .