سليمان أبو ارشيد يكتب: "دولة الأمن" والتواطؤ في تزوير الحقائق وإخفاء الجرائم

profile
  • clock 6 يناير 2022, 5:38:00 م
  • eye 569
  • تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
Slide 01

فضحَ خطأ تقني ما حاول جهاز الرقابة الإسرائيلية إخفاءَه من تصريحات لبن غوريون، قال فيها إنّه مؤيّد لمحو قرى فلسطينية عن الوجود بشكل كامل، وأخرى لوزير الزراعة في الحكومة الإسرائيلية المؤقتة، أهارون تسيزلينغ، قلّل فيها من شأن جرائم اغتصاب ارتكبت في الرملة.

وتظهر هذه التصريحات الدواعي الحقيقية لإخفاء العديد من المواد الأرشيفية المرتبطة بجرائم الحركة الصهيونية وإسرائيل قبل وبعد 1948، ويجري تستيرها بدواعٍ أمنية، وهي الحفاظ على صورة إسرائيل.

البروتوكول المذكور، كما يورد عوفر أديرت في مقال نشرته "هآرتس"، هو لجلسة الحكومة المؤقتة التي عقدت في آب/أغسطس 1948، بُحثت فيها جرائم الحرب التي ارتكبت بأيدي جنود ومواطنين يهود ضد الفلسطينيين، وسمح بنشره بعد تسويد هذه المقاطع، عقب توجهات معهد "عكافوت" الذي يعنى بتوثيق الصراع الفلسطيني الإسرائيلي ويكافح لنشر مواد أرشيفية تاريخية ذات أهمية بحثية وجماهيرية محظور نشرها، إلا أنّ خطأ تقنيًّا كشف المستور وفضح تصريحات مسؤولين أيّدت واستدعت الأعمال الإجرامية التي نفّذها الجنود.

في السياق ذاته المتعلق بتقديس "الأمن" كقيمة تعلو على جميع القيم الإنسانية أو الديمقراطية أو غيرها، وتجري تحت ستارها "لفلفة" جميع القضايا وإسكات العدالة وتحييد القضاء، كتب الخبير في القضايا الأمنية، يوسي ميلمان، في سياق حديثه عن قضية تجاوزات قانونية لشركة صناعات عسكرية كان قد نشر عنها، كيف "يلعب القضاة دور البطولة في مسرح العبث الذي تديره الأجهزة الأمنية"، في إشارة إلى أمر حظر النشر الجارف الذي فرضته المحكمة على القضية، والذي يشمل حتى تفاصيل سبق نشرها، أيضًا.

ويقول ميلمان إنّ تجربته الممتدّة على مدى 38 عاما في تغطية قضايا المخابرات والأمن، وفي المجال القضائي من خلال عشرات محاولات إلغاء أوامر حظر النشر، تشير إلى أنّ الوضع آخذ في التدهور وأنّ حصانة القضاة وقدرتهم على الصمود أمام جبروت الجهاز الأمني آخذة في التآكل. مشيرًا، في هذا السياق، إلى عدم وجود فوارق بين قضاة من "اليسار" أو من اليمين. فكلهم، كما يقول، ينتصبون ويقفون احتراما لدى سماع كلمة "أمن".

كلهم أسرى الأجهزة الأمنية، ومستعدون لتطهيرها وإزالة أي وصمة تطالها وإسقاط أي التماس أو طلب من قبل وسيلة إعلامية أو محامين أو نشطاء حقوق إنسان أو أي إنسان مؤيد لحقوق الإنسان، بسرعة وبدون بحث معمّق ومن خلال مزاج قضائي مستهتر واستعلائي. ويشير في هذا السياق إلى شرعنة منع نشر وثائق من أرشيف الدولة تتعلق بارتكاب مجازر وأعمال اغتصاب وتهجير في الـ48 وقتل أسرى خلال الحروب المختلفة.

ويلفت ميلمان، أيضا، إلى إسباغ الشرعية القانونية على عمليات مخابراتية يضلع فيها تجار مخدرات، وإلى شرعنة قرارات وزارة الأمن والموساد المتعلقة بدكتاتوريين مستبدين منتهكين لحقوق الإنسان هم زعماء أذربيجان، والفلبين، وبورما، وجنوب السودان والسعودية. وهو يرى أنّ الأجهزة الأمنية هي دولة داخل دولة تفعل ما يحلو لها دون رقابة برلمانية ناجعة وبتواطؤ جهاز القضاء، وأنّ حركة المقصّ تلك تنهك القلائل (وهو منهم) المستعدين للصراع من أجل العدالة وحقوق الإنسان وتجعلهم كمن يصارعون طواحين الهواء.

وإذا كانت شهادة ميلمان التي تحطم التصورات الوهمية حول فروقات بين جهاز الأمن وجهاز القضاء الإسرائيلي، و فروقات أخرى بين يمين ويسار داخل جهاز القضاء نفسه وتثبت أنّ كلهم سواء عندما يتعلق الموضوع بالأمن، حيث يصطف الجميع لتأدية التحية للقائد العسكري الذي خدموا وما زالوا يخدمون كجنود احتياط تحت إمرته بغضّ النظر إذا كانوا قضاة أو سياسيين، وإذا كان ميلمان يعتقد خاطئًا أنّ جهاز الأمن هو دولة داخل دولة، فنحن كفلسطينيين لا نرى إلا دولة واحدة في إسرائيل هي دولة "الأمن".

التعليقات (0)