سامح المحاريق يكتب: أيقونة… الحرية والكرامة الفلسطينية

profile
  • clock 5 مايو 2023, 12:02:56 م
  • تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
Slide 01

لم يتمكن الشهيد خضر عدنان من تحطيم الرقم القياسي للإضراب عن الطعام، بين الشخصيات السياسية والوطنية، ما زال الرقم بحوزة المناضل الهندي بهجت سنغ، أخذاً في الاعتبار أن الأخير كان في مطلع العشرينيات من عمره، ولكن، ستبقى أيام خضر الطويلة وصرخته الاحتجاجية الصامتة في وجه عالم مسكون باللامبالاة والتفاهة، حاضرة، بينما سيذهب إلى قاع النسيان الرقم القياسي الذي حققه أكبر صحن كنافة في نابلس قبل 14 عاماً، وقبل أن يتساقط الكثير من الأوهام.

الأصل في الإنسان هو الحرية، وعمليات الأسر والاعتقال التي تصادر حق الإنسان في حريته وحقه في المطالبة بالحرية جميعها باطلة وغير شرعية

قبل أن نترك بهجت سنغ، نستحضر ما قاله محمد علي جناح، قبل قرابة المئة عام، حول إضراب سنغ وزملائه: «الرجل الذي يذهب في إضراب عن الطعام لديه الروح. إنه يتحرك من قبل الروح، وإنه يعتقد ويؤمن في عدالة قضيته». وهذه المواصفات تنطبق على خضر عدنان، فالإضراب عن الطعام هو أكثر أفعال المقاومة روحانية، لأنه يتجرد من سطوة الجسد على الإنسان، ويبدأ في استهلاك ذاتي لما يطمح الطاغية والمستبد والمغتصب في انتهاكه وترويضه، ويهرب في الوقت ذاته بالروح بعيداً ويجعلها مستعصية على الخضوع.
الخلفية السياسية والتفاصيل التي رافقت مسيرة عدنان النضالية غير ذات أهمية قياساً ببداهة المعادلة التي استند إليها، الأصل في الإنسان هو الحرية، وعمليات الأسر والاعتقال التي تصادر حق الإنسان في حريته وحقه في المطالبة بالحرية جميعها باطلة وغير شرعية. لا يمكن أن تختصر قضية الأسرى الذي يقبعون في سجون الاحتلال لمدد تعسفية وانتقامية في إجراءات التبديد المجاني للحياة، ومشكلة (إسرائيل) معهم ليست أمنية أو وقائية، فكثير من الأسرى، ومنهم خضر، لم يمارسوا العنف حتى وفقاً لأكثر المفاهيم (الإسرائيلية) تحيزاً وغموضاً، ويخضعون من الأساس إلى رقابة متواصلة في حياتهم اليومية، في الفترات التي يقضونها خارج السجن، ووجودهم في السجن يرتبط برغبة في تدجين الشعب الفلسطيني، ومنعه من الحضور بوصفه شعبا يمتلك الحيوية ويعيش في قضيته، ويمتلك طيفاً واسعاً من المطالب، فكل ما يريده (الإسرائيليون) في هذه المرحلة هو تحويل الفلسطينيين إلى مجرد كتلة سكانية تنحصر مشكلتها في الحاجات الأساسية للحضور البشري، تريدهم مجرد أفواه تبدي الرضا بمجرد توفر لقمة الطعام، ومجرد أيادٍ تمتد متهافتة على تصاريح العمل التي تتخيل (إسرائيل) أنها إحدى أدوات تحقيق أهدافها في السيطرة والبقاء من غير ندية حقيقية على الأرض من شعب فلسطيني تقوم عقيدتهم على إنكاره. تجنباً للفهم الخاطئ، لا يمكن لوم الفلسطينيين الذين يحاولون التوافق مع شروط الحياة، ولا يمكن إدانة عامل واحد كان يعمل في قطاع البناء في إسرائيل، والحقيقة، أن العالم بأسره يستحق الإدانة الواضحة والصريحة لأنه يتواطأ ويتغابى أمام حقيقة تمكين (إسرائيل) للفلسطينيين من بناء سجونهم بأنفسهم، وهذه الخديعة هي التي وقف أمامها خضر عدنان بشجاعة ليرتقي بمعركة الأمعاء الخاوية التي بدأها مع رفاقه سنة 2012 من أجل الحصول على حقوق بسيطة للإنسان العادي، مثل استكمال التعليم ودخول الصحف والكتب والسماح بالزيارات العائلية إلى مستوى جديد يرفض تقييد الحرية من حيث المبدأ. زوجة المناضل الشهيد، التقطت الرسالة السياسية المعقدة وعبرت عنها بصورة تستكمل الرسالة التي حملها زوجها في حياته، وهي إذ تطلب عدم الثأر، وتجنب إراقة قطرة دم واحدة رداً على ارتقائه، تتحرك بوعيها إلى أن الصورة التي ستبقى من خضر محرجة لإسرائيل أكثر من جرائم أخرى يمكن أنها أكثر تأثيراً من الناحية الإعلامية، والسيدة رندة موسى، بذكاء فطري وشخصية صقلتها معاناة زوجها وكفاحه، تعليه عن الخلفيات التنظيمية والأيديولوجية، لتجعله في موقع الرمز للشعب الفلسطيني، رمز ينضم إلى مكان يخصه في جدارية ممتدة تمثل تضحيات الفلسطينيين في عقود من الزمن، وهذه التكلفة التي تتراكم مع الوقت لتكون باهظة تجاه (إسرائيل). خضر عدنان يقدم زاوية جديدة لقراءة الوجود الفلسطيني في المكان والزمان، ويستكمل فصلاً جديداً من المروية الفلسطينية الثرية والخارجة عن المألوف، من التنميط الذي تجهزت تجاهه الردود الإسرائيلية المعلبة وتحويلاتها المستمرة للصورة من المقاوم إلى الإرهابي، وهذه المروية تكفل استمرارية الحيوية في الشعب الفلسطيني، على الرغم من محاولات تصويره بوصفه كتلة سكانية يمكن إزاحتها من الحيز المكاني لأي مجال آخر تجد فيه لقمة العيش.
الفصول المتتابعة من الخيبة والخذلان التي لحقت بالفلسطينيين وأرهقتهم في السنوات الأخيرة، وفي لحظة حرجة تستعاد الروح الفلسطينية من جديد، وهذه الروح هي المستعصية على استراتيجيات الاقتلاع الممنهجة التي تطبقها (إسرائيل).
كاتب أردني

التعليقات (0)