رامي أبو زبيدة يكتب: حرب عصابات في الضفة الغربية.. وسمات الاستنزاف الناجح للاحتلال

profile
رامي أبو زبيدة كاتب وباحث بالشأن العسكري والامني
  • clock 16 سبتمبر 2022, 4:16:16 م
  • eye 1036
  • تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
Slide 01

تشهد الضفة الغربية بما فيها القدس، مقاومة إبداعية أبرز شواهد عليها عملية الاغوار واقتحام حاجز الجلمة وإطلاق النار على مستوطنة كرمل جنوب الخليل، وعمليات اشتباك يومية تنفذها كتائب جنين ونابلس، وهي عمليات منظمة ومنسقة من قبل مقاومين فلسطينيين، مما يشكل تحولاً هاماً في سياق المواجهة مع الاحتلال نحو استعادة العمل الفدائي المجدي في الضفة الغربية.

ما تشهده الضفة الغربية، تصعيد إسرائيلي خطير من جهة، ورد منظم ومنسق من قبل المقاومين، يشكل تحولاً هاماً في سياق المواجهة مع الاحتلال مع استعادة أسلوب العمل الفدائي عبر تشكل الكتائب والوحدات العسكرية التي تستهدف الاحتلال ومستوطنيه، وإذ كانت القيادات الأمنية والاستخبارية الإسرائيلية بررت فشلها في مواجهة أسلوب الطعن والدهس، كونه أسلوباً فردياً غير منظم، فإنها الآن، وعلى ضوء نتائج العمليات الأخيرة، تشير إلى مبرر أكثر خطورة وإيلاماً، إذ أشارت عدةُ جهات أمنية واستخبارية إسرائيلية، الى أنها بمواجهة أعمال مسلحة مدروسة ومنظمة ومحكمة، مع نقص في المعلومات، أو على الأقل، عن قدرة على تحليل ما توفر من معلومات استخبارية، الأمر الذي أدى إلى تنامي الفعل المقاوم بالضفة الغربية، بشكل لم يكن ضمن حسابات المؤسسة الأمنية ـ الاستخبارية الإسرائيلية.

الضفة الغربية وحرب العصابات

حالة المقاومة الفلسطينية بالضفة الغربية مطلوب ان تسير نحو حرب التحرير الشعبية، التي تتخذ من حرب العصابات أسلوباً لعملها، المقالة التالية محاولة أولية لمقاربة العلم الخاص بالاستنزاف في حرب العصابات وسماته المطلوبة، وإسقاطه على حالة الضفة الغربية، وكيف يستطيع مقاومي الضفة تحقيقه استناداً لتجارب سابقة خاضت هذا النوع من الحروب.

ثمة العديد من التعريفات لحرب العصابات، صاغها قادة ومفكرون ومراكز دراسات، الفروق بينها طفيفة إلا أنها لا تتناقض مع بعضها البعض، وقد دمجنا معظمها في التعريف التالي:

حرب ثورية، غير تقليدية، يشنها مجموعة من السكان المحليين الذين يواجهون احتلال، ضد جيش تقليدي، ويستخدمون فيها أساليب قتال مبسَّطة، وأسلحة وأدوات رخيصة الثمن، لأن الثوار والمقاومين هم بغالبيتهم من المدنيين الذين لا يملكون خبرة عسكرية وإمكاناتهم المادية لا تتيح شراء الأسلحة.

وتهدف حرب العصابات عسكرياً إلى استنزاف قوة الجيش النظامي، وضرب الروح المعنوية لعناصره، وزعزعة ثقتهم بقيادتهم، ويستفيد من جهود مختلف ابناء المنطقة الثائرة، بغض النظر عن السن والجنس والمؤهلات.

ويعتمد المقاومون في حرب العصابات على المباغتة (الإغارة) والكمين، في ظروف يتم اختيارها وفي توقيتات غير ملائمة للجيش الاحتلال، ويتم تفادي الاشتباكات الجبهيّة والالتحام بالجيش وقواته لعدم التكافؤ في التسليح. ويحقق الثوار أهدافهم الاستراتيجية، من خلال عدد من المعارك الصغرى التي يحددون مكانها وزمانها، بحيث تلحق بالعدو أكبر خسارة ممكنة، مع أقل الخسائر في صفوفهم، ويوصف ذلك بأسلوب القتل بألف جرح.

وفق الدراسات التي تناولت بالبحث والتحليل حروب العصابات في القرن العشرين، مثل الحربين الفيتناميتين، والتجربة الصينية بقيادة ماو تسي تونغ، والتجربة الكوبية بقيادة كاسترو وغيفارا، وحالة المقاومة في قطاع غزة فإن حرب العصابات تمرّ بثلاثة مراحل رئيسية هي: مرحلة الاستنزاف والإنهاك، ومرحلة التوازن الاستراتيجي النسبي، ومرحلة الحسم. ولكل من هذه المراحل الثلاث سماتها وأساليبها وأهدافها، ولا يجوز القفز فوق أي منها مالم تنجز كاملة، تركيزنا في هذه المقالة على مرحلة الاستنزاف والإنهاك.

الاستنزاف وسماته المطلوبة لمقاومة فاعلة

الاستنزاف في حرب العصابات، هو مرحلة إطلاق العمل المسلح ونشره على أكبر مساحة ممكنة، وتنفيذ ضربات صغيرة تستهدف النقاط الضعيفة من جسم النظام العسكري والأمني للاحتلال، وتؤدي إلى استنفار شامل لقطعاته، لإضعافه في كل مكان.

الانتشار: في هذه المرحلة يتطلب العمل المقاوم انتشارا واسعاً على امتداد الضفة الغربية بما يشمل القوات الاحتلال ومستوطنيه الثابتة، الأمر الذي يمكنهم من إصابتها بجراج صغيرة لكنها مؤثرة.

عمليات تكتيكية: بالضفة الغربية، نجحت العمليات التكتيكة الأخيرة التي لا تدوم سوى دقائق بإيقاع أكبر قدر من الخسائر في صفوف العدو، وأقل قدر من الخسائر في صفوف المقاومين، تتطلب هذه العمليات ان يكون للإعلام المقاوم، دوراً مهماً في نشر أخبار وتفاصيل تلك العمليات، التي تنعكس تأييداً يجلب العون والمساندة للمقاومة، وتساهمت في بعث الرعب والخوف بين صفوف العدو ومستوطنيه.

في هذه المرحلة لا يملك المقاومين عادة العدة والعتاد للتمسك بالأرض، وهم يتشكلون عبر مجموعات صغيرة من مناطق شتى لشن هجوم ناجح، ثم يتفرقون أو يتوجهون إلى منطقة أخرى، وهذا ما يجعل العمليات الحالية بالضفة الغربية المرحلة مثالية من وجهة نظر حرب العصابات لحالة الاستنزاف مع أهمية توسعها وانتشارها على امتداد الضفة الغربية المحتلة.

الاستمرارية: يعد استمرار الـمـقــاومة بالضفة الغربية وتطورها، ومشاغلة الاحتلال على عدة جبهات بالضفة والقدس والداخل في وقت واحد من شأنها أن تفرض معادلة جديدة على الاحتلال يصبح استنزاف جيش الاحتلال ومستوطنيه مجدياً ومغيّراً وليس مجانياً وعبثياً ويفتح الباب واسعا لتطور وتنامي مشروع الـمـقاومة بالضفة الغربية.

مهم أن تشهد هذه المرحلة الحرص الشديد من المقاومة على رضى القاعدة الشعبية، وعلى رفاق السلاح، وتنمية عددهم وزيادة تدريبهم، والحفاظ على أسلحتهم.

التلاحم: نظراً لكون المقاومين من أبناء المنطقة ذاتها، فإن هذه المرحلة تشهد تلاحماً بين الحاضنة الشعبية والمقاومة، ويقدم المدنيون كل ما يساعد المقاومين على البقاء والاستمرار، خاصة المخابئ والإعاشة، هذا التلاحم يبرز واضحاً في مخيم جنين ومخيمات نابلس وفي العديد من المناطق.

الحذر وجس النبض:  يجب أن تمتاز هذه المرحلة بالحذر وجس النبض من قبل المقاومين، والمناورة بالزمن بشكل صحيح، حيث يفرضون التوقيتات والأماكن المناسبة لعملياتهم، كما في عملية كرمل، وعملية حاجز الجلمة، وعملية الأغوار، ومهم للمقاومين بما أن الزمن متاح لهم، فإنهم غير مضطرين للدخول في أية معركة دون تخطيط وتحضير كافيين، وبعد التأكد من إمكانية الانتصار فيها، وعدم الاستجابة لاستفزازات قوات الاحتلال التي تستهدف استنزاف واغتيال المقاومين.

الإبداعية: إن الثائر في حرب العصابات يجب أن يكون مبتكراً في أساليبه وعملياته، لتعويض الفارق بينه وبين العدو، ولأن جيوش الاحتلال يعمل وفق مخططات جاهزة لمواجهة التهديدات المحتملة، وغالباً عندما تواجه خطراً من طبيعة غير مدربة على مواجهتها فإنها تقع في التخبط والإرباك، أو تحجم عن اتخاذ أي رد فعل بانتظار التعليمات من مراكز القيادة.

تميزت العمليات الأخيرة باختيار الأهداف والأماكن لتنفيذها، وهو ما يبرهن عن تطور في أداء المقاومين من نواحي التخطيط والدقة في التنفيذ وتحديد الهدف، وهذا ما ظهر من خلال نجاح المقاومون في تنفيذ عملياتهم وتحقيق الأهداف المحددة لها من ناحية، وكذلك في اختيار أهداف عسكرية وجنود وحراس امن من ناحية ثانية، مما يدلل على وعي وانتقال إلى مستوى جديد في جعل المقاومة هادفة من وراء عملياتها بالتركيز على جنود العدو وجسمه العسكري ومستوطنيه الذين يمارسون الإرهاب والقمع والاعتقالات والعدوان على ابناء الشعب الفلسطيني وهذا هو جوهر حرب العصابات.


هام : هذا المقال يعبر فقط عن رأي الكاتب ولا يعبر عن رأي فريق التحرير
التعليقات (0)