-
℃ 11 تركيا
-
15 مارس 2025
رامي أبو زبيدة يكتب: إسرائيل وتحدّي استخلاص دروس 7 أكتوبر
رامي أبو زبيدة يكتب: إسرائيل وتحدّي استخلاص دروس 7 أكتوبر
-
15 مارس 2025, 6:36:39 م
- تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
رامي أبو زبيدة يكتب: إسرائيل وتحدّي استخلاص دروس 7 اكتوبر
إن عدم معرفة العدو كمعرفة كف اليد يعني، عدم القدرة على تحديد المخاطر والتهديدات التي يمكن أن تصدر عنه، مما يفضي إلى عدم تخصيص القدرات في المكان والزمان المناسب، وعدم استخدامها حيث يجب أن تستخدم، الأمر الذي يسبب الهزيمة، وفقدان القوة لمبرر وجودها.
كما أن القصور في عدم معرفة العدو بالشكل الصحيح يعني فيما يعني؛ عدم معرفة نقاط ضعفه التي تشكل مقتلاً له فنأتيه منها، وعدم معرفة نقاط قوته التي يجب أن نتجنبها أو ندبر لأنفسنا تدبيراً يقيناً شرها، فحربنا مع عدونا حرب غير متكافئة في القدرات والإجراءات، وأصل أصول الحرب غير المتكافئة؛ معرفة نقاط قوة وضعف الخصم، ومعرفة نقاط قوتنا وضعفنا، ومن هذا الأصل تشتق باقي الأصول وتستنبط الإجراءات ويوضع مسار بناء القدرات.
من خلال متابعتي للتقارير العسكرية الإسرائيلية وتحليلات المختصين العسكريين الإسرائيليين، حول طرق وأدوات الجيش الإسرائيلي في إدارة الدروس المستفادة من هزيمة السابع من اكتوبر (طوفان الأقصى)، خاصةً بعد الكثير من الانتقادات العلنية للجيش والاستخبارات، طرحت عدة أسئلة منها، هل يتعلم الجيش والاستخبارات حقاً من الدروس؟ وهل الدروس التي يستخلصها صحيحة؟ وهل إذا تصرف الجيش وفقاً للدروس المستفادة وتم تنفيذها فسوف يستعد للحرب القادمة؟
يقول رئيس الاستخبارات العسكرية الأسبق مدير معهد دراسات الأمن القومي في جامعة تل أبيب الجنرال في الاحتياط تامير هايمان هايمن حول تحدّي استخلاص الدروس والبحث والتحقيق: "إن الفشل في بداية الحرب والسلوك خلالها يتطلبان تحقيقاً حقيقياً، كما أن استخلاص الدروس والتعلم الجذري سيؤديان إلى تغيير سلوك الجيش. حتى الآن، جرت التحقيقات بصورة غير دقيقة، واستغرقت وقتاً طويلاً... فالتحدي الذي سيواجهه رئيس هيئة الأركان الجديد لن يكون سهلاً، نظراً إلى مرور الوقت، ولأنه جرى استجواب كثيرين بشكل غير مهني، الأمر الذي يجعل الوصول إلى الحقيقة صعباً".
لم تكن مفاجأة طوفان الأقصى المفاجأة الوحيدة التي فوجئ بها الجيش الإسرائيلي، حدث ذلك مراراً وتكراراً خلال مواجهته فصائل المقاومة، وكانت المفاجأة بسبب الفرق بين المعرفة والفهم، وصعوبة استيعاب أهمية التهديد، وعدم استعداده لذلك، ونلحظ بعد كل عمل عسكري يخوضه الجيش الصهيوني يعلق العسكريون بالجيش ” لقد تم دراسة العملية واستخلاص الدروس المستفادة منها ونعمل الآن على تنفيذها “.
معركة طوفان الاقصى أوضحت حجم الفجوة بين النظرة السائدة والواقع في ميدان القتال، وهناك منافسة بالتعلم واستخلاص الدروس المستفادة، وتقدير الموقف، وأخذ العبر بين الجيش الإسرائيلي وقوى المقاومة، وكجزء من هذه المنافسة حاول الاحتلال الإسرائيلي تعديل عقيدته القتالية على المستوى التكتيكي، ويتم التغيير المنهجي في هوية ( العدو ) وطابعه العسكري، ويسعى لضبط تصور الرد على هذا التغيير، ووفقاً لقيادة العدو العسكرية فإنهم نجحوا بالفعل في الجزء الأكبر من المهمة قبل السابع من أكتوبر، وتم تحديد التغير في البيئة، غير أنهم تأخروا في فهم الفرق بين التغيير ونماذج استخدامها، وبعبارة أخرى هناك فجوة بين التغير في طبيعة البيئة الاستراتيجية والنهج النظامي المستخدم في الجيش الإسرائيلي.
في رسالة استقالته بعد أكثر من عام من الإخفاق، كتب شريئيل قائد وحدة 8200عن اعتزاله الخدمة في الجيش الإسرائيلي: "لقد فشلنا جميعًا كمؤسسة استخباراتية وعملياتية في القدرة على ربط النقاط لرؤية الصورة والاستعداد لمواجهة التهديد. وعلى المستوى الشخصي – فشلت في فهم الوضع بالقدر الكافي، ولذلك لم أعكس الصورة بالشكل المطلوب، ففي الواقع الفريد على حدود غزة، نحن كمؤسسة كنا ملزمين بإدارة المخاطر بشكل مختلف. في وضع يوجد فيه عمليًا فرقتان من قوات النخبة على حدود غزة، على بُعد دقائق قليلة من المستوطنات الإسرائيلية، لا يمكن الاعتماد على الإنذار القائم على الإشارات الاستخباراتية فقط".
وحول فجوة قوات الجيش الإسرائيلي في المجال العملياتي يرى اللواء يرون فينكلمان قائد المنطقة الجنوبية إن "سباق تعلم المقاومة أدى إلى زيادة الجاهزية والحساسية لرفع التأهب، بقدر يتحدى خطط الهجوم الحالية في قطاع غزة التي تقوم على أساس الهجوم في الروتين بل وجعل بعضها لا داعي له". بمعنى، حيال استخبارات آخذة في التضاؤل يشير فينكلمان إلى جاهزية متزايدة لدى العدو "حماس" لمهاجمة إسرائيل.
هذا يشير أن الاحتكاك الشديد في ساحة المعركة والالتقاء بالتحديات التي كانت معروفةً من قبل و القدرة على التعامل معها تزيد من حدة الفجوات وطرق المواجهة المفترض العمل بها، فالحروب والمعارك تكشف الكثير من الفجوات والتحديات بين الوضع المرغوب واستعداد القوات والوضع الحالي فقد كانت طوفان الأقصى نموذجاً لذلك، حيث دخل الجيش الاسرائيلي بفجوات على جميع المستويات : من قادة الألوية والطائرات بدون طيار والافتقار إلى الخبرة ومشغلي الأسلحة في القيادة والسيطرة على الوحدات القتالية وحجم الثغرات في المناورات الأرضية .
وهنا تقول عنات ساراغوستي، إحدى الصحافيات الإسرائيليات اللواتي عملن على تقارير عن قطاع غزة أن تحقيقات الجيش والشاباك في أحداث 7 أكتوبر تكشف حقيقة مذهلة. فبعد أن اطّلعنا على صورة كل كيبوتس وكل بلدة وقاعدة عسكرية على حدة، كان الأمر الصادم بصورة خاصة هو الصورة الكبيرة التي يمكن من خلالها رؤية انهيار سلسلة طويلة من النظريات، أكبر وأعمق من النظرية المنسوبة إلى رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو، والتي انتهجها رؤساء المنظومة الأمنية، والقائلة إن "حماس" مرتدعة، وليس من مصلحتها الدخول في مواجهة، وكذلك نظرية أن المال يقلّص دوافع مقاومة إسرائيل.
وبحسب الكاتبة الإسرائيلية في 7 أكتوبر تبددت نظرية أننا نسيطر على المجال ونعرف، بواسطة الفرقة 8200 التي تستهلك كثيراً من الموارد، وبواسطة الشاباك، كلّ ما يجري في غزة وكلّ حديث يُسجَّل وكلّ اجتماع يُصوَّر، وأننا نعرف كلّ عملية في زمنها الحقيقي. نحن نعرف، لكننا لم نفسّر معلوماتنا بصورة صحيحة. والمعرفة بحد ذاتها ليست كافية.
من جانبه، قال رئيس تحرير صحيفة هآرتس الإسرائيلية “آلوف بن” أن "إسرائيل أحاطت نفسها طوال سنوات، قبل 7 أكتوبر، بأربعة أسوار واقية انهارت في لحظة الاختبار. الاستخبارات الموثوق بها التي اعتمدت على جدار تكنولوجي واقٍ مع وسائل متطورة لجمع المعلومات التي تؤمّن الإنذار؛ الجيش الذي اعتمد على جدار واقٍ من منظومة المراقبة وإطلاق النار من أجل ترهيب العدو وإحباط أيّ محاولة تسلُّل على الحدود؛ ونتنياهو الذي اعتمد على أن المال القطري سيؤمّن الهدوء؛ وفي أساس هذا كله، هناك الجدار الواقي البسيكولوجي: لم يتخيل الإسرائيليون قط أن الفلسطينيين قادرون على تنفيذ هجوم معقّد كهذا. وحده السنوار وشركاؤه، فكوا رموز اللامبالاة الإسرائيلية، ونجحوا في اختراق الأسوار الأربعة من دون إنذار استخباراتي.
يمكن القول، إن أبرز ما في الرؤية الاستخباراتية الإسرائيلية الراهنة وما تشير له التحقيقات هو عدم قدرة الاستخبارات العسكرية على ادعاء الوضوح في استشراف مجريات الأمور، والسبب في ذلك التغييرات المتسارعة في خريطة التهديدات في المنطقة التي من شأنها أن تؤدي إلى أخطاء في التقديرات الاستخباراتية، فلا رؤيا بعيدة المدى والحسابات رهن التطورات.
كما أن العقيدة القتالية لدى المقاومة والقائمةً على نظرية الحرب غير المتكافئة والتي عمادها مواجهة القدرات المتطورة بقدرات أقل تطور منها مما يفقد الأولى نقاط قوتها، وهنا يفقد العدو نقاط تميزه وليس أمامه سوى سلاح المشاة لحسم به، وهو نقطة ضعفه باعتقادي هناك عدة أسباب لفشل العدو في التنبؤ بمعركة طوفان الأقصى:
منها الإخفاقات الاستخباراتية، والفشل في اتخاذ القرار، وإخفاقات الجندي نفسه، ويتم التعبير عن إخفاقات الجندي في عدم فهمه للتعليمات وما يترتب على ذلك من ترجمة خاطئة على أرض الميدان، والتحيز المحتمل لدى القائمين على عملية استخلاص الدروس بحيث يميلون إلى استخلاص الدروس التي تكمن وراء تفكيرهم، وتعزيز الاتجاهات التي يعملون فيها، وبالتالي، لا يوجد اختراق جدي ونوعي، ولكن تحسن تكتيكي في الأداء .
كما يرى عدد من الخبراء العسكريون، أن الافتراض بوجود ثغرات معروفة بإدارة المخاطر في بناء القوة والقدرة يؤدي مع اندلاع الأعمال العسكرية، أن تحاول الأجهزة الرقابية بتحديد الدروس المستفادة بسرعة لبناء القوة والاستعداد، من أجل الحصول على الموارد اللازمة من خلال الميزانيات المفتوحة، هذه الخطوة صحيحة من ناحية، وتمكن من زيادة سريعة نسبياً في مستوى تأهب القوات، ولكن من ناحية أخرى يوجد خطران مهمان :
- من المحتمل أن تأخذ هذه الخطوة الموارد التي كان من المناسب أن تستثمر في قضية أخرى مهمة وأكثر تأثيرا في بناء القوة للحرب القادمة.
- قد يكون الدرس المستفاد غير مكتمل بسبب عدم وجود عملية احترافية وكاملة لدراسة الموضوع والتحقيق فيه.
خلاصة الأمر، إن المبالغة في توصيف الذات يفضي إلى وهن القوة؛ وهن في البناء ابتداءً ناتج عن خلل في تحديد الاحتياج الحقيقي المطلوب، كنتيجة للمبالغة في توصيف الذات والثقة الزائدة عن الحد في القدرات المملوكة والمتاحة، الذي يعمي عن رؤية نقاط الضعف، ووهن في تشغيل هذه القدرات انتهاءً والذي يأتي كمحصلة لعدم تشغيل المناسب من القدرات لمواجهة التهديدات الناتج عن ( نفخ ) الذات.
وعليه من الممكن القول إن هناك فجوات كبيرةً في الطريقة التي يتم بها تخطيط وإدارة الدروس المستفادة من الحروب والعمليات في الجيش الإسرائيلي ، وان هناك فجوة في استيعاب الدروس وإخفاقات ميزت عملية التعلم من الدروس المستفادة خلال المعارك العسكرية، بالإضافة لمسألة ثقة القادة وضباط الأركان بالدروس المستفادة، على مر التاريخ تفاجأ الجيش الإسرائيلي باستراتيجيات وتكتيكات عسكرية جديدة يستخدمها خصمه، وفي كثير من الحالات أدت المفاجأة التكتيكية والاستراتيجية إلى ضرورة إيجاد حلول فورية أثناء القتال عجزت القوات الإسرائيلية على التعامل معها ميدانياً .








