- ℃ 11 تركيا
- 5 نوفمبر 2024
د.مصطفي حجازي : الحقوق والحدود
د.مصطفي حجازي : الحقوق والحدود
- 16 أبريل 2021, 4:06:46 ص
- 917
- تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
أثيوبيا - كإسرائيل - لا تفهم إلا لغة القوة .. و لن تنصاع أو ترتدع إلا لواقع القوة .. !
مُرةُ هى الحقيقة .. و لكنها أثقل من أن نراوغها ..!
أثيوبيا أحلت نفسها من سرديات القانون الدولى و الأعراف الدولية و قيم المجتمع الدولى، و كل تلك المسميات التى تراها ديباجات إنشائية تعين على تمرير المواقف فى مؤسسات البيروقراطية الدولية كالأمم المتحدة و ما شابهها.
سرديات - تظنها - لا تلزم إلا الضعفاء غير القادرين على فرض رؤاهم أو القابلين بالانصياع للقانون الدولى غفلة أو سذاجة ..!
و لذلك لن تعوز أى مراقب عدل الدقة حين يثبت - قاطعاً - الهدم المتعمد لكل المقاربات السلمية بمعول أثيوبيا .. ذلك الهدم الذى تأبى - تلك الدولة التعسة - إلا أن تؤطره بأكبر قدر من الصلف و الوقاحة السياسية .
و إن يظن البعض أننا تجاوزنا الحسم بقوة السلاح .. فلا ينبغى أن يظن أن خيار القوة قد ولى أو أوصد بابه ..!
الحسم بقوة السلاح كان المقاربة الجراحية الأنجع فى نقطة ما من مسار الصراع مع أثيوبيا فى إطار العشر سنوات الماضية و لم يزل ..
ما زال حاضراً - الآن - إن ارتأته الاستراتيجية المصرية كمنطلق سياسة لتأكيد يد عُليا فى الموقف التفاوضي الآني، و الأهم كمنطلق سيادة فى إدارة الصراع الممتد بعد الآن و إلى أمد غير منظور.. أمد قائم ما دام سد الألفية قائماً، و الضغائن التى أسس عليها قائمة و مستعرة .
قلنا فى سابق أن أثيوبيا تلك الدولة المهترئة عرقياً و المتناحرة .. تتشكك - و يتشكك قبلها محركوها - فى قدرتها على بناء إقتصاد منتج للقيمة .. و لذا خُطط لها أن تبنى عضدها الاقتصادي و وزنها السياسى على حقيقة المورد الطبيعى الأوحد الذى تفردت به و هو المياه ..
فلتكن المياه فى الإقتصاد هى القاعدة، و فى السياسة هى ذراع التأثير و الهيمنة، و فى المواجهات العسكرية هى السلاح..!
القضية إذا بالنسبة لها - تتجاوز قضية التنمية و الكهرباء و سد الألفية إلى حقيقة وجود مشروع للهيمنة فى أفريقيا - لا يحتمل تأويل - أثيوبيا رأس الحربة فيه .. مشروع وقوده الضغائن التاريخية و إسرائيل فى القلب منه .. جوهره حصار مصر و توهم إذلالها بغية التحكم فى قرارها و مقدراتها من خلال فرية بيع المياه .
إذاً .. و بغض النظر عن التحرك المصرى الرسمى الآن فى هذا الميل الآخير.. و خياراتنا المشروعة فى الدفاع عن حقوقنا التاريخية بل و ردع أثيوبيا و من وراءها .. ذلك التحرك و الذى يوجب علينا جميعاً دعم خيارات القوة التى قد تستدعى لمنع خطوة التغيير الأخطر - و هى الملئ الثانى للسد - و التي تصل بالخيارات المصرية و السودانية عملياً إلى الحلقوم .. علينا أن نعي أن سد الألفية هو عنوان أول فى مشروع أوسع ليس فى أدبياته التعاون أو الشراكة أو الحقوق التاريخية .. يتجاوز المناوأة إلى التركيع.
و عليه .. إِعتُمِدَ خيار القوة العسكرية آنياً أو لم يعتمد .. يبقى خيار قوة الهيمنة - على مفاتيح الفعل فى المجتمع الاثيوبى المتصدع - هو الأوحد و من الآن .. و بغيره تصبح مقارباتنا لحماية حقنا فى الحياة ضرباً من الأوهام ..!
فو إن تجاوزنا الردع .. فليس أمامنا إلا إدارة صراع ممتد فى إطار محددات جيوسياسية و جيواستراتيجية جديدة نحن من يفرضها و لا تفرض علينا .. صراع بقاء نحن من يحدد جغرافيته و أمده و أدواته .. و ليس من دون ذلك خيارات أخرى.
لسنا بصدد صراع تكتيكي تعريف النصر فيه الإبقاء على حصة تاريخية فى مياه حددتها معاهدات و إتفاقيات .. و لكننا بصدد صفحة فى مشروع مصرى أشمل و أوسع لإعادة تعريف الدور المصرى فى أفريقيا بما تمليه المصلحة الاستراتجية للأمة المصرية فى المستقبل القريب و الأقرب .
مشروع مصرى يغادر أوهام الحصار و يتجاوز عقل الضحية المغدورة .. مشروعا يعرف أن تمثل موضع اليد السفلى بإدعاء محدودية الموارد لن يؤهل لشراكة و لا لقيادة، و لن يكفل تنمية أو إستقرار .. مشروعا يحررنا من عقال الدهشة الدائمة و التى صارت و كأنها وظيفة أكثر منها عذر و حال ..!
و لمن مازال يرى أن الحديث عن مشروع مصرى هو من باب الترف الفكرى أو تهويمات المثقفين.
مصر لا تقوى - حتى و إن قصرت رؤاها - أن تكون رقماً تابعاً فى معادلات إقليمية أو دولية ..
مصر رغم محدودية التنمية و أثقال التراجع الاجتماعى و الاقتصادى و محاصرة القدرة الثقافية و الإبداعية و السياسية من ذوى القربى قبل الأعداء .. يظل دورها الريادي فى إفريقيا و المتوسط و الشرق الأوسط و عالمها العربى بالضرورة، شرطاً من شروط السلام الاقليمى و الاستقرار فى العالم.
قد تذهل عن ذلك الدور أو تنكص عنه بمحدودية فى القراءة الجيواستراتيجية .. و لكن تبقى بالنسبة للنظام العالمى فى كل أطواره على مدار الخمسمائة سنة الماضية على الأقل شريك و خصم فى آن واحد .. نِدُّ تُخشىَ نِديِّته و يُحتَسبُ أكثر لتداعيات تَقَزُّمِهِ ..
و قد بدا ذلك أجلى ما بدا فى تعامل النظام العالمى فى حينه مع مشروعى مصر الأكبر فى المائتي سنة الفائتة .. مشروع محمد على ١٨٠٥ و مشروع جمال عبد الناصر ١٩٥٥.
لم يصل المشروعين إلى ذروة تأثيرهما بقبول المسرح الدولي لدور مصرى ينافح أدوار أخرى .. كما أنه لم يُحاصر المشروعان أو ينهزما لمجرد وجود سيناريو تآمري يرى أن أوان بتر الدور المصرى قد حان ..
بقيت التفاعلات الدولية حاضرة و مؤثرة فى بزوغ المشروعين و فى أفولهما .. و لكن سبق تلك التفاعلات و لحقها ”وعى مصرى تام بالهوية الاستراتيجية“ و الثقل الاقليمى و الدولى .. و ”إرادة مصرية للتواجد الفاعل“ فى السياق الاقليمى و الدولى إما بالقيادة و الإلهام .. أو بالمناوأة و تحسب الضرر.
لا يأبه أقطاب العالم كثيراً بأحلام التنمية للشعوب .. و لا بعدالة توزيع الثروة .. و لا بحق الحرية و الحياة و اقتفاء السعادة للأمم .. و لا بتأطير ذلك كله فى حلم و مؤسسات الحكم الرشيد .. و لكن و إن لم يأبهوا بذلك لغير شعوبهم .. ليس فى مقدورهم تجاوز الأمم التى تمثل أرقام الضرورة فى معادلات القوة .. و هى تلك الأمم التى تعرف هويتها و تعى ثقلها و تملك إرادتها .
تحضر مصر دائما بقدرها التاريخى و الثقافى و الاستراتيجى الواجب .. حين لا تتقزم أمام المتاح .. و لا تلتهى فى إدعاءات المؤامرة .. حين تكون مُصَدِّرَةً للسياسة .. ضابِطة لسلام الإقليم .. و الأهم حين تعرف أن حدودها هى باتساع مرمى حقوقها..!
فَكِّروُا تَصِحّوا ..