- ℃ 11 تركيا
- 25 ديسمبر 2024
د. محمد إبراهيم المدهون يكتب: قيادة الأزمة
د. محمد إبراهيم المدهون يكتب: قيادة الأزمة
- 20 نوفمبر 2022, 6:42:45 ص
- تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
السمت القيادي موهبة يعززها بناء القدرات القيادية، ومن أجل ذلك كانت القيادة صناعة فنية ترتكز على أسس علمية ومبادئ وأصول، وتتنوع المدارس الفكرية في فلسفة بناء القيادة ولكن ما لا يُختلف عليه أن قيادة الأزمات والنجاة من المهالك من أبرز السمات للعمل القيادي الرصين، ولعل ذلك كان الأساس العلمي لوجود " نظرية القيادة الموقفية " في صناعة القائد، ولعل قصة خالد بن الوليد رضي الله عنه في قيادته العسكرية في قوته خير دليل حتى كان " سيف الله المسلول " من يومها.
ويقول الراشد بشأن موقف الأزمة " إن من شأن النفس أحياناً أن تهزها الأزمات وتجنح نحو اليأس فيستولي عليها الإحباط، ولكن النفس المؤمنة المطمئنة بالله وبكمال دينه وشريعته تأبى الهبوط وتستعلي على المصاعب وتحرص على أن تقف موقف التحدي وتبدي إصراراً على الثبات أمام العاصفة ".
والقائد في مسيرته يواجه أزمات متنوعة وليس ذات طبيعة واحدة مما يفرض عليه القراءة الدقيقة المتأنية لطبيعة الأزمة محل القرار وأطرافها وسبل لجمها وإنهائها، وحيث أن الأزمات تتنوع فإن تعدد الصفات القيادية لازمة للنجاح في مواجهة كل أزمة، ومن هنا فإن اكتمال شخصية القائد من حيث المواصفات سواء المرتبطة بالعقل ومن ذكاء وإبداع، وبالقلب من حب وثقة وإيمان، وبالنفس من حيث الشجاعة والإنضباط، وبالجسد من حيث الحرك والصحة وخلافه، وهذه الصفات المتشعبة تحقق للقائد المصداقية والثقة والتي تنبثق من الإيمان والكاريزما القيادية والإهتمام والجدية والشجاعة وامتلاك المهارات والمعارف، وكل ذلك يبدو في وقت الأزمة بما يُسمى رباطة الجأش الذي يحفظ للقيادة ثورتها على ضبط الصف وحفظ التوازن، ومشهد النبي صلى الله عليه وسلم في حُنين قائلاً حين وقف على دابته ينادي " أنا النبي لا كذب أنا إبن عبد المطلب، يا أصحاب الشجرة..".
ورباطة الجأش وحفظ التوازن رمانة الميزان وعمود الخيمة في قيادة الأزمة ومنع الإنجراف بها ويعززها تالياً الإلهام الذي يحققه القائد للأتباع بهذه الروح، وكذلك توفر المعلومات القادرة على فهم الصورة الشاملة للأزمة، ويأتي الإبداع ليحقق مزيد من المرونة في قيادة الأزمة دون خسائر عظيمة، وبتحويل الأزمة إلى استثمار ومحطة جديدة للعمل وتحويل المحنة إلى منحة، وكذلك تحويل الألم إلى أمل وتصبح " الضربة التي لا تميتني تزيدني قوة ".
ويتحقق التماسك في قيادة الأزمة بتوفر الثقة من الأتباع وأساسها الطاعة ومؤشراتها التكاتف في الموقف والتلاحم في القضية محل الأزمة. وعكس ذلك تماماً فإن فقدان التوازن وحجب الثقة ومعصية القيادة وتشرذم الصف ملامح الفشل في قيادة الأزمة، وبذلك تنتشر الشائعات وتفشو القلاقل وتهيمن أجواء الإحباط وفقدان الثقة.
ومن هنا يتعاظم الدور القيادي لمواجهة الأزمة من خلال القدرة على الانتصار على الشائعات من خلال تعزيز منهجية " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن جَاءكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا أَن تُصِيبُوا قَوْماً بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ " [الحجرات: 6].
والانتباه الدقيق والفطن في هذه المرحلة إلى المرجفين وشل قدرتهم الترويجية للشائعة، وكذلك الالتفات إلى ضعف الثقات الذين يلوذون بالصمت القاتل في مواجهة الأزمة العاصفة، ولعل أثر ذلك يتجلى بشكل رئيسي في انفضاض الناس.
ولعل من ملامح القيادة الفاعلة للأزمة قدرة القائد على تجييش الصف الداخلي والمحيط الخارجي لصالح مواجهة الأزمة وصناعة بيئة مواتية من خلال منظومة حلفاء وإعلام مساند.
لقد واجه النبي صلى الله عليه وسلم أزمات عاصفة بقيادة حكيمة رصينة واثقة سواء في حصار الشِعب أو الخندق أو حادثة الإفك ومحطات أخرى كثيرة، وكذلك الأنبياء جميعاً واجهوا أزمات خانقة أشهرها قيادة يوسف عليه السلام لأزمة المجاعة.
ولعل لنا لقاء في المنهج النبوي في قيادة الأزمات حتى يتحقق لنا أن نكون خير خلف لخير سلف.
والله الموفق والمستعان