- ℃ 11 تركيا
- 14 نوفمبر 2024
د. سعيد الشهابي يكتب: الغرب يتأرجح إزاء حقوق الإنسان
د. سعيد الشهابي يكتب: الغرب يتأرجح إزاء حقوق الإنسان
- 18 أبريل 2022, 12:15:39 ص
- تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
موقف الدول الغربية من قضايا حقوق الإنسان كان دائما مثيرا للغط لأسباب عديدة: أولها أنه لم يكن متجانسا بل يختلف من بلد لآخر ومن حالة لأخرى، ومن شخص مضطهد لآخر. ثانيها: أنه ليس مبدئيا بل اتسم بالنسبية المفرطة، فهو داعم لحقوق الإنسان بحماس في بلد ومائع أو متخاذل في بلد آخر. ثالثا: أنه لم يتحول إلى قضية محورية في السياسة الخارجية لبلدان «العالم الحر» بل بقي هامشيا يحظى باهتمام محدود في أفضل الحالات.
رابعا: أن مبدأ حماية حقوق الإنسان خاضع لسياسات الدول وليس مطلقا، كما أنه «موسمي» و«مناطقي» ايضا. خامسا: أنه يتضارب أحيانا مع «المصالح» الاقتصادية والسياسية، فتعطى الأولوية للمصالح قبل المبادئ.
بعد أن تم ترويج المنظومة الحقوقية أصبحت الشغل الشاغل لقطاعات واسعة من النشطاء السياسيين العاملين في صفوف المعارضة لحكوماتهم الاستبدادية. وشيئا فشيئا تراجع العمل السياسي في كثير من الأحيان لصالح العمل الحقوقي الذي أفرغ من محتواه، فأصبح شعارا ليس له مصاديق كثيرة في الواقع. وتكفي نظرة سريعة لتقرير وزارة الخارجية الأمريكية الأخير حول حقوق الإنسان في العالم الذي صدر هذا الشهر لكشف مدى تراجع هذه الحقوق في أغلب دول العالم. بل أن هناك من يعتبر أن المآلات الحقوقية أصبحت معوّقا للنشطاء السياسيين الذين يرون كوادرهم مستهلكة في العمل الحقوقي بدون أن يكون هناك نتائج ملموسة لذلك العمل. فوتيرة الاضطهاد في تصاعد مع تراجع الحريات العامة وتغوّل الاستبداد.
في الأسبوع الماضي أعلنت بريطانيا منحها الجنسية البريطانية لناشط مصري اعتقله نظام السيسي بسبب نشاطه في ذروة الربيع العربي. ومن المؤكد أن الكثيرين اعتبر ذلك خطوة إيجابية لأنها تمنح بريطانيا فرصة لإرسال مسؤولين من سفارتها في القاهرة لزيارة السجين علاء عبد الفتاح في السجن بعد أن عجزت كافة أساليب الضغط الأخرى للإفراج عنه. لكن بريطانيا نفسها لم تتدخل عندما كان الرئيس السابق، المرحوم الدكتور محمد مرسي معتقلا. وبقي في السجن مع عشرات الآلاف من المصريين أغلبهم من جماعة الإخوان، حتى وفاته في ظروف غامضة بدعوى أنه أصيب بأزمة قلبية. وسبقه للرحيل عن هذا العالم نجله الذي كان معتقلا كذلك. فكيف يمكن تفسير السياسة البريطانية بين هذين الموقفين؟ وما تزال قضية الباحث الإيطالي، جوليو ريجيني الذي توفي في القاهرة تحت التعذيب في 2106 غامضة ومستعصية على الحل، وموضع شد وجذب بين إيطاليا ومصر. وبرغم المطالبة بتحقيق مستقل في ظروف وفاته الا أن السلطات المصرية أصرت على تجاهل القضية. وحتى الاتحاد الأوروبي لم يحرّك ساكنا للضغط على نظام السيسي لإجراء تحقيق مستقل او اعتقال المعذبين المسؤولين عن وفاته. وثمة سبب آخر للاستغراب، أن بريطانيا لم تعرف بحماسها للدفاع عن حقوق الإنسان، خصوصا إذا كانت الأنظمة المتهمة بالقمع واضطهاد المعارضين مصنفة ضمن دائرة «الأصدقاء».
تكفي نظرة سريعة لتقرير وزارة الخارجية الأمريكية الأخير حول حقوق الإنسان في العالم الذي صدر هذا الشهر لكشف مدى تراجع هذه الحقوق في أغلب دول العالم
بريطانيا لا تختلف كثيرا عن الدول الأوروبية الأخرى التي لا تتردد في تجاوز حقوق الإنسان عندما تتعارض مع مصالحها. ففي 24 يناير الماضي قامت جمهورية صربيا بتسليم لاجئ من البحرين (أحمد جعفر محمد) إلى حكومته، برغم أمر أصدرته «المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان» بحظر تسليمه على وجه التحديد بانتظار مزيد من المعلومات. وما أن وصل المطار حتى اعتقل وتعرض لتحقيق وتعذيب قبل أن يصدر بحقه حكم بالسجن مدى الحياة. وسبقتها هولندا التي قامت في بتسليم لاجئ آخر لحكومة البحرين بعد أن تقدم بطلب اللجوء. جاء تسليم الشاب علي الشويخ بعد إصدار محكمة في البحرين في 28 فبراير/ شباط 2019 حكماً عليه بالسجن المؤبد وإسقاط الجنسية وغرامة 500 دينار بتهمة «التستر على عدد من المطلوبين أمنياً». وقد تكثفت الانتقادات المُوَجّهة لهولندا بسبب إصرارها على تسليم المذكور برغم المناشدات التي وجهت لها بعدم الإقدام على ذلك. والواضح أن شجب المؤسسات الحقوقية لا يكفي لمنع الحكومات الغربية عن الوفاء بالتزاماتها الحقوقية. كما أن الا تحاد الأوروبي الذي يصدر القرارات المرتبطة بحقوق الإنسان لا يتدخل في حالات تسليم لاجئين سياسيين إلى حكومات بلدانهم برغم ما ينتظرهم من اضطهاد وتعذيب. فأين هو الخط الفاصل بين المسؤولية الأخلاقية والمصالح المادية البحتة؟ فدول الاتحاد الأوروبي لا تحترم التزاماتها إزاء حقوق الإنسان. فمثلا رفضت السويد التدخل بشكل فاعل لاستنقاذ لاجئ مزدوج الجنسية من سجون البحرين. الشيخ محمد حبيب المقداد اعتقل قبل أكثر من أحد عشر عاما بسبب دوره في ثورة 14 فبراير، وما يزال وراء القضبان حتى اليوم. وبرغم حمله الجنسية السويدية الا أن حكومة ذلك البلد لم تقم بإجراء فاعل لضمان الإفراج عنه. وكذلك الأمر بالنسبة للناشط الحقوقي الدولي المعروف، عبد الهادي الخواجة، المحكومة بالسجن المؤبد الذي يعاني هذه الأيام من مرض في عينه يهدد بفقد بصره. هذا الناشط يحمل الجنسية الدنماركية منذ اكثر من ثلاثين عاما، ولكن الدنمارك لم تتخذ إجراءات فاعلة لإطلاق سراحه. هذه الدول تستطيع تحريك الاتحاد الأوروبي كتحالف إقليمي فاعل، لانتهاج سياسات تحمي حقوق الإنسان خارج الاتحاد، او على الأقل يستطيع ربط علاقاته بالدول الأخرى باحترامها حقوق الإنسان، لضمان الإفراج عن ضحايا الاعتقال التعسفي خصوصا إذا كانوا يحملون جنسيات أوروبية.
الأمر المؤكد أن الأزمة الأمنية والأخلاقية التي ارتبطت منذ التسعينيات بتنظيم «القاعدة» ما تزال تفرض نفسها على الدول الأوروبية بشكل خاص، هذه الدول غضت الطرف عندما كانت عناصر ذلك التنظيم الإرهابي تتعرض لأبشع أساليب التعذيب والتنكيل وانتهاك حقوق الإنسان. وبدلا من التعاطي مع الآخر الخصم وفق ما يفترض أن يكون من الثوابت الأخلاقية والقيمية، استسلمت الحكومات الغربية لضغوط المشاعر النفسية الناجمة عن العمليات الإرهابية، وتناست تلك الثوابت. فعمد المحققون الأمريكيون بموافقة البيت الأبيض لاستخدام أساليب عديدة تندرج تحت عناوين التعذيب، ومنها تعريض المعتقلين للبرد القارس في الزنزانات، أو حرمانهم من النوم أو إجبارهم على الوقوف ساعات طويلة. كما استخدمت أسلوبا من التعذيب يعرف بـ «الإيهام بالغرق» لسحب الاعترافات من المتهمين.
من المؤكد أن علاء يستحق الدعم الخارجي، فهو مظلوم بدون شك، وضحية قمع سلطوي منظم طال عشرات الآلاف من المصريين. ولكن الخطوة البريطانية تستعصي على الفهم خصوصا لجهة دوافعها. ومعروف أن الحكومة البريطانية الحالية لا ترفع عادة شعار ترويج الديمقراطية او الدفاع عن حقوق الإنسان. فمثلا برغم النداءات الكثيرة التي وجهت للسيد جونسون وحكومته قبل ثلاث سنوات للتدخل لوقف إعدام الشابين البحرانيين، أحمد الملالي وعلي العرب، فقد تميز موقفه باللامبالاة. بل أن القضاء البريطاني أدان شابا بحرانيا حاول في الساعات الاخيرة قبل الاعدام إنقاذ حياة الشابين بالصعود إلى سقف سفارة البحرين في لندن. وهنا تتضح مفارقات السياسة البريطانية التي تميز بين البشر وفق معايير خاصة. وبدلا من شجب الإعدام، أصدرت وزارة الخارجية بيانا كررت فيه السياسة البريطانية الرافضة للاعدام من حيث المبدأ، بدون أن تسعى لمنع إعدام الشابين المذكورين. وبإمكان بريطانيا ممارسة دور ريادي في مجال حماية حقوق الإنسان في العالم، بربط سياستها الخارجية بمشروع حقوقي عميق يقطع الطريق على حلفائها التقلديين الذين يشعرون بتوفر الدعم السياسي لهم من الدول الغربية مهما ارتكبوا من أخطاء أو تجاوزوا من ثوابت ما يفترض أن يكون «دولة حديثة» تسمح بالحريات العامة وتقيم حكم القانون وتحترم حقوق الإنسان.
كاتب بحريني