تكبير الخط تصغير الخط

﷽
《وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا ﴿8﴾ إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لَا نُرِيدُ مِنكُمْ جَزَاء وَلَا شُكُورًا {9} [الدهر"الانسان"8-9]

يكاد يجمع المفسرون أن الآية المذكورة نزلت في اهل البيت (ع): علي و فاطمة والحسن و الحسين (ع).

ولعشرات السنين كنت أسمع عبر وسائل الإعلام المرئية والمسموعة ومن خطباء المنابر بأن سبب النزول هو أن الحسنين وأبويهما(ع)كانوا صائمين في غير شهر رمضان المبارك وذلك نظراً لنذر نذرته السيدة فاطمة الزهراء(س) عندما أصيب ولداها بمرض وعندما شفيا صاموا وفاءً بنذرها وشكرا لله على شفائهما.

من الناحية الشرعية والقرآنية والفقهية ثمة من يتساءل:

1■هل يصح أن يكون صيام زوج الزهراء (س) وابناها (ع) بناء على نذرها هي؟

2■ بتعبير آخر أليس نذر الزوجة ملزماً لها فقط؟ أم أنها يمكن أن تنذر أن تصوم هي وزوجها وابناها ايضا ويكون ذلك ملزما لهم؟

3■ إن عمر الحسنين ع اثناء نزول هذه الآية كان حوالي عامين فكيف يصح صيام طفلين بهذا العمر؟ سواء كان الصيام واجباً ام مستحباً ؟ وخاصة لو كان الأمر يخص نذر شخص آخر. أليس الشخص الناذر هو الملزم بالوفاء بنذره أم لا؟

من نافلة القول: إن عشرات بل مئات الآيات القرآنية نزلت ووردت في حق أهل البيت(ع) وتحدّث عنها الرواة من الفريقين وشرحها المفسرون من جميع المذاهب الإسلامية ونحن نقرّ بها ونؤمن بأن النبي (وآلـﷺـه) اوصى بهم في مئات الروايات الصحيحة، لكن ما يلفت النظر ويثير الحيرة في تفسير هذه الآية أن البعض زعموا أن الصيام كان لثلاثة أيام، وأن إفطار الحسنين وابويهما وامهما -وحتى خادمتهم فضة-كان عبارة عن أرغفة من الخبز فقط ولم يأكلوها.

فبمجرد أن يحلّ وقت الإفطار يطرق باب بيتهم مسكين أو يتيم أو اسير ويطلب منهم طعاماً يأكله فيعطون الطارق كل طعام الافطار- اي جميع الارغفة- ويظل الحسنان وأبواهما وأمهما بلا طعام لثلاثة ايام .

هنا ترد هذه الأسئلة:

1◇ كيف يكون شخص من الأعداء أسيراً لدى الدولة ولكنها لا توفر له طعاماً؟

2◇ كيف يكون الاسير طليقاً يتمشى في الشوارع ويطرق الأبواب ويطلب الطعام من سكّان الدولة التي أسرته.

3◇ ألم يكن ممكناً إعطاء الشخص الطارق كل ليلة طعام فرد واحد من الاسرة بحيث يستطيعون ان يفطروا بباقي الارغفة؟ ولو بحصة أقل لكل واحد منهم (ثلاثة أرباع الرغيف مثلاً)كل ليلة.

4◇ هل بقي الحسنان بلا طعام حقاً لثلاثة أيام ولم يفطرا نهائياً؟؟ وهما طفلان وغير مكلفين أساساً بالصوم.

طبعاً ما كتبته آنفا ليس بقصد الانكار وإنما للتعقّل والاستفسار وفهم ما حصل لمعرفة الحقيقة، وهذا ما حمل آية الله العلامة الشيخ محمد هادي معرفت(ره)[ الاستاذ المختص بالدراسات القرآنية والتفسير في الحوزة العلمية بقم قبل وفاته] على القول: 
[ينبغي الامتناع عن الغلو والمبالغة في نقل فضائل مزعومة ونسبتها الى أهل البيت "ع" وهم في غنى عن ذلك،فالصيام و إطعام المسكين واليتيم والأسير حصل في يوم واحد وليس في ثلاثة أيام ].

وبعدها طرح سماحته(ره) التساؤل بحق:
[ كيف صام طفلان يبلغ عمرهما سنتين وبقيا جائعين لثلاثة أيام متتاليةبلا إفطار؟). انتهى .
المصدر: (صحيفة "رسالت" الصادرة في طهران ص 1 العدد 5636 ، بتاريخ 21 جمادى الثانية 1426 هجري قمري، المصادف 28 تموز جولاي 2005 ميلادي)

وبعد التحقق مما قاله آية الله الشيخ معرفت تبَينَ لنا أن الزمخشري صاحب الكشاف روى في كتابه عن ابن عباس بأن الصيام استمر لثلاثة ايام لم يذوقوا فيها إلا الماء،بحيث ان النبي (وآلـﷺـه) عندما ابصر الحسنين (ع) كانا يرتعشان كالفراخ من شدة الجوع!

أما العلامة الطباطبائي (ره) صاحب تفسير الميزان فقد ذكر في الجزء التاسع والعشرين من كتابه نقلاً عن تفسير القمي رواية تنتهي الى الإمام أبي عبد الله الصادق(ع) بأن إطعام الأشخاص الثلاثة كلهم كان في ليلة واحدة بعد يوم واحد من الصيام وأن الامام علياً(ع) أعطى لليتيم ثلث الطعام، وللمسكين ثلثه ،وللأسير الثلث الأخير.

وهذا ما يؤيده البحراني في (غاية المرام) عن الشيخ المفيد في (الاختصاص) و ابن بابويه في (الأمالي) وفي (المناقب) مروياً عن الأصبغ ابن نباتة وهو الراي الاقرب للعقل والصواب.  

وهذا ما نرجّحه وما تقتضيه رأفة السيدة الزهراء والإمام علي (عليهما السلام) بولديهما لا أن يجعلاهما يعانيان الجوع ثلاثة ايام متتالية دون ذنب.

النتيجة:

في التفسير بالمأثور وما ننقله من الروايات ينبغي التحقيق والتدقيق وعدم الوقوع في المنهج الاخباري أو ما يسميه المعاصرون بـ(النسخ واللصق)، ابداً .

يقول الإمام أمير المؤمنين علي بن ابي طالب(ع):
[ اعقلوا الخبر إذا سمعتموه عقل رعاية لا عقل رواية، فإن رواة العلم كثير ورعاته قليل].
المصادر : 
[ تفسير الميزان للعلامة الطباطبائي- جزء 29 / جامع الاحاديث / شرح نهج البلاغة لابن ابي الحديد- الحكمة 98 / مكتبة الشيعة/ميزان الحكمة لمحمد الريشهري- الجزء الاول- ص 548).