د. رعد هادي جبارة يكتب: خصوصية المفردة القرآنية 17.. "قَالَ لَا تَخَافَا إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَى"

profile
د.رعد هادي جبارة الأمين العام للمجمع القرآني الدولي
  • clock 18 نوفمبر 2024, 1:21:43 م
  • تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
Slide 01


[قَالَا رَبَّنَاۤ إِنَّنَا نَخَافُ أَن یَفۡرُطَ عَلَیۡنَاۤ أَوۡ أَن یَطۡغَىٰ ۝٤٥ قَالَ لَا تَخَافَاۤۖ إِنَّنِی مَعَكُمَاۤ أَسۡمَعُ وَأَرَىٰ ۝٤٦ فَأۡتِیَاهُ فَقُولَاۤ إِنَّا رَسُولَا رَبِّكَ فَأَرۡسِلۡ مَعَنَا بَنِیۤ إِسۡرَ ٰ⁠ۤءِیلَ وَلَا تُعَذِّبۡهُمۡۖ قَدۡ جِئۡنَـٰكَ بِـَٔایَةࣲ مِّن رَّبِّكَۖ وَٱلسَّلَـٰمُ عَلَىٰ مَنِ ٱتَّبَعَ ٱلۡهُدَىٰۤ ۝٤٧ إِنَّا قَدۡ أُوحِیَ إِلَیۡنَاۤ أَنَّ ٱلۡعَذَابَ عَلَىٰ مَن كَذَّبَ وَتَوَلَّىٰ ۝٤٨﴾ [طه ٤٥-٤٨]

خصوصية المفردة القرآنية 17

معطيات كونه -سبحانه- سميعاً بصيراً

عندما نستعرض آيات القرآن ونتلوها نشعر بأن الله -جلت عظمته- يثبّت بعض الحقائق المهمة، ويركّز على بعض الصفات والاسماء الحسنى؛ نظراً لما يترتب عليها من معطيات في حياة البشرية،في الدنيا والآخرة.

ومن أهم صفاته وأبرز أفعاله هو أنه [يسمع] ويرى ويعلم مايفعله البشر بل كل المخلوقات فهو [السميع البصير].

وقد اهتم القرآن الكريم بحاسة السمع؛ فهي من أهم الحواس المذكورة في القرآن الكريم، إذ ذُكرت 185 مرة في القرآن الكريم ، بينما ذُكرت حاسة البصر 148مرة وقد تقدمت نعمة السمع على البصر والفؤاد بهذا الترتيب فى سبعة مواضع من القرآن الكريم (الإسراء: 37، النحل: 78، المؤمنون: 78، السجدة: 9، الأحقاف: 26 مكررة، الملك: 23).[د زغلول النجار -الإعجاز العلمي في خلق حاستي السمع والبصر، مصراوي].

ويلحظ الذين يتلون كتاب الله، ويتدبرون آياته، أن السمع والبصر يلتقيان فيه مرادًا بِهما الحاسَّتان ثلاثَ عشرة مرَّة، جاء السمع فيها كلها مفردًا في اللفظ، وسابقًا في الذكر، وجاء البصر مجموعًا في اللفظ، ولاحقًا في الذكر، فمن ذلك قوله تعالى: ﴿ وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ ﴾ [النحل: 78]، وقوله: ﴿ وَجَعَلْنَا لَهُمْ سَمْعًا وَأَبْصَارًا وَأَفْئِدَةً فَمَا أَغْنَى عَنْهُمْ سَمْعُهُمْ وَلَا أَبْصَارُهُمْ وَلَا أَفْئِدَتُهُمْ مِنْ شَيْءٍ ﴾ [الأحقاف: 26].(علي النجدي ناصف/مع القرآن الكريم في دراسة مستلهمة).
 
مثل قوله تعالى: ﴿ وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ ﴾ [النحل: 78].

وقوله: ﴿ وَهُوَ الَّذِي أَنْشَأَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ قَلِيلًا مَا تَشْكُرُونَ ﴾ [المؤمنون: 78].

كذلك في قوله تعالى: ﴿ وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولًا ﴾ [الإسراء: 36].

لماذا كل هذا التأكيد على أن الله [يسمع] وأنه [سميع] بل وأنه هو جاعل السمع لنا نحن البشر و للحيوانات؟  

الجواب: لعله مقدمة للتأكيد على كونه (جلت عظمته) الرقيب على مانسمع ونرى ولكي يجعلنا نستشعر أكثر فأكثر بالرقابة الإلهية علينا في كل ما نقوله و نسمعه ونراه.

فعندما نستشعر دائما بأن الله يسمعنا ويرانا تنضبط كل أفعالنا وتتقوم تصرفاتنا وسلوكياتنا ونتقي ربنا في كل حركة وسكنة.

ولهذا الأمر جنبة أخرى وفائدة مؤكدة هي أننا عندما نواجه أعداء الاسلام ونقارعهم بالحجج والأدلة نشعر بالدعم والعدد الرباني والتسديد الإلهي وترتفع المعنويات وتقوى الشكيمة والعزيمة وتنفتح البصيرة في دحض الأباطيل والمجادلة مع الخصوم بالتي هي أحسن، لغرض إقناعهم بالدعوة الإسلامية، والمثل السامية، والأحكام السديدة، والرؤى الثاقبة، والأفكار الصائبة لكتاب الله عز وجل.

والسمع الإلهي يشمل جميع الأحوال والقضايا والسلوكيات الشخصية والأسرية والاجتماعية والدعوية وكل نمط من الأقوال والأفعال وفي كل الأحوال وأينما كان ويكون.

وعندما نقرأ قوله تعالى: [قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِي إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ يَسْمَعُ تَحَاوُرَكُمَا ۚ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ] (المجادلة/1) نخرج بنتيجة أنه لا يخفى عليه [جلت عظمته] مظلمة مظلوم من ذكر أو أنثى فتبقى تتردد أصداء شكواه [أو شكواها] في أرجاء السماوات السبع حتى تصل الى سمع الله جلت عظمته فينزل ما يناسبها من آيات من أجل مشكلة حصلت بين خولة بنت ثعلبة (وقيل: بنت حكيم. وقيل اسمها جميلة وخولة أصح)، وزوجها أوس بن الصامت، وهي مشكلة عائلية بين شخصين، اهتم بها الله كما اهتم بشأن مصير أمة موسى عندما أخبر الله نبيه موسى (ع) وأخاه هارون لما طفقا يتهيآن للذهاب إلى فرعون ودعوته لدين الله بأن لايخافا بطشه، ولا يخشيا فتكه بهما [لَا تَخَافَاۤۖ إِنَّنِی مَعَكُمَاۤ أَسۡمَعُ وَأَرَىٰ] أي لَا تَخَافَا مِنْهُ، فَإِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ كَلَامَكُمَا وَكَلَامَهُ، وَأَرَى مَكَانَكُمَا وَمَكَانَهُ، لَا يَخْفَى عَلَيَّ مِنْ أَمْرِكُمْ شَيْءٌ، وَاعْلَمَا أَنَّ نَاصِيَتَهُ بِيَدِي، فَلَا يَتَكَلَّمُ وَلَا يَتَنَفَّسُ وَلَا يَبْطِشُ إِلَّا بِإِذْنِي وَبَعْدَ أَمْرِي، وَأَنَا مَعَكُمَا بِحِفْظِي وَنَصْرِي وَتَأْيِيدِي.[تفسير ابن كثير].

وكذلك أن السمع الإلهي يشمل ما كان يقوله العصاة والضالون والمشركون عنه وماكان يفتريه اليهود على الله و يتهمون به نبيه[لَّقَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِيَاءُ ۘ سَنَكْتُبُ مَا قَالُوا وَقَتْلَهُمُ الْأَنبِيَاءَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَنَقُولُ ذُوقُوا عَذَابَ الْحَرِيقِ] (آل عمران/181) مثلما يشمل كل طاعة وتسبيح وتهليل واستغفار وكل صلاة يصليها المسلمون على نبيه الكريم وأهل بيته الطيبين الطاهرين فيجعلها في ميزان حسناتهم.

ولولا السمع الإلهي لما يقوله البشر لانتفى موضوع الحساب والكتاب والعقاب والثواب -أساساً- وهي من لوازم العدالة الإلهية، ولما جُعلت الجنة للمطيعين والمؤمنين، والنار للعاصين الضالين.

ختاما:

تركيزنا على المفردات القرآنية المتعلقة بكون الله [يسمع] والتأكيد عليها بصفة المبالغة (السميع) يجعلنا نتيقن من {إِنَّ اللَّهَ لَا يَخْفَى عَلَيْهِ شَيْءٌ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي السَّمَاءِ}[آل عمران 5] .

وهذا فيه تقرير إحاطة بعلمه المعلومات كلها؛ جليّها وخفيّها، ظاهرها وباطنها، ومن جملة ذلك؛ الأجنّة في البطون، التي لا يدركها بصر المخلوقين، ولا ينالها علمهم، وهو تعالى يدبّرها بألطف تدبير، ويقدّرها بكل تقدير، فلهذا قال [هُوَ الَّذِي يُصَوِّرُكُمْ فِي الْأَرْحَامِ كَيْفَ يَشَاءُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ](تفسير السعدي).
 

التعليقات (0)