- ℃ 11 تركيا
- 5 نوفمبر 2024
د. دلال صائب عريقات تكتب: الغاز والحق الفلسطيني في EEZ
د. دلال صائب عريقات تكتب: الغاز والحق الفلسطيني في EEZ
- 20 فبراير 2022, 3:46:31 م
- تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
عملت اسرائيل بجدٍ على ملف الطاقة وخاصة الغاز، فهو أرخص مصادر الطاقة وأكثرها صحة، أي اقل تلويثاً. أصبحت اسرائيل قوة مؤثرة في مجال الغاز وعملت على بناء علاقات استراتيجية مع الدول حتى وجدنا رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو عام ٢٠٢٠ يتفاخر بعملية ضخ الغاز الطبيعي من تل أبيب إلى مصر!
لم يأتِ هذا الخبر فجأة، الاحتلال الإسرائيلي بدأ بعملية ضخ الغاز الطبيعي إلى مصر بناءً على اتفاقية موقعة بين الجانبين قبل عدة سنوات، وقد صرحت وزارة البترول والثروة المعدنية المصرية عن بدء ضخ الغاز الطبيعي من اسرائيل إلى مصر، وعقبت الوزارة أن هذا يمثل تطورا مهما يخدم المصالح الاقتصادية لكلا البلدين، حيث سيمكن هذا التطور إسرائيل من نقل كميات من الغاز الطبيعي لديها إلى أوروبا عبر مصانع الغاز الطبيعي المسال في مصر.
ضروري جداً الالتفات للحقوق الفلسطينية في هذا المجال خاصة ان فلسطين تتمتع بحقوق في حقول في الضفة الغربية ضمن حدود ١٩٦٧ وتتمتع بحقوق في منطقة اقتصادية خاصة بها في حوض المتوسط على شواطىء قطاع غزة لاستخراج كافة أشكال الطاقة من البحر والحدود المائية الإقليمية، ولا بد من الحفاظ على هذه الحقوق التي من شأنها بناء اقتصاد وطني
اليوم وبعد عامين من توقيع الاتفاقية، يتباحث الشركاء في حقل “ليفياثان” للغاز الطبيعي بشرق البحر المتوسط، بشأن اتفاقيات من شأنها تسهيل تدفق الغاز عبر خطوط الأنابيب من إسرائيل إلى الأردن ثم إلى مصر، بحسب ما قالته شركة “ديليك دريلينج” الاسرائيلية للغاز الطبيعي ومن المتوقع أن يبدأ تدفق الغاز خلال الأيام المقبلة. من الجدير ذكره ان إسرائيل بدأت ضخ الغاز من الحقل الذي يقع عل مسافة نحو 130 كيلومترا إلى الغرب من ميناء حيفا، ويقع على عمق 1700 متر، وتقدر احتياطات الغاز به بنحو 605 مليار متر مكعب لكل من مصر والأردن في كانون ثاني من عام ٢٠٢٠. كما ويجرى الشركاء في حقل غاز “تمر محادثات اخرى لترتيب تصدير الغاز إلى مصر عبر الأردن، بحسب ما ذكرته شركة الغاز الاسرائيلية “إسرامكو”. ووافقت وزارة الطاقة للمجموعتين على نقطة تسليم إضافية للغاز الطبيعي في العقبة بالأردن.
اتفاقية الغاز بين اسرائيل ومصر ليست الأولى التي تجمع اسرائيل مع العالم في اتفاقيات، قام الرئيس القبرصي ورئيس وزراء اليونان ورئيس الوزراء الاسرائيلي بتوقيع اتفاقية لمد خط الغاز الطبيعي الشرق أوسطي. يبلغ طول خط الغاز 1,900 كيلومتر سيربط بين حقول الغاز المكتشفة حديثاً في منطقة شرق حوض المتوسط مع الأسواق الاوروبية عبوراً باليونان وإيطاليا. المطور الرئيسي للمشروع هو الحكومة اليونانية. هذا الاتفاق أثار غضب الأتراك تحديداً الذين أعلنوا عن حقوقهم بحقول الغاز على السواحل القبرصية وهذا ما رفضته الدول الثلاث الموقعة، فيدعي المسؤولون في قبرص واليونان وإسرائيل ان هذه الاتفاقية ومشروع خط الغاز لا يشكل رسالة ضد تركيا، على العكس يدعون ان هذا الاتفاق هدفه الترويج للتعاون الإقليمي في مجالات الطاقة في حوض المتوسط. حتى ان الاتحاد الأوروبي أبدى اعجابه بالمشروع الذي سيزود أوروبا بمصادر طاقة مختلفة ستضمن الأمن في مجال الطاقة لمواطني الاتحاد الأوروبي. من الجدير بالذكر ان الولايات المتحدة الامريكية داعم رئيسي لهذا المشروع، حيث ان وزير الخارجية بومبيو في ذلك الوقت حضر الاجتماع الثلاثي (قبرص، اليونان وإسرائيل) الذي عُقد في القدس!
من المهم دائماً التركيز على الصورة الكبيرة (الماكرو) وعدم الضياع في التفاصيل، وهنا الغرض من مقال اليوم وهو لفت الانتباه لموضوع حقوق الدول الاقتصادية في الحدود المائية الإقليمية وعلاقتها بالأمن في مجالات الطاقة، وهنا نتحدث عما يسمى بالمنطقة الاقتصادية الخاصة EEZ (Exclusive Economic Zone) ، وهي المنطقة التي تتمتع فيها الدول بالحق في إدارة ومراقبة الشؤون والموارد البحرية في حدودها الإقليمية، مثل صيد الأسماك والحفر لاستخراج المعادن والنفط والغاز، والتي كما جاء في المؤتمر الثالث لاتفاقية البحار قد تمتد من 12 الى 200 ميل بحري من حق الدول الساحلية أن تطالب بحقوقها في هذه المنطقة حول الصيد والمعادن واستثمار واستخراج أي مصادر مائية في تلك الحدود.
اذاً، تتمتع كل دولة بحقوق في منطقة اقتصادية خاصة بها لاستخراج كافة أشكال الطاقة من البحر والحدود المائية الإقليمية، فلسطين لها منطقة اقتصادية خاصة بها في حوض المتوسط.
البعض سيلوم الدول الأخرى لأنها همشت الحق الفلسطيني في اتفاقياتها مع اسرائيل، ولكن علينا أن ندرك ان الدول المجاورة أو غيرها لن تبادر وتعطينا هذا الحق. كل دول العالم، الحكومات كما الأفراد عبيدة لمصالحها، علينا التوقف عن توقع السخاء والعطاء على المستوى السياسي، لن تتحرك أي دولة سواء كانت عربية أم أجنبية دون أن تقوم فلسطين بالمطالبة بحقوقها في هذه المنطقة. وهنا على القيادة الفلسطينية إعطاء هذا الملف حقه، على الدبلوماسية الفلسطينية سواء بشكل ثنائي Bilatérale او متعدد الأطراف Multilateral أن تكثف العمل والجهود وتفعيل الحديث عن الحق الفلسطيني في حدود مائية إقليمية لضمان حق فلسطين في حقول الغاز وغيرها في حدودها الإقليمية حتى لا يأتي الاحتلال على حقوقنا في هذا الملف أيضاً.
على المستوى الداخلي، وقعت الحكومة وشركة فلسطينية قبل أيام “اتفاقية موافقة وضمان إنشاء محطة توليد طاقة كهربائية بواسطة الغاز الطبيعي بقدرة 250 ميغاوات كمرحلة أولى و200 ميغاوات في المرحلة الثانية، بقيمة حوالي 650 مليون دولار، وستلبي المحطة احتياجات 35% من الطاقة الكهربائية المطلوبة في الضفة”! الحكومة لم توضح ان كانت اسرائيل هي مصدر الغاز، اي سيتم شراء الغاز مباشرة من اسرائيل او ان الحكومة فعلاً حصلت على تسهيلات لاستخراج الغاز من مناطق ج المحيطة برام الله او انها مثلاً نجحت في مفاوضات حق استخراج الغاز من سواحل قطاع غزة.
استخراج الغاز يعود بملايين الدولارات على خزائن الدول، يبني أمنها القومي واستقلالها الاقتصادي ويعزز قوتها الدولية، وكما يتم استخدام الغاز لتوليد الكهرباء لسد العجز في موارد الطاقة للمواطنين. المهم أن الغاز الطبيعي اليوم هو بمثابة القوة العسكرية، هو ثروة وطنية وعامة وتعزز الأمن القومي للقارات، ضروري جداً الالتفات للحقوق الفلسطينية في هذا المجال خاصة ان فلسطين تتمتع بحقوق في حقول في الضفة الغربية ضمن حدود ١٩٦٧ وتتمتع بحقوق في منطقة اقتصادية خاصة بها في حوض المتوسط على شواطىء قطاع غزة لاستخراج كافة أشكال الطاقة من البحر والحدود المائية الإقليمية، ولا بد من الحفاظ على هذه الحقوق التي من شأنها بناء اقتصاد وطني قد يخلص فلسطين من التبعية اذا ما تم استغلاله بشكل قانوني وطني واستراتيجي.
– د. دلال عريقات، أستاذة في التخطيط الاستراتيجي وحل الصراع، كلية الدراسات العليا، الجامعة العربية الأمريكية.