- ℃ 11 تركيا
- 25 ديسمبر 2024
د.خالد محمد عبدالغني: كنفاني والأدب الفلسطيني المقاوم
د.خالد محمد عبدالغني: كنفاني والأدب الفلسطيني المقاوم
- 23 أبريل 2021, 1:12:54 ص
- 756
- تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
حين يقدم الكاتب الصهيوني رواية أو قصة عن إسرائيل، يواجه واقعاً مزدوجاً لا مناص من حل إشكالاته. هذا الواقع المزدوج هو تبريره لأعمال العنف التي هدفت إلى طرد العرب من ناحية، وتبريره لفكرة إنشاء إسرائيل من ناحية أخرى. وفي المقابل فإن أدب المقاومة العربي في الأرض المحتلة يكون هنا في ميدان أقل قيوداً وأكثر إلتزاماً، وهو لا يحتاج إلى افتعال مبرر لمعركته ولا لقضيته ولا حتى عنفه لأن أدب المقاومة لا يتساءل، فهو يعرف طريقه جيداً، وهو واثق منها إلى أبعد الحدود آملاً بنهايتها إيماناً لا يتطرق إليه الوهن، فأدب المقاومة يحارب على جبهتين، جبهة التوعية والتعبئة، وجبهة الرد، عامداً أو غير عامد، على الأدب الصهيوني ويثبت جدارته على الجبهتين كلتيهما إثباتاً لا تردد فيه.
فالمقاومة المسلحة ليست قشرة، بل هي ثمرة لشجرة طيبة ضاربة جذورها عميقاً في الأرض، وإذا كان التحرير ينبع من فوهة البندقية، فإن البندقية ذاتها تنبع من إرادة التحرير، وإرادة التحرير ليست سوى النتاج الطبيعي والمنطقي والحتمي للمقاومة بمعناها الواسع المقاومة على صعيد الرفض، وعلى صعيد التمسك الصلب بالجذور والمواقف. ومثل هذا النوع من المقاومة يتخذ شكله الرائد في العمل السياسي و العمل الثقافي، و يشكل هذان العملان المترافقان اللذان يكمل واحدهما الآخر الأرض الخصبة التي تستولد المقاومة المسلحة وتحضنها وتضمن استمرار مسيرتها وتحيطها بالضمانات.
ومن هنا فإن الشكلَ الثقافي في المقاومةِ يطرح أهمية قصوى ليست أبداً أقل قيمة من المقاومة المسلحة ذاتها، و بالتالي فإن رصدها واستقصاءها وكشف أعماقها تظل ضرورة لا غنى عنها لفهم الأرض التي ترتكز عليها بنادقُ الكفاحِ المسلح.
يعرض الكاتب الفلسطيني غسان كنفاني في كتابه "الأدب الفلسطيني المقاوم" في الأبواب الثلاثة من هذه الدراسة التحليلية - التي كانت أول دراسة معمقة تظهر في المكتبة العربية عن هذا الموضوع المهم - الوضع الثقافي لعرب فلسطين المحتلة، والأوضاع البالغة القسوة التي عاشها الأدب الفلسطيني المقاوم، منذ سنة 1948 حتى سنة 1968. وهنا أصبح الأديب الفلسطيني في ظل ظروف الاحتلال مناضلا بقلمه وفكره، فالقضية الفلسطينية تحتاج لكل صنوف المقاومة، وهذا النضال الأدبي نجح بجدارة في إقلاق إسرائيل وإزعاجها فجعلت أدباء المقاومة في قائمتها السوداء. ويتناول القسم الأول من الكتاب ظروف عرب إسرائيل ثقافياً في ظل الإستراتيجية الممنهجة لإسرائيل للقضاء على هذه الثقافة، والقسم الثاني تكلم فيه المؤلف عن أبعاد ومواقف أدب المقاومة الفلسطينية، والقسم الثالث عرض فيه غسان كنفاني لمجموعة من أشعار المقاومة، ونماذج من قصة قصيرة، ومسرحية (لمجموعة من الأدباء الفلسطينين، فأورد لنا قصائد لسميح القاسم ومحمود درويش وفوزي الأسمر وحنا أبو حنا وراشد حسين ونزيه خير وتوفيق زياد ومحمود دسوقي . وفي القصة أورد لوحة "وأخيرا نور اللوز" التي هي جزء من سداسية الأيام الستة وكانت نشرت آنذاك باسم "أبوسلام" حيث لم يكن قد أفصح مؤلفها الروائي الراحل إميل حبيبي عن إسمه الحقيقي. وفي المسرحية نقل كنفاني النص الكامل لمسرحية "بيت الجنون" لتوفيق فياض؛ مسرحية من فصلين بشخصية واحدة. ويعد الكتاب تحليلا لأبعاد أدب المقاومة في ظل الأبعاد الاجتماعية والوطنية والإنسانية، وكشفا لواقع المثقفين في فلسطين في ظل التقييد الصهيوني على حياتهم أولا وعلى إنتاجهم الأدبي ثانيا، ولهذا أدب السجون الذي يمثل صرخة المثقف الفلسطيني في وجه سجانه ومحتل أرضه الذي فشل في سجن أفكار هذا المثقف العضوي الملتحم بثورة شعبه المقاوم. وعرضا للوضع الثقافي العام لعرب فلسطين المحتلة، ورفضا للوضع الاقتصادي المتردي الذي يعيشه العربي في فلسطين المحتلة فضلا عن الوجود الواضح للقضايا القومية العربية وحتى العالمية في هذا الأدب الذي لم يغفل في لحظة عن العالم الخارجي. ومن الجدير بالذكر أن غسان كنفاني من مواليد عكا في عام 1936 واغتيل في عام 1972 وهو روائي وقاص وصحفي فلسطيني تم اغتياله على يد جهاز المخابرات الإسرائيلية عندما كان عمره 36 عاما بتفجير سيارته في منطقة الحازمية قرب بيروت. وكتب بشكل أساسي عن قضايا التحرر الفلسطيني، وهو عضو المكتب السياسي الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين. في عام 1948 أجبر وعائلته على النزوح فعاش في سوريا ثم في لبنان حيث حصل على الجنسية اللبنانية. وانضم إلى حركة القوميين العرب., ذهب إلى الكويت حيث عمل في التدريس الابتدائي، ثم انتقل إلى بيروت للعمل في مجلة الحرية (1961) التي كانت تنطق باسم الحركة مسؤولا عن القسم الثقافي فيها، ثم أصبح رئيس تحرير جريدة (المحرر) اللبنانية، وأصدر فيها (ملحق فلسطين) ثم انتقل للعمل في جريدة الأنوار اللبنانية وحين تأسست الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين عام 1967 قام بتأسيس مجلة ناطقة باسمها حملت اسم "مجلة الهدف "وترأس غسان تحريرها، كما أصبح ناطقا رسميا باسم الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين. ولقد كان النتاج الأدبي لغسان كنفاني متفاعلا دائما مع حياته وحياة الناس وفي كل ما كتب كان يصور واقعاً عاشه أو تأثر به.