- ℃ 11 تركيا
- 5 نوفمبر 2024
د. أشرف الصباغ يكتب : أسمى عصور الجهل و الفساد و البلطجة
د. أشرف الصباغ يكتب : أسمى عصور الجهل و الفساد و البلطجة
- 9 أغسطس 2021, 7:27:36 م
- 726
- تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
هم ليه بجد قدماء المصريين ما سجلوش كيفية وطرق بناء المعابد والأهرامات، وماسابوش معلومات هندسية ولو حتى حول نظريات البناء والتشييد. طبعا محدش بيطلب إنهم كانوا يسيبوا معلومات بتحدد المواقع أو بتساعد الحرامية إنهم يروحوا يفتحوا المقابر ويسرقوا اللي فيها. الكلام بيدور حوالين معلومات رياضية وهندسية ومعمارية كانت ممكن تتسجل زي ما سجلوا حاجات كتير.
طبعا ممكن مع اتساع نطاق البحث والتنقيب في المستقبل، يتم العثور على خرائط أو ورق بردي أو جداريات وألواح تضم معلومات هندسية توضح كيفية بناء أبو الهول والأهرامات والمعابد الضخمة وطرق رفع الحجارة الكبيرة إلى ارتفاعات كبيرة، والطرق الهندسية لبناء المسلات والأعمدة الشاهقة الضخمة، والمعادلات الرياضية والحسابية اللي اشتغلوا بيها في علوم الهندسة وحساب المثلثات والفلك... يعني مش عشان فيه سفينة أو مركب مرسومة على جدار أو بردية، فنقول إنها كانت مركب فضاء أو مركب تجوب البحار والمحيطات وكانت بتشتغل بالطاقة الذرية... الكلام يدور حول كلام معقول يدخل الدماغ حول معادلات رياضية وحسابية وليس تحويل الميثولوجيا والتصورات إلى واقع وحقيقة من أجل تعميق الجهل والحمورية...
من حوالي كام يوم تابعت بالصدفة قدرا بسيطا من عملية نقل مركب خوفو ومروره بالبوابات بتاعة حدائق الأهرام، وبعدين إزاي العربية اللي شايلة المركب الضخم سابت الطريق ولفت عشان تتفادى كوبري سيعوق مرور العربية دي، اللي ارتفاعها وصل إلى ١٠ أمتار. طبعا كان التعليق على عملية النقل سيء للغاية، وملئ بمشاهد الفوضى على الرغم من أن المعلقين كانوا مهتمين بالجانب الأمني وإزاي الأمن مستتب والإجراءات الأمنية عال العال. وفيه حد خبيث جايب عيال مابيعرفوش لا يقروا ولا يكتبوا عشان يقوموا بالتعليق على عملية النقل ومتابعة العربية اللي اتصنعت خصيصا في بلجيكا عشان تنقل المركب...
كانت التعليقات والمتابعات لعملية النقل مضحكة ومخجلة ومثيرة للغضب. وطبعا كما سعى قدماء المصريين إلى إنهم يخفوا ويخبوا ويطمروا الأسرار والمعلومات خوفا من اللصوص والأعداء والمتآمرين في الداخل والخارج، من المؤكد إننا بنواجه نفس الظاهرة في مصر العربية الإسلامية التي جاءت بعد مصر الزفت الفرعونية والفارسية واليونانية والليبية والنوبية والرومانية والمسيحية، حيث نواصل التقاليد المجيدة بإخفاء كل شيء للحفاظ على الدولة التليدة من الأعداء والحرامية والمتآمرين، مع إن الحرامية ماليين البلد. وبالتالي، فلن نعرف أبدا من الذي يوسوس للرئيس بقراراراته الغريبة، ومن الذي يوسوس للذي يكتب للرئيس خطاباته التاريخية المجيدة، ومن الذي يكتب للمعلقين الكسالى التنابلة الأغبياء الكلمات التي يعلقون بها على مباريات كرة القدم، وعلى نقل الآثار من مكان لمكان، وعلى وصف الحفلات والمهرجانات والحفلات الخاصة والعامة والحكومية.
إنها كارثة بكل المعايير عندما يعلق حمار أو جاموسة على نقل مركب خوفو بطريقة التعليق على مباريات كرة القدم أو النداء على التين الشوكي، أو متابعة جنازة حارة والميت فيها كلب. المعلق النابغة كان يؤكد أن هذا المركب هو الذي كان ينقل خوفو يوميا من البيت إلى الشمس!!! وأحيانا كان ينقله من البر الشرقي إلى البر الغربي!!! من الذي كتب هذا الكلام الفارغ؟ ومن الذي أراد أن يحول الأساطير والميثولوجيا والحكايات المهمة للحضارة المصرية القديمة إلى نوع من أنواع "الواقعية" و"الواقع" و"الحقيقية" ليثير السخرية منها ومنا ومن غباوتنا وحموريتنا وعدم قدرتنا على التفريق بين الأساطير والحكايات والحواديت والميثولوجيا الشعبية والتاريخية وبين أحداث الواقع؟! لقد كان المعلق يتحدث بجدية تامة عن انتقال خوفو يوميا من البيت إلى الشمس، وكأنه كان يذهب لحصاد البتنجان والجرجير في الغيط!!! بل ومن شدة حمورية المعلق وحمورية من كتب وقال له هذا الكلام الفارغ باعتباره حقيقية وواقع ومجد عظيم للمصريين القدماء والمحدثين، كان يرى أن خوفوا كان ينتقل من البر الشرقي يوميا إلى البر الغربي!!! يعني خوفوا كان بيموت كل يوم وبيسوق المركب ويروح ينام في المقبرة، وبصحى من الموت الصبح ويرجع تاني في المركب بتاعه!!!
ماذا يحدث لنا، وكيف يخيم الجهل والغباء والحمورية والكسل والاستسهال والعبط على أولادنا وأحفادنا وزملائنا، ومن الذي يريد ذلك ويعمل على ذلك ويشجع ذلك ويعلي من قيمة الغباء والجهل والحمورية وانتشارها في ربوع البلاد؟! من الذي يستبعد الموهوبين والأذكياء والمبتكرين ليخلي الساحة أمام العملة الرديئة والقوادين والأرزقية والنصابين والصراصير والناموس والهاموش والديدان؟! من الذي يسعى بضمير حي إلى تخريب وتجريف وتدمير كل شيء، وتحول مصر إلى خرابة حقيقية مليئة بالمباني الضخمة العالية والفترينات الزجاجية وملاعب الجولف والاسكواش وحمامات السباحة، وبالكائنات المحفلطة المزفلطة التي ترتدي ثيابا غالية الأسعار ونظارات سوداء مستوردة وأحذية لامعة، وتركب سيارات فارهة، بينما أكثر من 80٪ من الشعب يلحس الأسفلت ويلعن ديك أم الحكومة والحرامية والفساد والبلطجة والجبروت؟!
إننا في أعلى وأرفع وأسمى عصور الجهل والفساد والبلطجة والحمورية والاستهتار بالناس والاستخفاف بهم وبحياتهم، إننا في أوسخ وأحط وأقذر عصور التدليس والنصب والاحتيال وضرب الغلابة والمهمشين بالجزمة، والضحك عليهم بكلمات فارغة لا معنى لها ولا قيمة إمعانا في سلبهم ونهبهم وضربهم بالأحذية، ومواصلة الضحك عليهم وخداعهم والطبطبة عليهم وملئ رؤوسهم بالكلام المعسول وهم يتضورون جوعا وفقرا وجهلا وقلة حيلة...