- ℃ 11 تركيا
- 5 نوفمبر 2024
د. أحمد موفق زيدان يكتب: الإستراتيجية الروسية.. الجغرافيا قبل الديمغرافيا
د. أحمد موفق زيدان يكتب: الإستراتيجية الروسية.. الجغرافيا قبل الديمغرافيا
- 8 مارس 2022, 6:47:53 ص
- تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
طوابير المدنيين الأوكران المغادرين من بلدهم إلى المجهول، هي نفسها طوابير السوريين الذين غادروا حمص ودرعا ودمشق وحلب وغيرها من المدن السورية، وهي نفسها طوابير الشيشان، ومن قبلها طوابير الذين تم نفيهم إلى سيبيريا خلال الحكم البلشفي المظلم على يد جوزيف ستالين، فعقدة الاستراتيجية الروسية قديماً جديداً، هي الجغرافيا، كون منطقتها سهلية، لا موانع طبيعية تحفها، وبالتالي دائماً ما تسعى إلى التعويض عن ذلك بقضم الجغرافيا، وتوسيع مجالها الحيوي، وإن كان على حساب معاناة البشر، وعلى حساب ممتلكاتها، يزيده اليوم من شخصية بوتين القومية والمتأثرة بالكنيسة الأرثوذكسية.
المنطقة العسكرية الروسية من القرم إلى سوريا فالقوقاز هي نفسها تحت قيادة عسكرية واحدة، مما يشير إلى وحدة الحال والمصير، وتشابهها في المنظور العسكري والسياسي الروسي. ولذا رأينا تساقط طائرات روسية في أوكرانيا كانت بالأمس في قاعدة حميميم على الساحل السوري بطواقمها الذين تم أسر بعضهم كما كشفت الصور التلفزيونية التي أفرج عنها الجيش الأوكراني.
شكلت منصة الشيشان منطلقاً للرئيس بوتين، عبر القصف السجادي الذي أمطره لغروزني فعرف منذ ذلك اليوم بنموذج غروزني، الذي كرره في حلب تحت سمع العالم وبصره، ولم يتردد في تكراره في أوكرانيا ومدنها القريبة من أوروبا، بينما العالم كله يرقب وينتظر، لكن الفارق بين نموذج غروزني وحلب من جهة، وأوكرانيا من جهة أخرى أن المقاومة في الأخيرة تلقت أسلحة نوعية مكنتها حتى الآن من التصدي للهجوم الروسي، بينما في الحالة الأخرى، حرم المدافعون عن بلدهم من الوصول إلى أي أسلحة نوعية تمكنهم من الصمود كما حصل حتى الآن مع الأوكرانيين.
ستظل الشعوب المستهدفة من روسيا تدفع ثمن مغامرات الأخيرة، بتفريغ كل الكتل السكانية الرافضة لاحتلالاتها ومشاريعها، ما لم تتحطم هذه المغامرات على صخرة أوكرانيا أو سوريا أو على كليهما، وربما على غيرهما
كل ما يتحدث عنه الروس ومؤيدوهم اليوم هو الجغرافية السياسية وأهمية أوكرانيا للروس في مواجهة الغرب الذي يريد محاصرتها من أوكرانيا، كون الأخيرة هي المعبر لكل الغزاة في تاريخ روسيا، بينما كانت سهول آسيا الوسطى وجبال القفقاس، عبارة عن تهديدات لتمردات داخلية، لكن ليست معبراً للغزاة والمهاجمين كما هو الحال في أوكرانيا، بيد أن الروس وكل من يبرر هذا العدوان بهذه الخلفية، يشطب بذلك الشعب، ويشطب معه إرادته الراغبة في الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي والناتو، بعد أن كان المزاج العام يميل إلى صالح الروس.
الخبراء والمحللون يرون في الانحياز الشعبي الأوكراني لصالح الغربي على الروسي، نتيجة طبيعية للاستثمار الاقتصادي الذي استثمرته الدول الغربية في أوكرانيا، فتحسن واقع الفرد الأوكراني، وبدأ يقارن نفسه مع المقيم في روسيا، فيجد فرقاً كبيراً وهو بنظر المراقبين والمحللين سيشجع الروس على النظر إلى مستوى المعيشة في أوكرانيا ويقارنوها بالمستوى المتدني الذي يحظون به، ولعل هذا أهم سبب دفع الرئيس بوتين لغزو أوكرانيا، لتدمير هذا النموذج وجعلها دولة فاشلة غير قابلة للمقارنة مع ما يعيشه الروسي داخل روسيا.
بكل تأكيد فإن حالة المقاومة الأوكرانية شكلت محل صدمة حقيقية للرئيس بوتين، الذي كان مع بعض أركان قيادته يظنون أن المقاومة لن تطول أكثر من 72 ساعة، فضلاً عما أظهرته أوروبا من تفتت وتشتت، أغرى الروس في سرعة التحرك العسكري، ليفاجأ الروس بعدها بحجم ونوعية الرد الأوروبي، انعكس في تدفق السلاح الكمي والنوعي من دول أوروبا على أوكرانيا، بل ووصل الأمر إلى انضمام دول ظلت محايدة لعقود مثل سويسرا وفنلندا لدعم المقاومة الأوكرانية، وبدت معه علامات على إمكانية انضمام هذه الدول المحايدة لحلف الناتو، بعد أن أرعبها المثال الأوكراني باجتياح القوات الروسية، وإمكانية أن يتكرر هذا معها في أي لحظة، وأمامها اليوم أوكرانيا، ومن قبل جورجيا، وسوريا وغيرها من الدول.
ستظل الشعوب المستهدفة من روسيا تدفع ثمن مغامرات الأخيرة، بتفريغ كل الكتل السكانية الرافضة لاحتلالاتها ومشاريعها، ما لم تتحطم هذه المغامرات على صخرة أوكرانيا أو سوريا أو على كليهما، وربما على غيرهما، فلا تزال نصيحة إبراهيم باشا في طاجكستان ترنّ في آذان الكثيرين حين قال بعد سقوط بخارى بأيدي قوات البلاشفة:" اليوم بخارى وغدا أفغانستان" لتتحقق نبوءته بعد عقود في احتلال الاتحاد السوفياتي لأفغانستان، تماماً كما حذر عام 1994 شامل باساييف، وجوهر دوداييف جوهرتا المقاومة الشيشانية بقولهما: اليوم الشيشان، ومن بعد جورجيا وأوكرانيا، وهو ما تحقق.