- ℃ 11 تركيا
- 5 نوفمبر 2024
خبير استراتيجي أمريكي: غزو غزة واحتلالها لا يخدم مصالح واشنطن
خبير استراتيجي أمريكي: غزو غزة واحتلالها لا يخدم مصالح واشنطن
- 17 أكتوبر 2023, 6:42:28 ص
- تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
قال ريتشارد هاس، رئيس مجلس العلاقات الخارجية الأمريكي إن على الولايات المتحدة أن تضبط الفعل العسكري في غزة والحفاظ على طريق للسلام.
وأضاف في مقال نشرته مجلة "فورين أفيرز" أن رغبة إسرائيل بتدمير حماس مفهومة، بعد الهجمات التي قتلت 1,300 إسرائيلي في 7 تشرين الأول/ أكتوبر، لكن الهجمات أثارت سؤالا حول الكيفية التي يتم فيها ردع حماس عن شن هجمات مماثلة في المستقبل.
واستدرك قائلا إنه حتى لو كان الهدف مفهوما فإن هذا لا يعني أن ملاحقته هي المسار الأمثل أو المستحسن؛ فاستراتيجية إسرائيل قاصرة من ناحية الهدف والأساليب. فحماس هي شبكة، وحركة وأيديولوجية كما هي منظمة. فيمكن قتل قيادتها ولكن الكيان سينجو بطريقة أو بأخرى. وقد بدأت إسرائيل بحملة غارات على غزة، وهناك أدلة واسعة على أنها تحضر لغزو بري. وهو ما يضع واشنطن في مكان صعب.
ولا يعارض هاس دعم أمريكا لإسرائيل وحقها بالانتقام، لكنه يقول إن عليها أن تتحكم بالطريقة التي يتكشف فيها الانتقام. ولا تستطيع الولايات المتحدة إجبار "إسرائيل" على وقف الهجوم البري أو التحكم به حال شنه، ويمكن لصناع السياسة الأمريكية وعليهم أن يحاولوا الحد منه. ويجب عليهم اتخاذ الخطوات لمنع توسع الحرب. وعليهم النظر لما بعد والضغط على نظرائهم الإسرائيليين منح الفلسطينيين طريقا نحو دولة قابلة للحياة.
وأكد أن الرأي الداعم لأمريكا وعملها لكي تشكل الرد الإسرائيلي على الأزمة لا يقوم فقط على واقع أن النصيحة الجيدة أو القاسية هي ما يدين له الصديق لصديقه، بل لأن الولايات المتحدة لديها مصلحة في الشرق الأوسط، وأبعد من هذا حيث لا تخدمها عملية غزو عسكري لغزة واحتلاله ولا سياسات طويلة الأمد لا تعطي الفلسطينيين أي أمل لرفض العنف. وأهداف أمريكية كهذه قد تكون موضوعا لحوارات وسياسة صعبة، إلا أن البديل هو حرب واسعة واستمرار لوضع راهن لا يمكن الحفاظ عليه، وسيكون أخطر وأصعب.
ويعتقد هاس، أن الجدال الأول ضد غزو عسكري شامل لغزة، هو أنه سيكون مكلفا وبالتأكيد سيكون أكبر من فوائده، فحماس لا تمثل أهدافا عسكرية جيدة، فقد ضمنت بنيتها العسكرية في داخل المناطق المدنية بغزة، وأي محاولة لتدميرها تحتاج إلى هجوم عسكري واسع على المناطق المدنية ذات الكثافة السكانية العالية، والذي سيكون مكلفا على إسرائيل وسيقود إلى ضحايا مدنيين، وسيؤدي إلى زيادة الدعم لحماس بين الفلسطينيين. وستتكبد إسرائيل خسائر فادحة ويمكن أسر جنود آخرين. ولو كانت هناك مقارنة تاريخية، فهي مثل التجربة الأمريكية في أفغانستان والعراق، وليس بما حققته إسرائيل في 1967 و 1973. كما أن استخدام القوة الضاربة ضد غزة ( وليس ضربات ضد حماس) سيؤدي إلى شجب دولي، وستتوقف عمليات التطبيع العربي مع "إسرائيل" وبخاصة السعودية، وستعلق علاقات "إسرائيل" مع جيرانها العرب إن لم تتراجع. وعملية عسكرية طويلة قد تحفز حربا إقليمية أوسع، تحدث بقرار من حزب الله (بحث إيراني) لشن هجمات صاروخية أو هجمات متتالية في الضفة الغربية تستهدف "إسرائيل" والحكومات العربية، وتحديدا الأردن ومصر.
وتساءل هاس: حتى لو سحقت "إسرائيل" حماس، فماذا بعد؟
ويجيب بأنه لا بديل عن السلطة الموجودة في المكان. وتفتقد السلطة الوطنية التي تشرف على الضفة الشرعية والمكانة في غزة. ولا حكومة عربية مستعدة لأن تخطو وتتحمل المسؤولية، وستظهر حماس أو نسخة عنها سريعا، كما حدث عندما انسحبت "إسرائيل" عام 2005. كل هذا لا يعني عدم تحرك "إسرائيل" ضد حماس. بل إنه، على العكس، لها الحق في الدفاع عن النفس ويسمح لها بضرب الإرهابيين الذين ضربوا أو يحضرون لهجوم أينما كانوا. ويجب عليها أن تظهر الثمن الذي سيدفعه أي طرف يحاول شن هجمات كهذه. وتظل كيفية الرد على هجمات حماس، سؤالا منفصلا. فخيار مختلف يبتعد عن العملية العسكرية الشاملة واحتلال غزة، والقيام بهجمات مستهدفة ضد قادة ومقاتلي حماس. وبهذه الطريقة سيتم تحطيم قدرات حماس وتقليل الخسائر بين المدنيين والجنود الإسرائيليين. وعلى إسرائيل أن تعيد بناء قدراتها العسكرية على الحدود مع غزة والتي ستعيد الردع وتقلل من فرص الهجمات الإرهابية في المستقبل.
وأصبح لدى بايدن رصيد جيد لدى الحكومة الإسرائيلية والإسرائيليين بسبب خطابه في 10 تشرين الأول/ أكتوبر، وزار وزير الخارجية أنتوني بلينكن "إسرائيل" وتم رصد حزمة مساعدات عسكرية ومالية. ويجب على الولايات المتحدة و"إسرائيل" تجنب نتيجة تجبر فيها "إسرائيل" على وقف إطلاق النار وسط شجب دولي وإقليمي. ويمكن للحكومات العربية، بما فيها السعودية أن تؤكد على هذه الرسالة وتسهل عملية الإفراج عن الرهائن وتؤشر إلى أن التطبيع سيتواصل بعد نهاية الحرب وفي حالة تصرف "إسرائيل" بمسؤولية.
أما الهدف الثاني الذي يجب على أمريكا تحقيقه، بحسب هاس، فهو منع حرب واسعة، والخطر الأكبر نابع من حزب الله الذي يملك 150,000 صاروخ قادرة على ضرب "إسرائيل"، ويمكن أن يقرر دخول الحرب. والطريقة الوحيدة هي إقناع "إسرائيل" بعدم القيام بعملية كبيرة لا تميز وتعطي المبرر لحزب الله الدخول في الحرب. ولدى الولايات المتحدة قدرة محدودة للحد من حزب الله إلى جانب تجربة "إسرائيل" في لبنان والتي لا تعطي صورة عن خيارات جيدة. وتستطيع واشنطن إخبار إيران بأنها ستتحمل مسؤولية أفعال حزب الله. ويجب أن تؤشر أمريكا لإيران بأنها ستجلب عليها الضرر جراء تحركات حزب الله، مثل تخفيض صادرات النفط التي تبلغ يوميا مليوني برميل. ولأن معظم النفط ينتهي في الصين، فيجب أن تكون جاهزة لإخبار بكين بأنها ستفرض عقوبات على الذين يقومون بتصديره أو ضرب منشآت نفطية ومصافي نفط مختارة. ويجب أن تضع واشنطن قيودا على تخفيف العقوبات وما يمكن أن تتسامح به من ناحية البرنامج النووي الإيراني. وتقترح التقارير الإخبارية أن إيران زودت حماس بالسلاح والتدريب والدعم، ولكن لا توجد أدلة مباشرة عن أمرها بالعملية أو التخطيط لها. ولو ثبت أن إيران لعبت دورا في هجمات حماس، فيجب على واشنطن التفكير بأفعال اقتصادية أو عسكرية ضدها.
وعندما ينجلي غبار المعركة فإنه يجب على الولايات المتحدة أن تبدأ بحملة دبلوماسية مستدامة وإحياء حل الدولتين. ويجب على واشنطن التعلم من تجربة بريطانيا في إيرلندا الشمالية في تسعينيات القرن الماضي، فقد تبنت لندن مسارين، الأول من خلال تعزيز الوجود الأمني والعسكري وقتل واعتقال أعضاء الجيش الإيرلندي الحر والجماعات المسلحة الأخرى. وكان هذا المسار يهدف إلى إخبار الإيرلنديين المسلحين بأنهم لا يمكنهم الوصول إلى السلطة بالقوة. لكن المسار الثاني، هو الذي نجح وتوج باتفاق الجمعة السعيدة في 1998، وسمح هذا المسار لقادة الجيش الإيرلندي بالمشاركة في المفاوضات التي وعدتهم ببعض مما كانوا يريدون تحقيقه لو نبذوا العنف. وأكد صناع السياسة البريطانية لهم أنهم يستطيعون تحقيق الكثير عبر التفاوض وهو أكثر مما سيحققونه في المعركة. وهذا لا يعني أن الظروف مواتية للعودة إلى مفاوضات جادة، لكن حماس جعلت نفسها غير مؤهلة للمشاركة في العملية السياسية ولا يوجد كيان فلسطيني لدية القوة للتنازل (وهو ما لدى حماس)، والسلطة الوطنية ضعيفة ولا تحظى بشعبية.
وقبل هجوم حماس تبنت حكومة بنيامين نتنياهو سياسات قتلت المفاوضات بحسن نية، وحكومة الوحدة الوطنية أنشئت لشن حرب لا للتفاوض، وهناك حاجة لحكومة جديدة بتفويض جديد في مرحلة لاحقة. إلا أن محاولة التفاوض على المدى القريب ستكون عبثية أو أسوأ، ولكن على الدبلوماسية الأمريكية العمل وبناء سياق للمفاوضات. وهناك حاجة لمسار سياسي إسرائيلي-فلسطيني. وبدونه فعمليات تطبيع جديدة مع الدول العربية ستكون صعبة، لأن السعودية قد تشترط التطبيع مع "إسرائيل" بوضع الفلسطينيين. ولن تبقى "إسرائيل" مزدهرة وقوية وآمنة بدون دولة فلسطينية إلى جانبها، ودولة واحدة تعمل على تأبيد الوضع الراهن يهدد كل هذه المزايا. ويجب على الولايات المتحدة حث "إسرائيل" في السر أولا ثم العلن على ضرورة البحث عن شريك فلسطيني، فقد ظلت استراتيجية "إسرائيل" الماضية تركز على تقويض السلطة الوطنية لكي تقول إنه لا يوجد هناك شريك موثوق به للسلام.