حسن مدبولي يكتب : صنع الله الذي سبق

profile
حسن مدبولي كاتب مصري
  • clock 3 مايو 2021, 3:08:31 م
  • eye 1231
  • تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
Slide 01

صنع الله إبراهيم المفكر الذى سبق يورجن هابرماس

هناك دول وأجهزة خارجية ومحلية تحاول دوما شراء الكثيرين من المبدعين والمثقفين، إما تحت مسمى ( فاز بجائزة ) أو بعروض وإغراءات التوظيف فى مناصب براقة ذات نفوذ؟
 والكثيرون من المثقفين فى عالمنا العربى لديهم الإستعداد التام لعقد تلك الصفقات ، 
فيسارعون بقبول تلك الرشاوى،ويعتبرونها حقا مستحقا،أو هدايا مشروعة ؟ مؤمنين بشكل عقائدى بإنه لولا جهبذتهم وعلمهم الذى لا يدانيه علم ،لما فكر فيهم أحد ؟
لكن يظل هناك دوما شرفاء يقاومون التيار السائد،ويسبحون عكس الإتجاه فى هذا العالم ،
ولا يقبلون بالخضوع لحسابات بيع الذمم مهما كانت الإغراءات أو الدفوع أو المبررات،
فيتسببون بمواقفهم تلك ،فى إتلاف مخططات من يتصورون إنه بالمال يمكن شراء أى شئ ؟
ولعل ما حدث أخيرا من الفيلسوف الألماني الشهير يورجن هابرماس الذى رفض تلقي جائزة الشيخ زايد للكتاب الممنوحة من حكومة أبو ظبي (وقيمتها مليون درهم إماراتى ) نموذج عالمى ينبغى ذكره كمثال فى هذا المقام ، كذلك أيضا يمكننا أن نفتخر و نتذكر الكاتب الكبير والروائى المصرى صنع الله إبراهيم، وأن نضعه على نفس الدرجة وفى ذات المكانة مع الفيلسوف الألمانى ،
وإن كانت خطوة صنع الله إبراهيم أسبق وأرسخ وتستحق التذكير بها !!
فقد فطن الروائى صنع الله ابراهيم لإحدى محاولات الشراء والتدجين تلك، عندما تم منحه(جائزة) مغرية فى عام 2003،
عرضتها عليه وزارة ثقافة فاروق حسنى (صاحب فكرة حظيرة المثقفين ) عبارة عن جائزة ماليه كبيرة تقدر بمائة ألف جنيه مصرى،
منحت له تحت مسمى جائزة الرواية العربية، هذا بالطبع غير الإحتفالات والأضواء والضجة الإعلامية التى كانت ستواكب منحه الجائزة،
والتى كان سيوازيها تهافت العروض على رواياته لتصويرها وعرضها فى رمضان و شوال و كل أوقات العام إلخ؟
ورغم أن الكثيرين تسيل لعابهم للعطايا والمنح والرشاوى والمناصب، فيسارعون ببيع أنفسهم بكل وضاعة وبجرأة يحسدون عليها،
إلا أن صنع الله إبراهيم بادر برفض تلك الجائزة المغرية جدا على الفور ،والقى بيانا وهو يقف على منصة التتويج رافضا الهدية بشموخ يليق بالمثقف الواعى المنتمى،
الذى لا يقبل أن يمنحه رواد الفساد والعهر والتبعية أية جوائز، حتى لا يقع تحت حصارهم ، وحتى لا يتوقف هو عن مطاردتهم، وحتى لا يطلبون منه المقابل ؟
ولم يراوده أى شك وهو يتخذ ذلك الموقف ،فى أن كل مصري يدرك حجم الكوارث المحيقة بالوطن سيتفهم موقفه وسيؤيده،
 خاصة وأن تلك الكوارث لاتقتصر على التهديد الوجودى الآتى عبر الحدود الشرقية، ولا على الإملاءات الأمريكية التى إحتلت بغداد بعدها بأيام،
 إنما هى كوارث إمتدت إلى كل مناحي الحياة ، فقد إنهارت الصناعة و الزراعة و الصحة، وإختفى العدل و تفشى الفساد والنهب، 
ومن يعترض أو يحاول الإصلاح يتعرض للإمتهان والتنكيل ، وفى ظل مثل هذا الواقع، فإن الكاتب المنتمى لشعبه ،
 لا يستطيع أن يغمض عينيه أو يصمت،و لا يستطيع أيضا أن يتخلى عن مسئوليته فيقبل رشاوى مقننة،،
وهكذا وقف ذلك الكاتب وقفته وقال كلمته فى عام 2003 ، وصدق حدثه عندما خرج شعب مصر بأكمله فى عام 2011 لاعنا كل ذلك الفساد ،
الأهم من كل هذا أن الرجل المحترم والكاتب الموهوب، لم يتاجر بموقفه وقراره أبدا ، بل إعتبره واجبا تحتمه مسئوليته الفكرية والوطنية ؟
كما أنه لم يتراجع عنه أيضا فيما بعد، نتيجة ما تم ضده من مقاطعة وتهميش وتجاهل وحصار إعلامى وتضييق ؟ بل ظل ثابتا قابضا على الجمر ،
 مؤمنا بنفسه، واثقا فى مواقفه وأعماله، حتى سار على خطاه يورجن هابرماس بعد ثمانية عشر عاما !!
نبذة ضرورية عن الكاتب والروائى
صنع الله ابراهيم :-
كان لوالده وجدّه الأثر على شخصيّته، إذ زوَّداه بالقصص والكتب الأدبية من أجل الاستفادة والاطّلاع عليها، فبدأت شخصية صنع الله الأدبية بالتكوّن منذ الصغر،
ولد في القاهرة عام 1937م، واجه الكثير من المتاعب بسبب غرابة اسمه، ويُقال إنّ والده أسماه إيّاه بعد أن صلّى صلاة استخارة طلبًا لاسم يناسب ابنه،
في عام 1959م سُجن لمدة خمس سنوات بسبب ميله إلى الفكر اليساري، فكان السجن من عوامل نضوجه في تجربته الحياتيّة، إذ تعلّم العيش في سبيل تحقيق معنى العدالة،
بعد خروجه من السجن بدأ ينشغل بحياته العملية، فاشتغل في الصّحافة عام 1967م في وكالة الأنباء المصريّة، وفي عام 1968م ذهب إلى برلين،
 وعمل لدى وكالة الأنباء الألمانية، ثم اتجه إلى موسكو فقضى هناك ثلاث سنوات، فدرس علم التصوير السينمائيّ،
ثمّ عمل على صناعة الأفلام، وعاد إلى القاهرة فى عهد السادات عام 1974م فعمل بدار نشر الثقافة الجديدة،
كتب روايته المعنونة بِـ"تلك الرائحة" عام 1966م، واصفا بها تجربته في السجن وفترة ما بعد خروجه، وهي أوّل كتاباته، وفي عام 1974م كتب ثاني رواياته،
رواية "نجمة أغسطس" ثم رواية "يوم عادت المملكة القديمة" التى نالت جائزة أفضل رواية لعام 1982م من المنظمة العربية للثقافة والتربية والعلوم،
وحصلت روايته "شرف" في المرتبة الثالثة في تريتب أفضل 100 رواية عربيّة،
من أعماله المنشورة أيضا :-
[ نجمة أغسطس ، العمامة والقبعة، الجليد ، برلين، القانون الفرنسي ، التلصص، وردة ، شرف، بيروت بيروت ، يوميات الواحات، ذات. اللجنة، إنسان السد العالي ،أمريكانلي.

التعليقات (0)