- ℃ 11 تركيا
- 25 ديسمبر 2024
حسن مدبولي يكتب : التطرف المقابل
حسن مدبولي يكتب : التطرف المقابل
- 1 يوليو 2021, 11:56:56 م
- 950
- تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
قامت الموجة الأولى من الثورة الإيرانية الشعبية ضد الحكم الإستبدادى عام 1949، وإنتهت بإختيار أول حاكم مدني منتخب لإيران وهو الإقتصادى الدكتور محمد مصدق والذى تولى منصب رئيس الوزراء عام 1951 ، وقد إتخذت تلك الموجة الأولى من الثورة طابعا سلميا كمنهاج وطريق آمن للحفاظ على وحدة البلاد ، ومنعا لإعادة إنتاج الظلم القهر ضد أى مواطن إيرانى ،وفتحت بذلك الأبواب للجميع لكى يشاركوا فى بناء إيران الجديدة المتحضرة بدون الديكتاتور الإمبراطور رضا بهلوى ونظامه السياسى ، كما تم إستبعاد من ثبت عليهم الفساد أو العمالة لدول خارجية من أعوانه والمقربين منه طبقا للدستور والقانون ، وبدأت صفحة جديدة أمام الغالبية الكاسحة من الناس للعمل والمشاركة فى العمل السياسى ، لكن كانت النتيجة المؤسفة أن قام المرتزقة والخونة ولمامة وحثالة البشر والفاسدين ومعهم بعض الأقليات ، بإستغلال التحضر والسلمية للقيام بالتحالف مع بعضهم البعض ،وبدعم من أسيادهم فى الداخل والخارج، وتآمروا لأسقاط حكومة الدكتور مصدق الرجل المدنى المسالم المؤمن بالديموقراطية ،
و بالفعل تم إنهاء حكمه بعد قصف منزله واغتيال اتباعه وتسيير مظاهرات مشبوهة للحط من شأنه، وألقى القبض عليه وتم اقتياده إلى السجن عام 1953، وظل الرجل يحاكم حتى توفى مظلوما مقهورا، وأطبقت بعدها قوى الفساد على زمام الأمور بالتعاون مع كل روافد الفساد والعمالة بالداخل وقوى الشر فى الخارج، ولم تتوقف الامور عند ذلك الحد، بل ظلت قوى الظلم والقهر طوال ستة وعشرين عاما تتفنن فى إصدار القوانين والإجراءات للتنكيل بالشرفاء والمناضلين وأصحاب الرأى،فسجن الكثيرون من الشرفاء وعذبوا ومنعوا من تولى الوظائف، وطوردوا حتى فى أعمالهم الخاصة ، ووصلت الامور بالكثيرين من هؤلاء الشرفاء إلى الإقدام على الإنتحار من فرط اليأس ، كما تم اعدام المئات ،ومات الآلاف فى السجون وتولى امور الإيرانيين الجهلة والفاسدين وعملاء الخارج، وظن الجميع أن إيران قد انتهت إلى الأبد وأن التاريخ قد توقف ، حتى جاء عام 1979 وقام الطوفان من جديد وثار الايرانيون ضد القهر والظلم والفساد مرة أخرى ، واستشهد منهم الالاف فى الشوارع ، و لكن فى النهاية انتصرت الموجة الثانية من الثورة وبدأ عصر جديد من عصور إيران ، لكن بالطبع ظل هناك جرح غائر كان لا يزال مفتوحا ينزف دما ونارا بغزارة ، وبالتالى أوصدت الثورة طريق السلمية وأقيمت المحاكم فى كل ذاوية وركن لمعاقبة كل من شارك ولو بحرف أوكلمة دعما للإستبداد ، فتم اعدام قادة وجنود ووزراء وموظفين وقضاة ورجال دين ومجرمين محترفين مأجورين ورجال أعمال وديبلوماسيين ورؤساء شركات ومؤسسات ومواطنين عاديين، لإنهم شاركوا فى الظلم من أجل مغانم رخيصة ، فطالت المشانق وطلقات الرصاص الالاف منهم بلا رحمة أو شفقة ، حتى تلوث علم الثورة الأبيض بالدماء القذرة ، وأصبح الأمر يبدو كارثيا فى بعض الأحيان ، و رغم إن طوفان العنف الثورى الدموى هذا ربما قد نتج عنه اجتياح الكثير من الأبرياء وتصلب وتطرف فى الرؤى ، إلا أنه فى النهاية حافظ على إستمرارية ونجاح الموجة الثانيةمن الثورة الإيرانية لأكثر من أربعين عاما، بعد الدرس القاسى الذى ناله طريق السلم والمثالية المفرطة وحسن النوايا فى الموجة الأولى ،،،