- ℃ 11 تركيا
- 5 نوفمبر 2024
حازم عياد يكتب: حضور أردني مفاجئ في جنين
حازم عياد يكتب: حضور أردني مفاجئ في جنين
- 13 يوليو 2023, 6:27:30 م
- تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
تميزت زيارة رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس لمدينة جنين بحضور أردني مفاجئ برز في وسيلة النقل التي استقلها الرئيس عباس؛ وهي طائرة عامودية تتبع لسلاح الجو الأردني في عملية تتطلب تنسيقا أردنيا فلسطينيا إسرائيليا لضمان وصول الرئيس عباس إلى وجهته النهائية في الضفة الغربية.
لا تعد المرة الأولى التي يستعان فيها بطائرة عامودية أردنية لنقل الرئيس عباس؛ إلا أن الحضور الأردني هذه المرة كان لافتا، فزيارة الرئيس عباس جاءت بعد تحضيرات واسعة للسلطة تبعت الجدل والتراشق الإعلامي الفلسطيني والاستقطاب الداخلي الناجم عن حادثة طرد عدد من قيادات السلطة من مخيم جنين خلال تشيع جثامين شهداء العدوان الإسرائيلي على المدينة في ما أسمته حكومة نتنياهو حينها بـ (عملية الحديقة والمنزل).
مستقبل السلطة الفلسطينية والضفة الغربية يقلق الأردن الشعبي والرسمي؛ فالهجمة الاستيطانية وعمليات الضم التدريجي بغطاء من قوانين وتشريعات وإجراءات سياسية واقتصادية إسرائيلية تضع الضفة الغربية والمسار السياسي والأمني الذي تبناه الرئيس محمود عباس على حافة الهاوية والانهيار فاتحا الباب لسيناريوهات وخيارات أردنية يصعب التعامل معها رسميا.
القلق الأردني تشاركه فيه الإدارة الأمريكية الحالية برئاسة جو بايدن التي رغم انتقادها لحكومة نتنياهو ووزرائه إلا أنها توجه لوما شديدا للسلطة في رام الله باعتبارها متهالكة ومنهارة وفاقدة للمصداقية بخلقها فراغا بين الفلسطينيين ملأته المقاومة أو ما أسماه بايدن بالتطرف بحسب آخر تصريح للرئيس الأمريكي خلال لقاء أجراه معه الإعلامي فريد زكريا على شبكة الـ CNN الأمريكية.
مستقبل السلطة الفلسطينية والضفة الغربية يقلق الأردن الشعبي والرسمي؛ فالهجمة الاستيطانية وعمليات الضم التدريجي بغطاء من قوانين وتشريعات وإجراءات سياسية واقتصادية إسرائيلية تضع الضفة الغربية والمسار السياسي والأمني الذي تبناه الرئيس محمود عباس على حافة الهاوية والانهيار فاتحا الباب لسيناريوهات وخيارات أردنية يصعب التعامل معها رسميا.
القلق الأردني الأمريكي شاركهم فيه قادة الأجهزة الأمنية الإسرائيلية سواء في جيش الاحتلال أو جهاز الأمن الداخلي (الشاباك) إلى جانب قادة اليمين العلماني الذين قدموا مقاربة مختلفة لضم الضفة الغربية تشمل إشراك السلطة في رام الله في مخططاتها السياسية والإدارية بحسب رؤية لابيد وغانتس للسلام الاقتصادي بمواصلة التدفقات المالية وإنشاء المدن الصناعية؛ رؤية تسير خلافا لما يطرحه نتيناهو وسموتريتش وبن غفير بضرورة إقصاء السلطة عن أي مشروع سياسي واقتصادي مستقبلي في الضفة الغربية إلا أنها تؤدي إلى ذات النتيجة.
تبدو الصورة إشكالية للأردن؛ فالضفة في التصور الإسرائيلي سواء من اليمين الديني أو القومي العلماني تعد جزءا من الكيان المحتل المسمى (إسرائيل) غير أن الرؤية لدور السلطة ومكانتها في هذا المشروع متباينة بين القطبين السياسيين في الكيان؛ فإدارة شؤون الفلسطينيين يجب أن تخضع لسلطة الاحتلال بالكامل بحسب اليمين الديني عبر التضيق على السكان وإفقادهم مقومات الحياة وسبل البقاء ومبرراته على الأرض الفلسطينية فيما عرف بالترانسفير الناعم والخشن الذي سيثقل كاهل الأردن؛ وبين تيار يرى ضرورة إدارة شؤونهم عبر هيئات بلدية ومحلية تشرف عليها السلطة في رام الله لتبقى وسيطا ووسادة آمنة تجنب الاحتلال الكلف المرتفعة لسياسية التهجير والترانسفير الناعم وتجنبه صداما إقليميا؛ فالسلطة في الحالتين آداة لتمرير مشروع الضم إلا أنه يجنب الأردن التورط في تفاصيله أو تحمل نتائجه.
إشكالية تطرح تساؤلا حول طبيعة الرؤية الأردنية المحتملة لكيفية التعامل مع التصورات الإسرائيلية وتفضيلاتها؛ خصوصا وأن الأردن منخرط في علاقة معقدة مع الكيان الإسرائيلي جاءت نتاج (اتفاق وادي عربة) والوصاية التاريخية على القدس؛ ونتاجا للعلاقة والشراكة المميزة مع المعسكر الغربي الذي تقوده الولايات المتحدة والذي أقر في قمته الأخيرة في العاصمة الليتوانية (فيلينوس) افتتاح مكتب إقليمي لحلف الناتو في العاصمة الأردنية عمّان يعد الأول من نوعه عربيا؛ لتجري عبره عمليات التنسيق مع دول المنطقة في شأن التعاون والشراكة مع حلف الناتو.
الرؤية الأردنية للعلاقة مع الضفة الغربية لا تنفصل عن رؤيتها للعلاقة مع المعسكر الغربي والكيان الإسرائيلي؛ إذ يرفض الأردن تهجير الفلسطينيين من أرضهم وعلاج أزمة الكيان في الأراضي المحتلة على حسابه؛ ويعد ذلك مصلحة وطنية عليا لا جدال فيها؛ إلا أنه في الآن ذاته لم يعد يشترط بقاء أو غياب السلطة الفلسطينية لتحقيق ذلك؛ فالأردن لن يقاوم الحلول التي تأخذ في عين الاعتبار هذه المصالح ما دامت تضمن الوجود الفلسطيني في الضفة الغربية؛ توجه كشف عنه فيصل الفايز رئيس مجلس الأعيان الأردني المعين من قبل الملك عبد الله الثاني بقوله: إن الأردن يقبل "حل الدولة الواحدة، فقط في حال أعطيت للفلسطينيين حقوقهم السياسية"، وذلك خلال ندوة عقدت السبت الموافق 8 تموز / يوليو الحالي، بعنوان "الأردن.. تحديات كبيرة وأفق المستقبل"، ضمن أمسيات صالون عمّان الذي تنظمه أمانة عمّان، مشيرا في الآن ذاته إلى أن الوقت ليس في صالح (إسرائيل) في ظل وجود 7 ملايين فلسطيني و7 ملايين مستوطن إسرائيلي.
الأردن سيبقى حاضرا في التفاصيل وخيارات القوى المحلية والإقليمية والدولية التي تراهن بدورها على استقراره المهدد بسياسات حليفها الإسرائيلي في مفارقة تعد الأغرب من نوعها في سياسة المعسكر الغربي.
ورغم تأكيده على أن قدرات الأردن لا تمكنه من خوض مواجهة عسكرية مع الكيان الإسرائيلي وأن الدول الأوروبية والغربية لن تفرض عقوبات على (إسرائيل) بحسب ما أكد للفايز عضو مجلس النواب الفرنسي المعروف بـ (الكي ديروسيه) فإنه لم يخفي رؤيته لتطورات المشهد في حال تدهور الأوضاع في الضفة الغربية والتي ستقود لتقويض الاستقرار في المنطقة خلافا للتوجهات الغربية التي تبحث عن سبل التهدئة وخفض التوتر والاستنزاف السياسي والأمني للمعسكر الغربي في الإقليم.
الأردن بهذا المعنى متمسك بمصالحه الوطنية والتي على رأسها الحفاظ على الوجود الفلسطيني في الضفة الغربية والتمسك بالوصاية على القدس وما دون ذلك تفاصيل يتم تقديرها وفقا للمتغيرات المستجدة في الأراضي الفلسطينية.
وسواء كانت السلطة في رام الله أو المقاومة المسلحة مستقبلا؛ وسواء كانت التناقضات الداخلية في الساحة السياسية والاجتماعة للكيان الإسرائيلي وإكراهاتها؛ فإن المصالح العليا الأردنية تكمن بالحفاظ على الوجود الفلسطيني في الضفة الغربية باعتباره الثابت الأساس للمصالح الأردنية؛ وهو ما أكد عليه الملك عبد الله الثاني في وقت سابق من شهر حزيران / يونيو الفائت خلال زيارته لمدينة الرصيفة بقوله: "لا تراجع عن موقفي الشخصي وموقف الأردن؛ مضيفا القول: واجبنا الوقوف مع الشعب الفلسطيني وحمايته من المؤامرات؛ وهو بذلك أكد على أهمية دعم الوجود الفلسطيني في الضفة الغربية وتأكيد دور الأردن في رعاية المقدسات .
الحضور الأردني المفاجئ في جنين لدعم السلطة في ضوء الرؤية الرسمية المعلنة للمصالح الأردنية في الضفة الغربية يمثل جزءا من التفاصيل القابلة للتغير بحسب قوة واتجاه التحولات في الضفة الغربية؛ إذ سيبقى رهان الأردن على الوجود الفلسطيني في الضفة الغربية وعلى قدرة عمّان على تعزيز شراكاتها أو تفاهماتها مع كل من يدعم هذا الحضور سواء كانت السلطة أو المقاومة مستقبلا؛ إلى جانب رهانها على القوى الغربية التي ترى في الأردن شريكا سياسيا وأمنيا بأدوار متجددة لم تتوقف عند حدود الضفة الغربية ومكافحة الإرهاب إلى ما هو أبعد من ذلك نحو الصراع في الساحة الدولية مع كل من روسيا والصين والتنافس مع القوى الإقليمية الصاعدة وعلى رأسها إيران وتركيا والسعودية؛ فالأردن يبقي الشريك الأكثر موثوقية لأمريكا وأوروبا واستقراره مصلحة تؤكدها الشراكات الاستراتيجية؛ وهي إحدى التقديرات المهمة والراسخة في عملية صنع القرار في الأردن.
في النهاية فإن الحضور الأردني في جنين لا يعني غرقا في التفاصيل وانحيازا حسم خياراته تجاه الضفة الغربية وتطورات المشهد اليومي شديد الديناميكية والحركة فيها؛ ما ألمح إليه الفايز بقوله إن إسرائيل "لن تنعم بالسلام في ظل ممارساتها الوحشية بحق الشعب الفلسطيني" تضاف إلى عوامل ومتغيرات ستبقى فاعلة على الأرض إلى جانب المتغيرات الديموغرافية المرتبطة بسؤال الدولة الواحدة والدولتين وسؤال السلطة والمقاومة المسلحة؛ فالأردن سيبقى حاضرا في التفاصيل وخيارات القوى المحلية والإقليمية والدولية التي تراهن بدورها على استقراره المهدد بسياسات حليفها الإسرائيلي في مفارقة تعد الأغرب من نوعها في سياسة المعسكر الغربي.