- ℃ 11 تركيا
- 5 نوفمبر 2024
حاتم صادق : عبدالناصر والعسكر.. الحقيقة و الوهم
حاتم صادق : عبدالناصر والعسكر.. الحقيقة و الوهم
- 1 مايو 2021, 8:29:25 م
- 1019
- تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
ما حدث في 25 يناير 2011 من تطورات سياسية وفكرية يفوق ..ربما ..كل ماحدث خلال العقود الاربعة الفائتة ..فلقد وضع ماحدث في 25 يناير مفاهيم كالثورة ..والدولة المدنية ..والدولة العسكرية. للفحص والاختبار .
وقد روج الكثيرون ..من الرأسماليين لأكذوبة فحواها ان مصر حكمها العسكر منذ ثورة يوليو 1952 .
وان هؤلاء ” العسكر ” سيطروا على كل مرافق الدولة وتولوا المناصب العليا فيها دون كفاءة أو تأهيل مناسب .
وقد ظهر احدهم في أحد البرامج التليفزيونية ، هو الدكتور ” مصطفى حجازي ” ،
والذي تولى منصب مستشار سياسي لرئيس الجمهورية المؤقت ” عدلي منصور ” ، مدعيا أ جمال عبد الناصر قد أتي بالعسكر ووضعهم في المراكز القيادية بكل اركان الدولة .
ولم يقدم مرجع واحد يسند به مزاعمه ، رغم انه يقدم نفسه للجمهور بإعتباره خبير في التنمية البشرية يحملات مؤهلات محترمة من بلاد العم سام !!
ويهمني في هذا المقال أن أقف عند بعض الأدعاءات التي تروج لها فئات من اليمين الرأسمالي واليسار المتطرف علي حد سواء.
فبينما تري فئات من اليمين ان إدارة القطاع العام كان لفئات من العسكريين او البيروقراطية العسكرية الغبية عديمة الكفاءة فقيرة المواهب.
يري اليسار ان البيروقراطيه المصرية في الستينات كانت تتشكل من عناصر رأسمالية غير مؤمنة بالاشتراكية وغير نرتبطة بمصالح الجماهير الواسعة .
وكنموذج لهذا الرأي الأخير ، أنقل ما كتبه احد الاقتصاديين المصريين اليساريين في تقييمه للاقتصاد المصري في الحقبة الناصرية ..
وهو نموذج كاف لتدليل على ما يفعله تكرار مقولة معينة دونما فحص ..ويرددها الناس جميعا ، فتصبح مع الوقت ” بديهيات ” تتناقلها وتتوارثها الاجيال .
وهو ما ظهر في السنوات الثلاث الاخيرة من تكرار تعبير ” حكم العسكر ” او الهتاف ” بسقوط حكم العسكر ” .
وهكذا يمكن أن نقرأ في لاقتصادي مصري يساري ، هو الدكتور محمد دويدار في كتابه “الأقتصاد المصري بين التخلف والتطوير” قوله :
” ونمط إدارة قطاع الدولة في مصر – في الستينات – هو نمط الإدارة الخاص من خلال الدولة لأن السيطرة الفعلية في يد فئات أجتماعية محدودة من غير طبقات المنتجين المباشرين أي العمال والفلاحين وقد أدي الأمر إلي سيطرة طائفة من ( الريعيين) علي إدارة وحدات الدولة وهذا النمط يتميز بانعدام كفاءه ( الريعيين) في الإدارة .
ملخص الرأي الذي يذهب إليه”دويدار” وعدد من الأقتصاد يين المصريين أن إدارة القطاع كانت لفئات رأسمالية ” ريعية” استفادت من وجودها في القطاع العام واستطاعت ان تراكم من ثروتها النقدية رغم عدم كفاءتها وانحطاطها الفني. بسبب سيطرة ” العسكر ” على المراكز العليا في ادارة الدولة .
والواقع ن دراسة تركيب البيروقراطية المصرية يتطلب جهدًا أ علميا أبعذ من التقيمات السريعة أو الأنطبعات الذاتية إذ يكفي أن ندرس تطور البيروقراطية المصرية في نهاية الستينات لدحض مثل هذه الاراء .
فالحديث عن انحطاط كفاءة البيروقراطية المصرية في الستينات يستخدم بشكل دعائي و غو غائي لتشويه تجربة التنمية الوطنية التي قامت في الستينات ونجخت في تأسيس قطاع عام قوي كان أساس اقتصاد هذا البلد حتى تم تصفيته في التسعينات وخصخصته وبيعه للمستثمرين الاجانب .
وليس صحيحا بالمرة الحديث المرسل عن عدم كفاءة هيكل الادارة المصرية في ظل الحقبة الناصرية . فقج تطورت النخبة الادارية المصرية تطورا كبيرا بعد الثورة كما ونوعا . ففي فترة الستينات كانت البيروقراطية المصرية توظف ما يقرب من ثلثي الخريجين في البلاد وكان معظم المتبقين من ربات البيوت أو المهاجرين المتوفين بالإضافة إلي العاملين في القطاع الخاص.
حكم التكنوقراط .. وليس حكم العسكر
ولكن الأهم من ذلك أن الغالبية العظمي من تركيبة النخبة الادارية المصرية كانت تتشكل من التكنوقراطيين ( الفنيين) وليس من ” العسكر ” كما يروج الكثيرون . في كانت الغالبية العظمى من ” التكنوقراطيين ” موظفة في البيروقراطية العامة للدولة ففي عام 1968 مثلاً كان جميع المهندسين تقريبًا من أصحاب التوظف الحكومي والعام وكان توزيعهم كالتالي : (43%) بالشركات العامة (22%) بالوزارات و(91%) بالهيئات العامة، (01%) بالمؤسسات العامة، (81%) بالجامعات والمعاهد، (7%) بالمحافظات.
كذلك كان (8،99%) من جميع العلميين وحوالي (59%) من جميع الزراعيين و(6،78%) من جميع الأطباء يعملون في القطاع العام.
وبالمقارنة بذلك فلم يعمل في الوظائف الحكومية سوي ثلثي خريجي الحقوق( وكانت لهم أهميتهم التقليدية في الإدارة قبل الثورة) ولم تكن نسبتهم تزيد عن (5،41%) من مجموع الموظفيين.
من الارقام السابقة التي ذكرها الدكتور ” نزيه نصيف الايوبي ” في دراسته المهمة عن تركيب النخبة البيروقراطية الجديدة في الستينات ، سنلاحظ أن التخصص ( الفني) أو (التقني) كان هو الغالب علي البيروقراطية المصرية ، وهو مايدحض القول بأنها كانت بيروقراطية عسكرية منعدمة الكفاءة أو اضعيفة القدرة. وإذا عدنا إلي المستوي الوظيفي، وهو”مستوي القيادة الإدارية” لدراسة شكل القيادة الإدارية للبيروقراطية المصرية توضح الأرقام حتي وقت قريب سيطرة الأقتصاديين وبما فيهم التجاريين) والمهندسين(بما فيهم التطبيقين) علي هذا المستوي.
وإذا عدنا إلي جدول احصاءات توزيع القيادات الإدارية سنه 1967 ابتداء من قمة البيروقراطية وحتي الدرجة الثالثة بحسب المجموعات التخصيصية المتجانسة لوجدنا ما يأتي .
تفوق نسبة التكنوقراط في هيكل الادارة العليا
أن سيطرة الأقتصاديين والمهندسيين واضحة إذ هم يمثلون قرابة النصف (64%) من القيادة الإدارية بينما لا يحتل العسكريون سوي المكانة السابعة في جدول ترتيب النخبة الإدارية حسب المؤهلات لسنه 1967 وبنسبة (2%) من القيادات وتزيد نسبتهم قليلاً لو اضفنا لهم ضباط الشرطة.
نسبة الحقوقيين
واما الحقوقيون وهم الذين كانت لهم أهميتهم التقليدية فلم يظهروا في هذا الجدول وإن كانت بيانات أخري للجهاز المركزي للتنظيم والإدارة عن سنه 1968 توضح أنه بين رجال الإدارة العليا(الدرجة الأولي فما أعلي ربما في ذلك الكادرات الخاصة) كان الحقوقيون يمثلون المكانة الأولي (62%) ثم تليهم المجموعهة الهندسية والفنية (8،32%) ثم المجموعة الأقتصادية التجارية (1،12%) وهذا يعني ان المجموعة الهندسية الأقتصادية كانت تحتل نفس النسبة تقريبًا كما في إحصاء سنه 1967 أي حوالي النصف من البيروقراطية العامه ( 9،44%) بينما يحتل العسكريون نفس المكانة القديمة في الترتيب السابع ولكن بنسبه أزيد قليلاً (5،4%) ولعل آرتفاع نسبة الحقوقيين في الاحصاء الأخير يرجع إلي تزايد نسبتهم في الوظائف العليا بالكادرات الخاصة ( خصوصًا القضاء والخارجية).
وهذا يعني أن المجموعة الهندسية والمجموعة الأقتصادية هما المجموعتان المسيطرتان علي هذا المستوي الأعلي لقيادة الجهاز الإداري بفرعيه الحكومي والانتاجي.
وتوضح إحصاءات جهاز التنظيم والإدارة في نهاية الستينات أن مالا يقل عن نصف أعضاء مجالس الإدارات في القطاع العام وربع شاغلي الدرجة الأولي في الجهاز الحكومي كانوا من خريجي الكليات الهندسية والتقنية مما يوضح تفوق المهندسين عدديا علي الأقتصاديين من حيث نسبتهم في قمة الإدارة العليا وخاصة القطاع العام.
وفي أوائل السبعينات توضح الأرقام استمرار هذه الظواهر فالمهندسيين يمثلون (6،94%) من شاغلي الدرجة الممتازة و(4،04%) من شاغلي الدرجة العليا في القطاع العام.
والأكثر من هذا أن المهندسين ممثلون في مجالس إدارة معظم المنظمات ففي دليل صدر عام (1973) نجد أنه من بين (275) هيئة ومؤسسة وشركة عامة قائمة في مجالات الصناعة والتعدين والطاقة والنقل والإنشاءات كان المهندسون ممثلين بدرجة أو بأخري في (88%) من مجالس الإدارات.
كل هذه الارقام والمؤشرات تفند الوهم ” الدعائي” حول سيطرة العسكريين علي القطاع العام والبيروقراطية العامة في مصر في الستينات .
فهم لم يحتلوا إلا المركز السابع في أن تركيب النخبة الإدارية كما قلنا من قبل ولم تزذ نسبتهم بحال من الأحوال عن (5،4%) وان كان التكنوقراط قد سجلوا نصرًا حاسمًا علي العسكريين بعد نكسة يوليو 1967 وهكذا تقدم التكنوقراط إلي مكان الصدارة بلا منازع داخل الصفوة البيروقراطية وتفمد هذه الحقيقة أيضًا الوهم”الدعائي” حول انحطاط كفاءة البيروقراطية العامة في مصر وعدم أهليتها لقيادة القطاع العام.
وردًا علي الادعاء القائل أن عناصر قيادة القطاع العام كانت تشكل في مجملها عناصر غير مرتبطة بالاشتراكية وإنها ذات ميول رأسمالية وهو في الواقع منهجية من قبيل القول ” المرسل” الذي يفتقد إلي ما يدعمه من دراسات أو تحليلات منهجية تسنده وترفع من شأنه الدعائي علي أيه حال فالمسار الوظيفي للنخبة البيروقراطية من مصر يوضح أن النسبة الكبري من مديري القطاع العام لم يبدأوا واجباتهم الوظيفية كرجال أعمال .رأسماليين ..فقد حصل معظمهم على تأهيله وتدريبه بعد الثورة وعمل في الشركات التي تم تمصيرها بعد حرب 1956 .
وليس أدل علي كفاءة هذه النخبة أنها استطاعت أن تحافظ علي الأقتصاد القومي وأن تديره بكفاءة منقطعة النظير في سنوات الخطة الخمسية وفي ظل ظروف الحرب مابعد نكسة 1967 والضغوط العسكرية والأقتصادية التي واجهتها وأن تتحمل اعباء الحرب وبناء الجيش والإنفاق العسكري فضلاً عن متطلبات البناء الداخلي :
ولعلنا نستطيع ان نقول دون تجني أن سياسة الأنفتاح الأقتصادي في السبعينات كانت بمثابة البداية المخططة لتفريغ القطاع العام من كوادره الفنية والإدارية المدربة والمؤهلة مما يسهل ضربه فيما بعد ولقد اتضحت تلك السياسة في ظاهرة تسرب كوادر القطاع العام أما لشركات الأستثمار الأجنبي أو بالهجرة للبلاد العربية تحت الضغوط المعيشية الهائلة أو الإغراءات المادية العنيفة.