جيوبوليتكال: حقبة جديدة من التحالفات في الشرق الأوسط

profile
  • clock 4 ديسمبر 2021, 8:27:23 ص
  • eye 769
  • تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
Slide 01

انتهى عهد العلاقات التقليدية بين الدول في الشرق الأوسط. وبينما تحاول الدول الطموحة توسيع نفوذها في جميع أنحاء المنطقة، تدفع المصالح (وليس الأيديولوجيا) باتجاه تشكيل تحالفات جديدة. وحتى الحركات الدينية المتطرفة أصبحت تظهر بوادر براجماتية.

ففي إسرائيل، انضم فصيل إسلامي صغير في الكنيست يسمى "القائمة العربية الموحدة" إلى ائتلاف بقيادة القومي المتطرف "نفتالي بينيت"، ما ساعده في تأمين منصب رئيس الوزراء.

وبالرغم من الانتقادات التي واجهها لتعاونه مع سياسي دعا إلى ضم معظم الضفة الغربية، أصر زعيم "القائمة العربية الموحدة" على أن هذه الخطوة ستحسن الظروف الاجتماعية لعرب إسرائيل.

في الواقع، يجد العرب في أجزاء أخرى من المنطقة أن التعاون مع إسرائيل وتركيا أسهل بشكل متزايد من التعاون مع الدول العربية الأخرى. وبتجاهل الدوافع الأيديولوجية، فإنهم يرون فرصة لتعزيز مصالحهم الخاصة.

المنافسات الإقليمية

تتزايد المخاوف في جميع أنحاء الشرق الأوسط بشأن تدهور العلاقات بين الحلفاء المقربين سابقًا. على سبيل المثال، انخرطت السعودية والإمارات في تنافس عميق حول من سيكون زعيم الشرق الأوسط. وقد اتخذت الرياض بالفعل خطوات لمحاولة الحد من نفوذ أبوظبي. ففي يوليو/تموز، غيرت قواعدها بشأن الواردات من دول مجلس التعاون الخليجي الأخرى واستبعدت البضائع المصنعة في المناطق الحرة أو بمكونات إسرائيلية من قائمة التعريفات التفضيلية، وهي خطوة استهدفت الإمارات بشكل خاص.

في الأسبوع الماضي، حاولت السعودية (وفشلت) في منع اتفاق للطاقة بين الأردن وإسرائيل والإمارات. ويتضمن الاتفاق قيام شركة إماراتية ببناء منشأة للطاقة الشمسية في الأردن الذي سيزود إسرائيل بنسبة 2% من احتياجاتها من الطاقة مقابل المياه المحلاة. وتخشى الرياض من أن يقوض مشروع الطاقة النظيفة في أبوظبي مبادرة الشرق الأوسط الخضراء الخاصة بها.

وتتمتع مصر أيضًا بعلاقة خلافية مع كل من السعودية والإمارات. ففي عام 2017، انضمت مصر إلى الحصار الذي تقوده السعودية على قطر، معتقدة أن أهدافها، بما في ذلك إغلاق شبكة الجزيرة الإخبارية ووقف تمويل جماعة الإخوان المسلمين، ستفيد مصر. لكن في يناير/كانون الثاني 2021، رفع العاهل السعودي الملك "سلمان بن عبدالعزيز" الحصار بالرغم من عدم تلبية أي من شروط دول الحصار السابقة.

وفي عام 2020، وقعت أبوظبي اتفاقية سلام مع إسرائيل دون تنسيق مسبق مع مصر التي كانت أول دولة عربية تعقد اتفاقية سلام مع إسرائيل. كما لم تقف الإمارات مع مصر في صراعها مع إثيوبيا بشأن سد النهضة، ورفضت تمويل بناء العاصمة الإدارية الجديدة في مصر، وأخذت مكان القاهرة باعتبارها القوة الأجنبية المهيمنة في السياسة السودانية.

في غضون ذلك، يستمر الخلاف بين مصر وتركيا. وبالرغم أن أنقرة تدرس بيع طائرات بدون طيار لإثيوبيا، لكنها مستعدة لإلغاء الصفقة إذا نأت مصر بنفسها عن اليونان التي تتنافس مع تركيا حول موارد شرق البحر المتوسط. ومع ذلك، يبدو أن القاهرة غير مستعدة للتفاوض، كما رفضت إبرام اتفاقية مع تركيا لتحديد مناطقها الاقتصادية البحرية الخالصة. وبالنسبة للرئيس المصري "عبدالفتاح السيسي"، فإن أمن النظام هو الأولوية، ويرفض تمكين تركيا من توسيع دورها في المنطقة.

تحالفات جديدة

في الوقت الذي تتدهور فيه العلاقات بين هذه الدول، بدأت تتشكل تحالفات جديدة. على سبيل المثال، تحسنت علاقات الإمارات مع تركيا بعد سنوات من العداء. وكانت العلاقات بين البلدين ودية حتى اندلاع ثورات الربيع العربي التي دعمها الرئيس التركي "رجب طيب أردوغان" وسعى ولي عهد أبوظبي "محمد بن زايد" إلى إجهاضها.

وبالرغم من عدم وجود مشاكل بينية تعرقل التعاون، إلا أن أطرافًا ثالثة مثل ليبيا وسوريا ومصر ساعدت في خلق توترات بينها، لا سيما منذ الإطاحة بالرئيس المصري "محمد مرسي" في عام 2013. وقد حطمت هزيمة الثورات آمال "أردوغان" الذي يريد الآن إعادة علاقات تركيا في المنطقة إلى ما كانت عليه قبل الثورات.

وبالنسبة للإمارات، من المحتمل أن تكون تركيا شريكًا سياسيًا وتجاريًا قويًا. بالرغم أن الجانبين يؤكدان على البعد الاقتصادي لعلاقتهما. إلا أنها في جوهرها شراكة استراتيجية. فبالرغم من تدهور العلاقات السياسية بينهما خلال السنوات القليلة الماضية لم يكن لذلك تأثير ملموس على العلاقات الاقتصادية.

ويريد "أردوغان" أن تصبح أبوظبي شريكًا رئيسيًا في قناة إسطنبول التي تربط بحر مرمرة بالبحر الأسود. وفي الشهر الماضي، تبرعت الإمارات بمبلغ 10 ملايين دولار لمساعدة تركيا في إعادة تأهيل المناطق المتضررة من حرائق الغابات والفيضانات.

والأسبوع الماضي، توجه "بن زايد" إلى أنقرة للقاء "أردوغان" وتعهد باستثمار 10 مليارات دولار في مشاريع مشتركة مع الشركات التركية. وقد نما حجم التجارة غير النفطية بين الإمارات وتركيا بشكل مطرد خلال العقد الماضي، ففي عام 2020 بلغت 8.9 مليار دولار مقارنة بـ7.3 مليار دولار في عام 2019 بزيادة قدرها 21%.

وتعد تركيا ممرا رئيسيا لشحن البضائع الإماراتية إلى أوروبا. وبالمثل، تعد دبي موقعًا مهمًا يتم من خلاله تسليم المنتجات التركية إلى الشرق الأوسط وجنوب آسيا وأفريقيا.

أما بالنسبة لعلاقاتها مع إسرائيل، فقد علّقت الإمارات آمالاً اقتصادية كبيرة على صفقة التطبيع ولكن الواقع كان محدودا. وبعد عام من توقيع الصفقة، وصلت التجارة البينية إلى 600 مليون دولار فقط. وتأمل الإمارات في زيادة هذا الرقم إلى تريليون دولار خلال العقد المقبل. ومع ذلك، لا يزال المواطنون الإماراتيون مترددين في زيارة إسرائيل أو القيام بأعمال تجارية مع الشركات الإسرائيلية.

في نهاية المطاف، دفعت الإمارات مبالغ كبيرة وبسرعة كبيرة في تطبيع العلاقات مع إسرائيل من أجل كسب ود إدارة "ترامب" دون الالتفات إلى الواقع المعقد لسياسات الشرق الأوسط.

في غضون ذلك، فإن الرياض منفتحة أيضًا على توثيق العلاقات مع أنقرة حيث يستعد ولي العهد السعودي الأمير "محمد بن سلمان" لخلافة والده المريض الملك "سلمان" البالغ من العمر 86 عامًا. لذلك يحتاج "بن سلمان" إلى نزع فتيل الصراعات التي تشارك فيها السعودية في الشرق الأوسط، بما في ذلك تركيا. وقد التقى مسؤولون أتراك مؤخرًا وزير التجارة السعودي لاستكشاف إمكانية التعاون في سوق الأغذية الحلال المتنامي، والذي تبلغ قيمته حاليًا حوالي تريليون دولار.

وفي العام الماضي، وقعت السعودية عقدًا بقيمة 200 مليون دولار مع شركة "فيستيل" الدفاعية التركية لتصنيع طائرات "كاريال سو" بدون طيار محليًا.

شراكات المستقبل

إيمانًا منها بأن السعوديين هم حلفاء أكثر أهمية من الإمارات، فإن إسرائيل ستكون حذرة بشأن تعميق العلاقات مع أبوظبي. وفي الواقع، لا يزال العديد من الإسرائيليين يعتقدون أن تركيا هي العمود الفقري في علاقات إسرائيل مع الشرق الأوسط. وقد جادل "عيران عتسيون"، النائب السابق لمستشار الأمن القومي الإسرائيلي، بأن مصالح إسرائيل مع دول الخليج مؤقتة وأنه يجب على إسرائيل بدلاً من ذلك التركيز على إقامة تحالف مع إيران وتركيا.

لقد تسبب تاريخ الشرق الأوسط الحافل بالتحالفات قصيرة المدى في إبقاء المنطقة في حالة من عدم الاستقرار. وتعتبر معظم دول المنطقة كيانات جديدة تفتقر إلى العمق التاريخي لتقدير معنى العلاقات الاستراتيجية.

وتعد إسرائيل أكثر دول المنطقة تقدما، بينما تحظى تركيا بأكبر اقتصاد. وفي حين أن العرب يقدّرون بشكل متزايد التعاون الاقتصادي والأمني مع إسرائيل، فإنهم يجدون أنه من الأسهل التواصل مع تركيا لأنها دولة مسلمة تجمعهم بها ثقافة وتاريخ مشترك. ومن المرجح أن يشكل ذلك المسار المستقبلي للتحالفات في المنطقة.


المصدر | هلال خاشان | جيبوليتكال فيوتشرز – ترجمة وتحرير الخليج الجديد

التعليقات (0)