- ℃ 11 تركيا
- 14 نوفمبر 2024
جورج فريدمان: هكذا تعيد حرب أوكرانيا تعريف القوى العظمى
جورج فريدمان: هكذا تعيد حرب أوكرانيا تعريف القوى العظمى
- 29 مارس 2022, 5:24:13 ص
- تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
من المؤكد أن الحرب في أوكرانيا مأساة إنسانية، لكن ذلك ليس السبب في استحواذها على اهتمام العالم، فهناك أزمات إنسانية في اليمن وسوريا ودول أخرى ولا تأخذ كل هذا الزخم. ومن المحتمل أن تكون هذه الحرب لحظة فاصلة من منظور جيوسياسي، فقد تخلق نموذجا جديدا لأوروبا وتعيد تعريف النظام العالمي إذا استمرت الوحدة السياسية والعسكرية الأوروبية. وقد تتغير نظرة الصين إلى العالم أيضا، لأنها إما ستسعى إلى تفاهم جديد مع الولايات المتحدة أو ستصبح أكثر تباعدا عنها.
ويبدو أداء الروس في الحرب سيئا بشكل مفاجئ حتى الآن، لا سيما عند التفكير في أهدافهم وهي تأمين أوكرانيا كمنطقة عازلة عن الغرب وإظهار روسيا كقوة لا يستهان بها. وحتى الآن، فعلت الحرب العكس. وويحدث ذلك في بعض الحالات بالفعل. وفي أفغانستان والعراق وفيتنام، على سبيل المثال، فشلت الولايات المتحدة في فرض إرادتها واعتبرها البعض قوة في طريقها للانهيار. لكن الفرق هو أن تلك الدول لم تكن ضرورية للأمن الأمريكي، في حين أن أوكرانيا حيوية بالنسبة لروسيا.
لذلك تبحث روسيا الآن عن تعزيزات من سوريا وبيلاروسيا ومجموعة "فاجنر" وما إلى ذلك. وحتى لو وجدت موسكو شركاء، فإن الأمر سيستغرق وقتا لنقل القوات وتعريفهم بميدان المعركة وإدراجهم داخل الهيكل القتالي. وحتى إذا نجحت موسكو في القيام بكل هذه الأشياء، فإن ذلك ينذر بصراع طويل الأمد. وبالنسبة للعديد من المراقبين، تشير الحاجة إلى تجنيد قوات أجنبية إلى فشل القادة الروس وضعف في تدريب القوات وتحفيزها ووجود مشاكل لوجستية.
وإذا كانت روسيا أرادت أن ترسل رسالة إلى أوروبا بأنها يمكن أن تغزوها متى شاءت، فقد فشلت. وفي الوقت الحالي على الأقل، اقتربت الولايات المتحدة من أوروبا أكثر من ذي قبل. ولا يساعد القتال المستمر والوحشية التي يبدو أن روسيا تعتقد الآن أنها ضرورية لهزيمة أوكرانيا إلا في تحفيز هذا التقارب أكثر. ومن الصعب التفكير في نتيجة بالنسبة لروسيا بدون استخدام أسلحة الدمار الشامل، مما يجعل الغرب أكثر قلقا بشأن روسيا كتهديد رئيسي.
وبغض النظر عن ضعف الأداء الروسي في ساحة المعركة، فإن وضع القوة العظمى في جزء منه عسكري وفي الجزء الآخر اقتصادي. وبلغ الناتج المحلي الإجمالي لروسيا في عام 2001 نحو 1.6 تريليون دولار، واحتلت المرتبة 11 في العالم بعد كوريا الجنوبية. وقد عانت روسيا من تقلب أسعار الطاقة، والأزمة المالية لعام 2008، ووباء "كوفيد-19"، والآن أتت العقوبات لتشل اقتصادها. بعبارة أخرى، لم يعد من الممكن اعتبارها قوة اقتصادية كبيرة أيضا. ويغير هذا فهمنا للعالم حيث كانت روسيا تعتبر قوة عظمى بسبب قوتها العسكرية مع قبول ضعف اقتصادها.
وقبل أسابيع من بدء الحرب، سعت الصين إلى تحالف مع روسيا لأنها كانت بحاجة إلى أصدقاء في مواجهة هيكل التحالف الأمريكي الهائل الممتد من اليابان إلى الهند. ولا تملك الصين حلفاء مهمين باستثناء باكستان. وتدرك الصين أنها لا تستطيع تقديم الدعم الاقتصادي لروسيا، فلديها مشاكلها الخاصة التي يجب إدارتها، ولكن الصين كانت بحاجة إلى دعم القوة العسكرية الروسية لإجبار الولايات المتحدة وأوروبا على إعادة حساب التهديد الذي تشكله العقوبات ضدها.
وأثارت احتمالات تشكيل هذا التحالف مخاوف كثيرة بالرغم أنها ما تزال مجرد حديث ولم ترقَ إلى احتمالات الدعم الفعلي المتبادل. وقد تضررت روسيا بالفعل من العقوبات الاستثنائية ضدها، ولا يمكن للصين، في هذا المنعطف الاقتصادي، تحمل الوقوع في الفخ الذي تعيشه روسيا.
وأعتقد أن بكين كانت على علم بالغزو الروسي قبل إعلان تحالفها مع موسكو. وربما كان هذا التحالف جذابا للصين اعتقادا منها أن روسيا قادرة على تحقيق نصر سريع وسهل من شأنه أن يجبر الغرب على إعادة النظر في موقفه تجاه الصين التي يمكنها تكرار الاستراتيجية الروسية.
وقد أجبر عالفشل الروسي الصين على بذل كل ما في وسعها لموازنة موقفها، وربما تكون بحاجة إلى إعادة النظر في علاقتها مع الولايات المتحدة، خاصة أن تحالفها مع روسيا لم يؤت أي ثمار، كما أنه من غير المحتمل أن يؤتي ثمارا في وقت قريب. وقد طورت الولايات المتحدة وأوروبا نموذجا للحرب الاقتصادية، إذا تم تطبيقه على الصين، فربما يكون مدمرا للغاية.
وتتمثل استراتيجية الصين قصيرة المدى في الظهور بثقة، والحفاظ على دعمها الخطابي لروسيا وانتقاد الولايات المتحدة، بينما تفكر في خطوتها التالية. وجدير بالذكر أن تايوان ليست الخطوة التالية. فقد رأت الصين بشكل مباشر أن الحروب يمكن أن تسوء، وبالتالي ينبغي تجنب غزو تايوان في الوقت الحالي.
وإذا فكرنا في القوى العظمى في العالم، فإننا عادة ما نتحدث عن الولايات المتحدة وأوروبا وروسيا. وستواجه روسيا مشكلة في الادعاء بشيء من هذا القبيل ما لم تفعل شيئا لإنقاذ سمعتها بشكل مذهل. وسوف تؤكد أوروبا نفسها كقوة عظمى إذا واصلت تماسكها عسكريا واقتصاديا، لكن مع تبدد المخاوف من روسيا ستظهر التوترات القديمة.
ويمكن اعتبار الصين قوة عظمى لكن لم يتم اختبارها عسكريا كما أن اقتصادها مضطرب. وفي الوقت الحالي، تظل الولايات المتحدة وحدها قوة عظمى حقيقية اقتصاديا وعسكريا.
المصدر | جورج فريدمان/جيوبوليتيكال فيوتشرز