- ℃ 11 تركيا
- 14 نوفمبر 2024
جهاد عدلة يكتب: «قرار طالبان والإسلامية السائلة»
جهاد عدلة يكتب: «قرار طالبان والإسلامية السائلة»
- 24 ديسمبر 2023, 5:17:31 م
- تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
لسنا بصدد الدفاع عن قرار حركة طالبان منع الفتيات من إكمال تعليمهن الجامعي، ولا مهاجمته، فالقاعدة الأصولية تقضي بأن الحكم على الشيء فرع عن تصوره، وليس لدينا معرفة بحيثيات القرار ولا مستنده، ولا السياق السياسي أو الاقتصادي أو المجتمعي الذي تخلق فيه حتى نقيّمه، ومن الرعونة والجهالة الثناء عليهم أو ذمهم وفق هذا المنظور. ولكن ما ينبغي الوقوف عنده هو طائفة من المشايخ، الذين يحبون أن يمدحوا بما ليس فيهم من قبيل وصفهم "بالمفكرين"، الذين ترتكب أمامهم آلاف الموبقات يوميا من دون أن يشيروا إليها، فهم لا يعنيهم الممثلات اللواتي يمارسن الدعارة تحت مسمى الفن، ولا تحركهم مسلسلات تفيض بالقبلات والعلاقات غير الشرعية، ولا تهزهم امتلاء مدينتهم بالحانات، وهي كلها مفاسد أعظم ضررا، فيما يظهر، من منع الفتيات من حقهن في التعليم، فلا تسمع لهم اعتراضا على ذلك حسا، وحينما أخذت دولة، تبعد عنهم آلاف الأميال، قرارا داخليا، ثارت ثائرتهم، وبدؤوا بالتنقيب عن نصوص "إباحة" التعليم للمرأة، ويقمشون في مخلفات الحداثة عما يدمغ فعل الحركة الأفغانية بانتهاك حقوق الإنسان.
لا يسمح المقام بالتوسع في بيان أفعال هؤلاء وأفكارهم، لكن ما "يميزهم"، وقد قرأت بعض كتبهم، هو الاستعلاء المبطن، والشعور العميق بتفوقهم على جميع من حولهم، وبأنهم "يفهمون" الإسلام فهما ينسجم مع الواقع وينطلق من حركية الإسلام، بزعمهم، لذلك تجد أحدهم في كتبه بعد سرده آراء كبار كتاب العربية ومفكريها منذ أكثر من قرن وحتى يومنا، أمثال الأفغاني وعبده وسيد قطب ومالك بن نبي وشكيب أرسلان وغيرهم، في أسباب تخلف الأمة، بعد ذلك كله يذكر أن سبب تأخر المسلمين "أعمق" من ذلك كله، وهو منهج التفكير الذي حكم المسلمين لقرون!.
لا أرغب في تسميتهم، ولكن واضح في كتابات هؤلاء القوم شدة وطأة الحداثة وسيولتها على بنيتهم النفسية، ويأسهم تماما من القدرة على توليد الحضارة الإسلامية وفق أصولها ومنطلقاتها وآلياتها، واعتقادهم الجازم بأن واحدة من أهم وأخطر قضايا الدين والفكر، ممثلة بالدولة، ليس في النصوص الشرعية لها مرجعية، معتبرين أن الحكم والسياسة من الفروع، بل إن أحدهم يقول، بسطحية أعجب من أين أتى بها وهو "مفكر" وفق مواصفات اليوم، إن المسلمين اليوم يطبقون ٩٠ بالمئة من الإسلام.
قرار حركة طالبان، بغض النظر عن خطئه من صوابه، مثله مثل أحداث كثيرة سبقته، تكشف لنا بوضوح تام، لا مواربة فيه، أن الصراع من أجل الإسلام صار عليه، بمعنى أن المعركة اليوم داخلية محضة تقوم بين فريقين على ضبط ماهية الإسلام، وتحديد التصورات المنبثقة عن هذه الماهية.
ربما تكون المعركة لها امتدادات تاريخية، كان أحد أطرافها يوما غيلان الدمشقي أو الحلاج، أو المعتزلة أو الباطنية، وطرفها الآخر أهل السنة، ولكنها اليوم أعمق وأشد خطورة كون امتدادات الفريق المواجه اليوم ينتسب، نظريا، إلى أهل السنة، ويعيد تشكيل نظرة الشباب المسلم إلى التراث كله وإلى حقائق الإسلام بمنظار حداثي سائل، وينتظم في مشروع ممول ومدعوم تسخر له أموال كبيرة، ووسائل إعلام، ومراكز أبحاث، وندوات وغير ذلك من وسائل مكنتهم من الاستحواذ على عقول شباب نشأ في جهالة الاستبداد، نشأة شوهت علاقته بشريعته ونصوصها، وعطلت آليات إدراكه ووعيه، فانساق وراءهم.
الصواب التركيز على الفكرة لا الأشخاص، ومناقشة المضمون لا الكاتبين، ولكننا أمام معضلة حقيقية في منهجية التفكير حقا، يقوم عليها أشخاص تجهد في إيجاد شيء من أصول الإسلام وروحه في منطقهم: تفكيرا وكتابة وتحدثا، لذلك يكون الصواب، أحيانا، بيان حال قائلي الفكرة، حتى يتبين تهافتها.