- ℃ 11 تركيا
- 5 نوفمبر 2024
جمعة بوكليب يكتب: حول الانتخابات التركية المقبلة
جمعة بوكليب يكتب: حول الانتخابات التركية المقبلة
- 23 مارس 2023, 6:11:29 م
- تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
م تمر أيام قليلة على كارثة الهزّة الأرضية في تركيا، حتى تحركت قرون الاستشعار لدى المعلقين السياسيين، في الغرب والشرق، تتحسَّس أخطار تداعياتها سياسياً على حظوظ الرئيس التركي رجب طيب إردوغان في الانتخابات النيابية والرئاسية يوم 14 مايو (أيار) المقبل.
أغلبهم عاد بالذاكرة زمنياً إلى الوراء، وتحديداً إلى الهزّة الأرضية في عام 1999، حين كان الرئيس إردوغان عمدة لمدينة إسطنبول. قالوا إنَّ إردوغان، ركب موجة تلك الهزّة الكارثية، متهماً المسؤولين بالتهاون وبالفساد. واتخذ منها منصةَ قفزٍ إلى هدفه. الخطة تزامنت مع موجة السخط الشعبي ضد الحكومة والمسؤولين، ونجحت في تجميع زخم انتخابي استثنائي، أوصله وحزبه إلى الحكم عام 2003. وتساءلوا ما إذا كانت الهزّة الأرضية الأخيرة ستؤدي إلى الفشل، مثلما أدت هزّة عام 1999 إلى صعوده؟
الرئيس إردوغان ما زال بعد قرابة 20 عاماً في الحكم، يحظى بدعم الإسلاميين والقوميين الأتراك. فاز في كل الانتخابات التي دخلها، وثلاثة استفتاءات شعبية. الانتخابات المقبلة متميزة؛ لأنها مختلفة عن سابقاتها. تَميُّزها نابع من كونها تتزامن والذكرى المئوية الأولى لتأسيس «الحزب الجمهوري»، تحت قيادة مؤسس تركيا الحديثة مصطفى كمال أتاتورك، مما يمنح المعارضة زخماً، خاصة «الحزب الجمهوري». ومن كونها تعقد خلال أزمة اقتصادية، تميّزت بارتفاع معدلات التضخم وانخفاض سعر الليرة إلى درجة غير مسبوقة. وتجيء مباشرة بعد كارثة هزّة أرضية عنيفة، غير مسبوقة.
ويرى المعلقون أنَّ الورقة الرابحة في يد إردوغان تتمثل في اللعب على ورقة المعارضة التركية، رغم موافقة زعماء المعارضة الستة على دخول الانتخابات في جبهة موحدة.
واتفاقهم على برنامج سياسي أهم بنوده تأكيدهم تقويض النظام الرئاسي الإردوغاني، وإعادة النظام البرلماني، ومنح رئيس الحكومة صلاحيات واسعة.
تكهّنات المعلقين السياسيين، ترجح كفة الرئيس إردوغان في الفوز. والسبب أن طول بقائه في السلطة مكَّنه من السيطرة على أهم مفاصل الدولة، وفي مقدمتها المجلس الانتخابي الأعلى، المسؤول عن عقد الانتخابات.
المجلس، يقول معلقون أتراك، فقد حياديته بعد أن صار الرئيس إردوغان يعين على رأسه قضاة موالين له، وبصلاحيات تمنحهم الحق في قبول أو رفض أي مرشح، وقراراتهم غير قابلة للطعن. أضف إلى ذلك سيطرة الرئيس إردوغان على نحو 90 في المائة من وسائل الإعلام التركية. لكن تظلّ تكهنات المعلقين، سواء أكانوا في تركيا أم خارجها، مهما اكتسبت من مصداقية، داخل إطار التكهن والتنبؤ. ومن المهم الإشارة إلى وجود عدد قليل من مؤسسات استقراء الرأي العام في تركيا.
والنتائج القليلة التي نشرها بعضهم في الشهور الأخيرة تتعارض وآراء المعلقين، كونها متأرجحة، وأقرب منها إلى ترجيح كفّة المعارضة
اللوائح الانتخابية التركية تشترط فوز المرشح بالرئاسة بنسبة 50 في المائة من الأصوات. وفي حالة عدم تمكن أي من المرشحين من تحقيق تلك النسبة، تعقد جولة أخرى بعد أسبوعين بين المرشحيْن المتحصليْن على أكبر النسب من الأصوات. وتكتسب الانتخابات الرئاسية أهمية أكبر من البرلمانية، لما حظيت به الرئاسة، خلال عهد الرئيس إردوغان، من صلاحيات دستورية. وفي حالة تمكن الرئيس إردوغان من هزيمة خصومه في الانتخابات، فهذا يعني أن الناخبين الأتراك قد يجدون أنفسهم يدورون في دوامة الأزمات الاقتصادية والسياسية نفسها، التي خنقتهم معيشياً خلال السنوات الماضية.
كارثة الزلزال، استناداً إلى تقارير، ما كانت لتسبب ما سببته من خسائر في الأرواح وفي المباني، لو حرص المسؤولون الحكوميون على تنفيذ التوصيات الهندسية الخاصة بتشييد المباني السكنية التي اعتُمدت بعد كارثة زلزال عام 1999، إلا أن خبراء مختصين أكدوا أن الهزّة من الشدة كفيلة حتى بتدمير المباني التي شُيدت وفق التوصيات الهندسية. البعض يؤكد أن السبب يعود إلى تسامح السلطات التركية في عام 2018، مع مقاولين بناء خالفوا تلك التوصيات الهندسية، ومنحوا تراخيص مقابل دفع غرامات مالية. تلك الغرامات دخلت خزينة الدولة، ووصلت قيمتها إلى 3.1 مليار دولار، حسب تأكيدات وزارة البيئة والتعمير التركية. وفي مقابلة تلفزيونية بُثت قبل ثلاثة أيام من الكارثة أُجريت مع بروفسور في علم الجيولوجيا حذّر فيها من مغبة كارثة هزّة أرضية، بسبب ضغوط على الخط الصدعي في تلك المنطقة. الرئيس إردوغان اعترف علناً بتقصير حكومته في الإسراع بتقديم الإغاثة لضحايا المناطق المنكوبة. إلا أنه، في الوقت ذاته، أكد محدودية ما يمكن فعله بسبب عظم الكارثة.
وفي مناورة قصد منها رفع اللوم عنه شخصياً وعن حكومته وحزبه، أمر باعتقال مقاولي البناء الذين قاموا بتشييد التجمعات السكنية في تلك المدن، والتحقيق معهم، على وجه السرعة. الهزّة الأرضية ربما تكون وسيلة أخيرة أمام الرئيس إردوغان لكسب الانتخابات وتوظيفها، إذا أحسَّ بأن الرياح تسير في الاتجاه المعاكس.