جلال نشوان يكتب: قررت أمريكا العودة إلى الديار وماذا بعد؟

profile
جلال نشوان كاتب صحفي
  • clock 19 نوفمبر 2021, 9:53:08 ص
  • eye 606
  • تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
Slide 01

كثيرة هي الأسئلة التي تدور في خلد أي إنسان يتابع المشهد الأمريكي: وهل قررت أمريكا التخلي عن لعب دور شرطي العالم؟

وفي الحقيقة ، كان انسحاب الولايات المتحدة الأمريكية من أفغانستان مذهلاً ، وسواء كان ذلك الانسحاب بالاتفاق مع طالبان أو أن الانسحاب جاء بسبب سقوط نظام أشرف غني ، ( الذي نصبته أمريكا على الشعب الأفغاني ) ، يعتقد خبراء ومحللون أن الانسحاب الأمريكي من عدة مناطق حول العالم هو استراتيجية ليست بجديدة وأن واشنطن ماضية فيها منذ سنوات لكن الرئيس جو بايدن كان هو أول من تحدث عن الأمر صراحة واتخذ في ذلك خطوات عملية لإنهاء دور( شرطي العالم )

لم ينس العالم صورة آخر جندي أمريكي يغادر أفغانستان بعد 20 عاماً من التواجد العسكري في ذلك البلد، ويبدو أن جو بايدن قد يكون أغلق الباب نهائياً على النزعة الأمريكية للتدخل عسكريا في الشرق الأدنى والأوسط على نطاق واسع

وهنا يتبادر إلى أذهاننا السؤال الأكثر إلحاحاًً :

هل هي سياسة جديدة ؟

الولايات المتحدة الأميركية انتهجت سياسة جديدة ألمح إلي ذلك باراك أوباما وجاهر به دونالد ترامب، غير أن الرئيس جو بايدن هو بالتأكيد من أعلن بأوضح العبارات، إذ أكد عند الانسحاب الأمريكي من أفغانستان أن الولايات المتحدة لم تعد تريد أن تلعب دور شرطي العالم


وبعد انسحابها من أفغانستان ، هل يصبح جنوب شرق آسيا محور إهتمام أمريكا ؟

ولم يعمد بايدن إلى التمويه بعد الفوضى التي واكبت الإنسحاب وتسببت بتراجع التأييد له لدى الرأي العام، بل اغتنم الفرصة ليعرض بوضوح تام سياسته الدولية الجديدة ، حيث رأى أن المسألة لا تقتصر على أفغانستان ، بل المطلوب وضع حد لحقبة من عمليات التدخل العسكري الكبرى الهادفة إلى إعادة بناء دول أخرى

الرئيس الأمريكي بايدن أرسل رسائل الى العالم بكلمته الشهيرة ، أن أمريكا عادت ، وهنا نتساءل كيف ذلك ؟

هذه المرة شرح بايدن شروط عودتها ، وقال ، علينا أن نتعلم من أخطائنا ، وعلينا أن نحدد لأنفسنا مهمات ذات أهداف واضحة وواقعية، وليس أهدافاً لن يكون بإمكاننا تحقيقها أبداً وعلينا أن نركز جهودنا بوضوح على أمن الولايات المتحدة ...

ولبايدن خبرة طويلة في السياسة الخارجية كرئيس للجنة الشؤون الخارجية بالكونغرس ، أولاً ثم كنائب للرئيس الأسبق باراك أوباما. وأوباما هو الذي باشر بالحد من النزعة الأمريكية للتدخلات الخارجية، لكن من دون أن يفصح عن ذلك

ويرى بايدن أن الصراع بين( الدول الديموقراطية والأنظمة المتسلطة مثل الصين يجب أن تكون له الأولوية على العمليات العسكرية الكبرى) . ويعتبر أن على الديموقراطية أن تثبت قدرتها على التصدي للتحديات الكبرى مثل التغير المناخي والوباء بشكل أكثر فاعلية من الديكتاتوريات، مع تحقيق الإزدهار للطبقات الوسطى في الوقت نفسه.

وفي هذا السباق الكبير، يعول بايدن على التحالفات، في اختلاف جذري عن سلفه. وفي هذا السياق، نظم عدة قمم عبر الإنترنت لرؤساء دول وحكومات البلدان الديموقراطية،

أن الولايات المتحدة "لطالما ترددت بين عزل نفسها عن خطايا العالم ونشر حسنات نموذجها. واختارت منذ 1945 أن تكون المدافعة عن الديموقراطية ثم المبشرة بها. وهي الآن تعود إلى الديار وفي الحقيقة أن تفرد الولايات المتحدة في إدارة عملية الانسحاب من أفغانستان كان له وقع الصدمة على حلفائها.


انسحبت الولايات المتحدة الأمريكية من أفغانستان لتطويق الصين في أسيا فالصراع الأمريكي الصيني، الذي بدأ فعليا ، لا ينحصر فقط في التجارة، بل يتعداها إلى أبعد منها؛ في السياسة وعلى مناطق النفوذ في العالم، وفي سباق التسلح، وهو صراع لن يتحول إلى مجابهة عسكرية، كما يعتقد البعض، وتحت أي ظرف كان، ونتساءل : كيف سيكون الوضع عليه، مستقبلا ؟

وتأتي الإجابة أن هذا الصراع سوف يكون أشد من الحرب الباردة بين الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد السوفيتي في القرن العشرين، فقد كان الصراع الأخير أي الحرب الباردة بين القطبين اللذين تحكما في العالم، على مدى ستة عقود مضت، كانا يقودان تكتلين أيديولوجيين، بين الرأسمالية والاشتراكية. 

أما الصراع بين الصين والولايات المتحدة الأمريكية، سوف يكون صراعاً بين قوتين اقتصاديين كبيرتين ، يحاول كل واحد منهما التوسع في مناطق النفوذ الٱقتصادية والتجارية، وما يرتبط بهما، على حساب مساحة نفوذ الآخر؛ باستخدام جميع ما في حوزته، أو ما يحاول أن يحوزه في جهات المعمورة الأربع. الصين لا تسعى كما كان الاتحاد السوفييتي؛ يسعى إلى نشر الماركسية اللينينية في كوكب الأرض، بل تعمل جاهدة على فتح أسواق العالم لها، وبالذات في افريقيا وآسيا ومناطق أخرى، وضمان استمرار تدفق المعادن والطاقة (النفط والغاز) التي هي بحاجة ماسة لهما. استخدمت في هذا المسار أو في هذا التوجه؛ الحزام والطريق.

 الصين يساعدها في هذه السياسية امتلاكها لكتلة مالية ضخمة، وهي في ازدياد مستمر، بالإضافة إلى أنها لا تمتلك قواعد تستلزم منها الإنفاق عليها، إلا قاعدة واحدة يتيمة في جيبوتي، بخلاف الولايات المتحدة الامريكية التي لها أكثر من 140 قاعدة منتشرة في جميع بقاع الكرة الأرضية، ما يجعلها تخصص الكثير من موازنتها العسكرية لهذا الهدف.

العملاق الصيني والولايات المتحدة، كلتاهما تسعيان إلى زيادة قدرتهما العسكرية الضاربة، لدعم واستدامة مساريهما في الاقتصاد والتجارة وما يرتبط بهما.


 وزير الدفاع الأمريكي أكد على أن على الولايات المتحدة العمل على زيادة ترسانتها النووية، وتطويرها، لمواجهة الصين في المحيطين الهادئ والهندي. الولايات المتحدة لا تستطيع التأثير في العملاق الصيني ، في المسار الاقتصادي في الوقت الحاضر، وفي المدى المتوسط والبعيد، جميع العوامل تشتغل لصالح العملاق الصيني، لسبب واحد بسيط وعميق الفعل والمفعول والتأثير في الكرة الارضية بدولها وشعوبها؛ وهو أن الصين لا تفرض شروطا على نقل أو توطين التكنولوجيا المتقدمة على الشعوب والدول، أو صفقات السلاح؛ ما سوف يؤدي بالنتيجة، وفي نهاية المطاف إلى زيادة عدد الدول، التي تفتح أسواقها أو أراضيها للمشاريع الصينية، ومشترياتها من السلاح الصيني؛ كما حدث في الفترة الأخيرة، في اتفاق الشراكة بين الصين وإيران، ولمدة خمسة وعشرين عاما.

 أمريكا الرسمية، أو امريكا العميقة، وليس امريكا ترامب الذي يحيل الكثيرون الصراع الحالي بين الصين والولايات المتحدة، إليه، على الرغم من أنه فاعل جدي في هذا الاتجاه؛ تدرك تماما هذه السياسة، وما تشكله من خطر كبير على قيادتها للعالم، فالسياسة الصينية تحطم على المديات البعيدة؛ الأعمدة التي تعتمدها الولايات المتحدة في استمرار تحكمها في الكرة الأرضية، وتقتل حلمها في قيادة كوكب الأرض، وفق توجه سياستها في الاقتصاد والتجارة والمال والعملة، وبعبارة أخرى أكثر تمثلا للواقع الذي تعمل أمريكا على تحريكه وفق مشيئتها؛ وجعل اقتصادات الدول، صورا مستنسخة لاقتصادها، وما يتبع هذا التوجه من فواعل عدة ذات صلة بالثقافة وفي بقية الحقول، لذا الولايات المتحدة التي ليس لديها ما تؤثر به في الاندفاعة الصينية في العالم، من كوابح تحد من حركتها (الصين)؛ سوف تلجأ في المستقبل إلى تجييش الأقليات في الصين، وقد لجأت فعلا في الفترة الاخيرة على تفعيل هذه السياسة، ولكن بشكل أقل وطأة قياسا إلى ما سوف تعمل عليه لاحقا، في المديات المنظورة والمتوسطة والبعيدة، لأن الصراع الصيني الأمريكي، ، سوف يستمر إلى منعطفات بعيدة جدا،

ويبقى السؤال أين نحن العرب من هذا الصراع المرير بين العمالقة ؟

لقد فشل النظام السياسي العربي في أخذ مكانه بين الأمم ، ومن هذا المنطلق انعكس على صراعنا المرير مع الإحتلال الصهيوني ،لاسيما وأن قطار التطبيع يسير وبسرعة الرياح ، وبقينا وحدنا نواجه ظلم الظالمين واحتلال المحتلين ، ولكننا باذن الله سنصل إلى مبتغانا وهو إقامة الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس الشريف

الكاتب الصحفى جلال نشوان

التعليقات (0)