- ℃ 11 تركيا
- 19 نوفمبر 2024
جلال نشوان يكتب: الاستعلاء الأمريكي وشقاء البشرية
جلال نشوان يكتب: الاستعلاء الأمريكي وشقاء البشرية
- 26 فبراير 2022, 5:45:01 ص
- تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
كثيرة هي الأسئلة التي تدور في خلد أي إنسان تابع أزمة أوكرانيا وما تلاها من الغزو الروسي، وهنا يداهمنا السؤال التالي:
ما أسباب الأزمة؟ وما الذي أغضب الدب الروسي؟
تأتي الإجابة سريعة، أن الولايات المتحدة الأمريكية تريد نظاماً دولياً بدون روسيا، حيث مارست الاستعلاء والغطرسة بصفتها هي الدولة العظمى التي تدير العالم كله
القيصر الروسي أدرك مبكراً، سياسة الاستعلاء التي تمارسها الإدارات الأمريكية المتعاقبة، ومن ثم سعى الدب الروسي جاهداً إلى ترتيب أوراقه وتعزيز اقتصاده ، واستطاع أن يستنهض قوته ، حتى غدا لروسيا مكانة مرموقة بين الكبار
وفي الحقيقة :
وجدنا قيصر روسيا يرسل رسائل قوية ويلوح بقوته النووية، إلا إنه اصطدم بالغطرسة الأمريكية التي تتعامل مع الأمم بسياسة رعاة البقر، وفي لقاءاته مع الأوروبيين أوصل رسائل عديدة لقادة حلف الناتو ، ومع الأسف قادة حلف الناتو وعلى رأسهم أمريكا تجاهلوا ذلك وهنا يداهمنا السؤال الأكثر إلحاحاً :
لماذا أوكرانيا؟
أوكرانيا هي من أكبر الدول الأوروبيّة مساحة بعد روسيا إذ تبلغ مساحتها (603700 كلم) أي أكبر من فرنسا. مع ميزة معروفة لدى شعوب العالم، انها تتميز بسهولها الخصبة وكثرة الثروات المعدنية
وغني عن التعريف كانت أوكرانيا دولة مركزية في الاتحاد السوفياتي بتركيبتها الجغرافية والبشرية، حيث تشكّل جزءاً من طبيعة روسيا بالذات. إنّها جزء من الأساس، من الأصل، وليست من الهامش. من هنا مدى تأثيرها على الحكم في الكرملين داخل الاتحاد وخارجه. ان ثقلها الجغرافي والبشري يجعل كل مسؤول في موسكو مضطراً لأخذها بالاعتبار
وكعادة الغرب وضع كرازايات الأنظمة الموالية لهم، وضعوا زيلنسكي رئيساً موالياً لهم، لينفذ سياساتهم ، توطئة لانضمامها إلى حلف الناتو ، للوصول إلى روسيا بسهولة ، فحولوها إلى قاعدة عسكرية لحلف الناتو ، ا
دون أن يكون لروسيا دور أو التزام واضح. ومنذ تولَّى فلاديمير بوتين رئاسة روسيا وبلاده تتحدَّى تجاهل النظام العالمي لمخاوف الأمن الروسي، كما طالب باعتراف الغرب بحق موسكو في دائرة امتيازات خاصة داخل الفضاء السوفيتي السابق، وشنَّ توغُّلات عسكرية محدودة في الدول المجاورة له (مثل جورجيا) التي سعت للخروج من فلك روسيا، وذلك للحيلولة دون تغيير وجهة تلك الدول بالكامل نحو الغرب.
يخطو بوتين بهذا النهج الآن خطوة أخرى إلى الأمام، حيث يُقدِم على غزو أوكرانيا غزوا أشمل بكثير من مجرد ضم القرم والتدخُّل في إقليم دونباس الذي نفَّذته روسيا عام 2014، وهو غزو سيُقوِّض النظام الإقليمي الحالي، وربما يفرض حضور روسيا من جديد نحو ما يعتبره بوتين (المكانة التي تستحقها ) بلاده في القارة الأوروبية والمشهد العالمي. ويرى بوتين أن التوقيت مواتٍ الآن للتحرُّك، إذ إن الولايات المتحدة في نظره ضعيفة ومنقسمة وأقل قدرة على أن تسلك سياسة خارجية متماسكة، كما أن العقدين اللذين قضاهما في منصبه جعلاه يستخف بمسألة القوة الباقية للولايات المتحدة. ويقف بوتين اليوم في مواجهة خامس رئيس أميركي منذ تولِّيه رئاسة روسيا، وقد بات يرى واشنطن بعد كل تلك السنين محاورا غير موثوق به. أما الحكومة الألمانية الجديدة فلا تزال تبحث عن موطئ قدم لها في المشهد السياسي، إذ تُركِّز أوروبا في المجمل على تحدياتها الداخلية الآن، فيما تملك روسيا سطوة مُعتبرة على القارة الأوروبية بفضل سوق الطاقة المُحكَم.
يتصرَّف قيصر روسيا ( رجل الاستخبارات ) القارئ للمشهد السياسي الدولي مدفوعا بمجموعة مبادئ متداخلة لسياسة بلاده الخارجية ، القائمة على أن الكرملين قوة دولية و إجبار الغرب على معاملة روسيا وكأنها الاتحاد السوفيتي،
لكن للأزمة جذورها. فأوكرانيا بلد متعدد الإثنيات والأعراق والأديان واللغات. وهو منقسم بين شرق يتكلم سكانه الروسية ويرون في روسيا بلدهم الأم، وبين غرب يتكلم اللغة الأوكرانية ويدعو إلى الانضمام
زعماء المطبخ السياسي في الكرملين وضعوا كل الهواجس على الطاولة ويلاحظ قراء المشهد الروسي أن المفكرين والمسؤولين والمثقفين وضعوا نصب أعينهم استعادة المجد السابق للاتحاد السوفييتي ودرسوا جيداً الاستهتار والاستعلاء والإملاءات الأميركية يتذكرون الإملاءات والاستعلاء والاستخفاف، وأن على روسيا أن تفعل كذا وكذا
ومن هنا جاء التدخل الروسي في سوريا لمواجهة الولايات المتحدة الأمريكية، لتغيير كافة المعادلات ولعل الأزمة الأوكرانية، اليوم، هي ارهاصات وتراكمات من التهميش وعدم إدراج روسيا ضمن المنظومة الدولية و يبدو أن الغرب لم يقرأ المشهد جيداً ولم يقرأ صبر وتحمل قادة الكرملين على الاستعلاء الأمريكي ولعل التصريحات الأميركية والأوروبية، والحرب النفسية ، قبل اندلاعها على الأرض تؤكد بشاعة الغرب في تعاملهم مع العالم
واليوم، الدب الروسي بغزوه لأوكرانيا، يستعرض عضلاته ويوصل رسالة للغرب، إن زمن الاستعلاء والإملاء قد ولى وبلا رجعة ، وإن روسيا دولة عظمى وليست هى الدولة التي يُملى عليها وأن الإستعلاء والغطرسة الأمريكية يجب أن ينتهى و إلى الأبد ، لأن تفرد الولايات المتحدة الأمريكية انتهي ، ملامح العالم الجديد بدأت تلوح في الأفق