- ℃ 11 تركيا
- 5 نوفمبر 2024
توفيق رباحي يكتب: محظوظ نتنياهو!
توفيق رباحي يكتب: محظوظ نتنياهو!
- 25 يوليو 2023, 3:59:48 م
- تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
بعض الهدايا لا تُقدّر بثمن لأنها أغلى من أيّ ثمن. من هذه الهدايا هدية المغرب لرئيس الوزراء الإسرائيلي بدعوته لزيارة رسمية إلى المملكة.
أميل إلى الاعتقاد أن بنيامين نتنياهو هو مَن اشترط الزيارة لتكون في حجم الهدية التي منحها للمغرب باعترافه بسيادة الرباط على الصحراء الغربية، كي يجعلها ورقة يلوِّح بها في وجه خصومه الداخليين ويستعملها إقليميا ودوليا للرد على المشككين في نواياه ورغبته في السلام.
في البداية انتشر كلام عن أن عقدة المنشار هي قمة النقب المقررة هذا العام في المغرب، والتي يراد لها أن تصبح مؤسسة قائمة بذاتها. طلب المغرب اعتراف إسرائيل كشرط لاستضافة القمة في طبعتها الثانية، فشاع أن إسرائيل اشترطت الموافقة على انعقادها مقابل الاعتراف بالسيادة على الصحراء الغربية. فحصل تنازل من الطرفين.
ثم يبدو أن نتنياهو اكتشف أن هديته أغلى فرفع السقف وطلب هدية تليق بهديته. قناعة نتنياهو العارف بالعرب، وخصوصا المطبّعين منهم، أن إلغاء قمة النقب هذه السنة لن يكون مشكلة كبرى لإسرائيل، فبسرعة سيعرض أعضاء آخرون استضافتها متى أرادت إسرائيل والولايات المتحدة.
محظوظ جدا نتنياهو! في أجمل أحلامه وأكثرها وردية ما كان ليخطر له أن يحصل على هذه الهدية وهو محبط ومُحاصر داخليا وخارجيا. في ذروة حصاره يأتيه حبل النجاة من بعيد، من المغرب، ويُحوّله من غريق سياسي على وشك الاختناق بفضائحه الأخلاقية والسياسية وجرائمه بحق الفلسطينيين، إلى بطل قومي يفتخر بأنه حقق لإسرائيل ما لم يحققه لها أحد من رؤساء حكوماتها السابقين.
إن اندفاع بعض الدول العربية نحو إسرائيل وقمة النقب أوراق تصعِّب على الإسرائيليين مهمة الإطاحة بنتنياهو (أو أيّ رئيس حكومة آخر) لأن التطبيع مع العرب قصة فوق الخلافات الداخلية الإسرائيلية وتذوب أمامها كل الحواجز التي تقسّم السياسيين والمجتمع في إسرائيل
ليس من الخطأ القول إن اندفاع بعض الدول العربية نحو إسرائيل وقمة النقب أوراق تصعِّب على الإسرائيليين مهمة الإطاحة بنتنياهو (أو أيّ رئيس حكومة آخر) لأن التطبيع مع العرب قصة فوق الخلافات الداخلية الإسرائيلية وتذوب أمامها كل الحواجز التي تقسّم السياسيين والمجتمع في إسرائيل. ويأخذ التطبيع بُعدًا آخر أكثر أهمية إذا ما تعلق الأمر بالمغرب بسبب العلاقات القديمة مع إسرائيل، السرية منها والمعلومة، ولكونه من خارج دول الطوق.
بالنسبة للإسرائيليين، التطبيع مع العرب خليط من الدبلوماسية والأمن القومي والحركية اقتصادية والعيش الأقل قلقا.
ولا يخلو الأمر من أبعاد سيكولوجية، فالتطبيع حيوي للإسرائيليين أيضا، بمعتدليهم وعنصرييهم، لأنه يفاقم عزلة الفلسطينيين السياسية والإنسانية ويعمّق إحباطهم وشعورهم بالمرارة. التطبيع العربي قاتل للفلسطينيين بكل ألوانهم، السلطة الوطنية والفصائل وحتى الناس البسطاء الذين يطحنهم الفقر والمآسي وآلة الموت الإسرائيلية. ويفاقم أوجاع آخر المؤمنين في المنطقة بحق الفلسطينيين في العيش الكريم في دولة حرة ذات سيادة عاصمتها القدس الشرقية.
هل كان يجب أن يرد المغرب الهدية الإسرائيلية بدعوة نتنياهو لزيارة المملكة؟ لا. حتى لو طلب نتنياهو الزيارة واقترح المغرب التريث، ما كانت إسرائيل ستحتج أو تسحب اعترافها بسيادة المغرب على الصحراء الغربية. نتنياهو يحتاج حتى إلى الصومال إذا كان ذلك سيخدم مصالحه وأهداف بلاده. لذلك فهو لا يملك ترف التضحية بأيّ تقدم أحرزه مع المغرب، خصوصا وهو يختنق داخليا وخارجيا.
دعوة الزيارة سابقة لأوانها وبمثابة هدف للمغرب في مرماه. لا يزال في الإمكان إرجاؤها أو على الأقل التماطل في تحديد موعدها في انتظار أن تتضح الرؤية. أما التعجيل بتنفيذها، فمؤلم ومكلف للمغرب وللمنطقة كلها.
مخطئ مَن يعتقد أن الشعب المغربي نسيَ الفلسطينيين. ومخطئ من لا زال يصدّق أن المغرب واحة الحريات والحقوق.
في عالم مثالي يستحيل أن يكون موقف إسرائيل من أي صراع عربي محلي مدعاة للبهجة والافتخار. كان أولى لإسرائيل أن تعترف بحقوق الفلسطينيين في قطاع غزة والضفة الغربية، وحقوق مواطنيها من سكان 1948.
على أرض الواقع لن يتغيّر شيء. سيبقى التطبيع عملية فوقية رمزية، فالقنصلية الإسرائيلية في الداخلة أو العيون بالصحراء الغربية (إذا ما وُجدت يومًا) ستبقى بناية مهجورة، مثلما هو حال قنصليات بعض الدول الإفريقية، تدفع الخزينة المغربية رسوم إيجارها وفواتير كهربائها وصيانتها ورواتب حراسها و«الجنايني» الذي يرعى حديقتها.
لا شيء سينزع من قلوب عامة المغاربة حبهم لفلسطين. سيبقى الإسرائيليون، حتى المنحدرون منهم من أصول مغربية، عاجزين عن التجول بحرية واطمئنان في شوارع المدن المغربية مثلما يعجزون عن التجول في شوارع القاهرة وعمان بعد كل هذه السنوات من التطبيع مع مصر والأردن. وستبقى قوافلهم السياحية مطوَّقة بقوات الأمن المدججة بالسلاح تحميهم في فنادق الدخول إليها أصعب من دخول ثكنة أمنية.