- ℃ 11 تركيا
- 5 نوفمبر 2024
تناسخ الأرواح ..
معظم الأديان حول العالم، تتحدث عن انفصال الجسد والنفس، وبعضها تتوسّع في النقاش عن رحلة الروح بعد الموت أو ما يسمّى "تناسخ الأرواح".
تناسخ الأرواح هو نظرية دينية ظاهرة في العديد من الأديان مثل الأديان الشرقية والدين الدرزي، وخفية في أديان كالمسيحية بعض طوائف الإسلام واليهودية، والتي ذكرت فيها في الكابالا والزوهار. يصف الاسم العام للظاهرة عملية تنتقل خلالها الروح بعد موت الإنسان. والمشترك بين جميع نظريّات تناسخ الأرواح أنها عملية تعود فيها روح الإنسان المتوفي إلى العالم وتتجسّد في شخص آخر ما هو التقمص؟ وهل هو موجود فعلاً؟ ومن يؤمن به ؟
الحضارات القديمة وتناسخ الأرواح
الفراعنة : كان الفراعنة أول من آمن بالتقمص, وبرهان ذلك كان في طريقة دفن أمواتهم. فالفراعنة دفنوا الأموات ووضعوا بجانبها كل احتياجات المتوفي من المأكل والمشرب والأدوات الشخصية حتى أنهم وضعوا تماثيل لخدامهم باعتقادهم بأنه عند عودة الروح للمتوفي سيجد الجميع بانتظاره لخدمته. وكانوا يرسمون وجه الشخص المتوفي على التابوت بهدف تعرف الروح على جسدها لكيلا تلتصق بجسد أخرى.
الرومان واليونانيين : وهذا الأمر ينطبق على كتابات أفلاطون وأرسطو وسقراط وأفلاطون وغيرهم من الذين آمنوا في عملية تناسخ الأرواح وكتبوا عنها أيضاً بصورة موسعة.
الهنود والهندوس والبوذيون: وبعض الديانات الأخرى المنتشرة في الهند والصين والشرق الأقصى وهذه الديانات تؤمن حتى يومنا هذا بالتقمص أو بتناسخ الأرواح ليس مع الإنسان فقط ولكن مع الحيوانات والنباتات أيضاً أي تؤمن أيضاً بالفسخ والرسخ المسخ.
الهنود الحمر في الأميركتين: هم أيضاً يؤمنون بالتناسخ أو التقمص وحتى يومنا هذا يمجدون أرواح الآباء والأجداد ويقدسونها في مناسبات عدة وأكثر ما يؤمنون بالتناسخ أو المسخ مع الطيور الجارحة.
شعوب أخرى وقبائل متعددة موجودة مثل قبائل "التلينجيت" في ألاسكا, وقبائل "التّسميسيان" و"الأنكا" في أمريكا الجنوبية وأيضاً قبائل كثيرة في أستراليا وأفريقيا تؤمن بالتقمص وبتناسخ الأرواح وكل على طريقتها. هؤلاء كلهم بالإضافة إلى الطوائف الإسلامية المذكورة أعلاه وطائفة الموحدين الدروز في الشرق الاوسط التي تؤمن بالتقمص والتناسخ من بين أنواع التقمص. والتقمص بالنسبة لطائفة الموحدين الدروز هو أحد ركائز العقيدة أو المذهب التوحيدي الدرزي حسب ما ورد في عدّة مراجع من أهمها كتاب "الحياة بعد الموت" لنايف زهر الدين وأيضاً كتاب "التقمص" للقاضي أمين طليع اللبنانيين.
أنواع التقمص:
حسب الديانة الهندوسية والبوذية والشرقية يشكل عام هناك 4 أنواع أو حالات من التقمص والتي سأذكرها لاحقاً. بينما من يؤمنون بالتقمص من الديانات الإلهية يؤمنون فقط بنوع واحد من التقنص وهو بالتناسخ:-
المسخ : إنتقال النفس البشرية إلى جسد حيوان.
الرسخ : من الجسد البشري إلى جماد
الفسخ : وهو إنتقال الروح من الجسد إلى نبات
الأديان الثلاثة وتناسخ الأرواح
في التوراة
كتاب اليهود المقدّس، ليس هناك تطرّق لفكرة تناسخ الأرواح وإنما لازدواجية الجسد والروح. كُتب في بعض آيات التوراة عن عودة الروح إلى الله ولكن لم توصف عمليات تناسخ الأرواح. ووفقًا لبعض مفسّري التوراة فإنّ الازدواجية المذكورة في التوراة وانفصال الروح عن الجسد تدلّ على وجود الإيمان بتناسخ الأرواح بشكل خفيّ
تناسخ الأرواح في اليهودية في التقاليد الصوفية في اليهودية: الكابالا. حسب رؤية الكابالا فقد جُعل تناسخ الأرواح من أجل إصلاح الروح، وقد خلق الله كلّ إنسان بهدف أن يصل إلى الكمال من خلال استخدام اختياره الحرّ. إنْ لم تصل النفس إلى كمالها خلال أيام حياة الإنسان، يمكّنه تناسخ الأرواح من فرص أخرى لإصلاح النفس بمساعدة الاختيار.
من الناحية اللاهوتية فإنّ هذه النظرية تعطي حلّا لمشكلات الثواب والعقاب، وعلى وجه الخصوص تفسير الكوارث التي تحدث للأطفال الذين لا يسري عليهم العقاب، والكوارث التي تحدث للصالحين لتعليق الكارثة بخطيئة تمّت في تناسخ سابق.
إضافة إلى التيار المركزي في اليهودية،
في الأسلام والمسيحية
ترفض التيّارات المركزية في المسيحية والإسلام فكرة تناسخ الأرواح، ولكنّ بعض المذاهب الصوفية، كالصوفيين والدروز في الإسلام وبعض الطوائف في المسيحية الغنوصية والباطنية تقبل ظاهرة تناسخ الأرواح وتولي لها أهمية كبيرة
حتى إنعقاد المجمع أو المؤتمر المسكوني الخامس في القسطنطينية والذي عقد في سنة 553 م ( من تاريخ 5 أيار ولغاية 22 حزيران من نفس السنة ), آمن المسيحيون بالتقمص وتناسخ الأرواح, وكان الفيلسوف والعالم المسيحي أوريغينيس (أوريجين) الإسكندراني 185 - 254 م والذي كان رئيس مدرسة اللاهوت في الإسكندرية بمصر كان أول من كتب وحلل موضوع التقمص في المسيحية وتبعه في ذلك الكثير من الكهنة وعامة الشعب. ولكن في المجمع المذكور سالفاً والذي لم يحضره بابا روما ( وهذا المجمع الأول والوحيد الذي لم يشارك به بابا روما ), تقرر إلغاء الإيمان في التقمص وهدر دم كل مسيحي يؤمن في التقمص وإعتباره خارجاً عن الديانة المسيحية وإعدامه حرقاً. وهذا ما حل بالراهب الدومينيكاني "جوردانو برونو" (1548-1600م) الذي قُدّم إلى محكمة الإعدام الكنسية وأعدم حرقاً في 17 شباط من سنة 1600م بسبب معتقداته الفلسفية والدينية الخاصة حول التقمص وتناسخ الأرواح. وحسب المصادر والمراجع يقال بأن السبب في إلغاء الإيمان بالتقمص في الديانة المسيحية هو خلافات داخلية بين الأساقفة وآخرين حيث يقولون بأن السبب هو ديني صرف.
وإليكم بعض الآيات من الكتب المقدسة التي ذُكر بها موضوع تناسخ الأرواح:
في الإنجيل المقدس: إنجيل متى الإصحاح 12:17 : على لسان السيد المسيح "ولكني أقول لكم أن إيليا قد جاء ولم يعرفوه بل عملوا به كل ما أرادوا. كذلك إبن الإنسان أيضا سوف يتألم منهم". السؤال كيف جاء إيليا النبي وبأي صورة.
إنجيل متى 13-14: 11 : "لأن جميع الأنبياء والناموس تنبأوا إلى يوحنا وإن أردتم أن تقبلوا فهو إيليا المزعم أن يأتي".
أيضاً في إنجيل متى 13-14: 16 "لما جاء يسوع إلى قيصرية فيلبس سأل تلاميذه قائلاً من يقول الناس أني أنا إبن الإنسان. فقالوا. قوم يوحنا المعمدان وأخرون إيليا وآخرون أرميا أو واحد من الأنبياء".
إنجيل يوحنا 3:3 : عندما سأله نيقودومس "فأجاب يسوع وقال له الحق أقول لك إن لم يولد أحد ثانيةً فلا يقدر أن يعاين ملكوت الله". وفي هذه الآية هناك نقاش , هل المقصود الولادة الثانية أي التقمص أم المقصود بالولادة الثانية هي المعمودية.
هناك بعض المذاهب والفرق التي ئؤمن بالتقمص منها المذهب التوحيدي "الدرزية" ومذاهب أخرى مثل الشيعة, الإسماعيليين والنصيريين والطائفة النصيرية المعرفة بإسم العلوية واليزيدية, وقد ذكرت عّدة آيات قرآنية حقيقة التقمص إما بصورة مباشرة أو غير مباشرة. ولكن كما في المسيحية هناك الكثير من المفكرين المسلمين بالذات من السنّة الذين يرفضون تفسير الآيات المذكورة لاحقاً كدلالة على وجود التقمص في الإسلام. والإمام الغزالي في كتابه "التهافت" لم ينكر تناسخ الأرواح وأكد بأن البعث والتناسخ يرجعان إلى واحد أي إلى نفس المعنى. ومن هذه الآيات القرآنية التي تتحدث عن التناسخ على الأقل حسب تفسير مذهب الشيعة وأتباعها نذكر:
في القرآن الكريم :
سورة البقرة, الآية 28 : "كيف تكفرون بالله وكنتم أمواتاً فأحياكم ثم يميتكم ثم يُحييكم ثم إليه تُرجعون".
سورة طه, الآية 55 : "منها خلقناكم وفيها نعيدكم ومنها نُخرجكم تارةً أخرى".
كما يؤمن الطائفة الدرزية وطائفة البهرة والصوفيين والمسيحية النوصية والباطنية بتناسخ الأرواح
تناسخ الأرواح في الأديان الشرقية
فكرة تناسخ الأرواح في الأديان الشرقية (لا سيّما الهند والصين) هي جزء أساسي من عقيدتهم. تعتبر "السامسارا"، وهي عجلة الولادة والموت، من عقائد البوذية والهندوسية. في الهندوسية؛ يعتبر الموت تبديلا لثوب أحد الأجساد، بثوب جسد آخر. ويعمل إلى جانبه "قانون الحفاظ على طاقة الروح". إنّ سبب تناسخ الأرواح وفق هذا المعتقد هو الحاجة إلى العودة وإصلاح أوجه القصور في الحياة السابقة في مبنى شخصية الإنسان الذي حصل على الكارما. تعتبر الحياة رحلة روحية طويلة ومستمرّة في العالم، بحيث لا يمكن أن تكتمل في تجسّد واحد.
وفقًا لهذا المعتقد يمكن تفسير اللقاء مع شخص غريب يبدو مألوفًا منذ الأبد، أو الشعور بأنّنا قد كنّا بالفعل في حالة معيّنة، رغم أنّنا نعرف بأنّنا لم نمرّ بها (ديجا فو). وعقب هذا النهج، هناك علاجات تسمّى "إعادة التجسّدات"، والتي تحاول العلاج من خلال التطرّق إلى الصدمات النفسية القديمة التي "سُجّلتْ" في روح المريض، في أحد تجسّداته الماضية.
العلم وتناسخ الأرواح
يجد البحث في علوم الطبيعة أدلّة على وجود الروح، وهكذا يتمّ رفض الادعاء بخصوص تناسخ الأرواح. رغم ذلك، يعتقد بعض الباحثين من مجالات علم النفس والطبّ النفسي أنّ هناك أدلّة لظاهرة تناسخ الأرواح. إنّ المنهج العلمي الذي اتّبعه هؤلاء الباحثون هو توثيق عفوي لقصص يحكيها أشخاص مختلفون، وخصوصًا الأطفال، حول تجارب يذكرونها من حياتهم السابقة، ثم بعد ذلك فحص موثوقية المعلومات المقدّمة في إطار نقد يحاول إنكار إمكانية تعرّض ذلك الشخص لهذه المعلومات خلال حياته .
تناسخ الأرواح والثقافة الشعبية
الثقافة الشعبية لا تقبل نظرية تناسخ الأرواح وتؤكّد بدلا من ذلك على أنّ الإنسان يعيش لمرّة واحدة وأنّ الحياة قصيرة، ولكنّها تجد صعوبة في توفير تفسيرات بخصوص معنى حياة الإنسان كما تفعل نظرية تناسخ الأرواح.