- ℃ 11 تركيا
- 25 ديسمبر 2024
تراكمات عدوان "كاسر الأمواج" تنفجر في وجه نتنياهو
تراكمات عدوان "كاسر الأمواج" تنفجر في وجه نتنياهو
- 30 يناير 2023, 6:49:40 ص
- 442
- تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
انفجرت تراكمات عدوان كاسر الأمواج الإسرائيلي الذي أطلقته حكومة نفتالي بينت، ويئير لبيد في مارس/آذار الماضي، في وجه حكومة بنيامين نتنياهو الجديدة. فقد أطلقت مجزرة جنين، الخميس الماضي سلسلة عمليات فدائية فلسطينية، أبرزها وأكثرها إيلاماً للاحتلال عملية الشهيد خيري علقم في مستوطنة نافيه يعقوف شمال شرقي القدس المحتلة.
وقد شكلت العملية التي أسفرت عن مقتل سبعة إسرائيليين، وعملية سلوان التي تبعتها ومحاولة تنفيذ عملية على تخوم مستوطنة كدوميم التي يعيش فيها وزير المالية، وزعيم الصهيونية الدينية بتسليئيل سموطريتش، دليلاً على انفجار التمرد الفردي الفلسطيني حتى داخل المدن المحتلة الخاضعة لكامل السيطرة الإسرائيلية وفي مقدمتها القدس ومستوطناتها في أطراف القدس مثل نافيه يعقوف، وفي قلب البلدات والأحياء الفلسطينية مثل عملية سلوان، التي حاول الاحتلال التركيز على المسمى الاستيطاني الإسرائيلي لموقع العملية بالادعاء بأن العملية وقعت في "عير دافيد" (مدينة داود)، وكأنه ليس جزءاً من البؤرة الاستيطانية في سلوان.
ارتفاع منسوب الخوف لدى الإسرائيليين
وزادت العمليات الثلاث مِن ارتفاع منسوب الخوف والهلع لدى الإسرائيليين، سواء في القدس المحتلة أم في مستوطنات الضفة الغربية، بالتزامن مع ارتفاع الدعوات لإطلاق يد المستوطنين وعصاباتهم في الضفة الغربية لتنفيذ عمليات انتقامية، من جهة، ورفع الحرج عن دعوات للسماح بحاملي السلاح المرخص في صفوف الإسرائيليين باستخدام أسلحتهم وحمل سلاحهم الشخصي أينما حلوا، من جهة ثانية.
وقد انضمت مرجعيات دينية للمستوطنين في الضفة الغربية المحتلة لهذه الدعوات، وجاء ذلك على لسان الحاخام الرئيسي لمستوطنة إلعاد في الضفة الغربية المحتلة، مردخاي مالكا، أن حمل السلاح لمن يملك ترخيصاً في ظل الأوضاع الأمنية الحالية، هو ليس مجرد واجب، بل فريضة دينية.
ومع تأجج المشاعر، سارع وزراء حكومة نتنياهو وعلى رأسهم وزير الأمن القومي إيتمار بن غفير، لإطلاق يد المستوطنين وعناصر الشرطة لفعل ما يحلو لهم، وفق ما اتضح من تسجيل بثته القنوات الإسرائيلية، قال فيه بن غفير مخاطباً قائد شرطة الاحتلال في القدس دورون ترجمان أن بمقدوره أن "يغمض عينيه" ويترك لعناصر الشرطة أن يفعلوا ما كان يحلم به لسكان القدس المحتلة
وقد ترجم نتنياهو، والذي وجد نفسه محاصراً بين ضربات العمليات الفدائية الفردية، خلال أقل من ثلاثة أيام وبين هوس شركائه في الائتلاف الفاشي الذي يترأسه، هذه الدعوات في جلسة الحكومة الأسبوعية أمس الأحد بقبول هذه الخطوات، بما فيها هدم بيوت منفذي العمليات الفدائية وفرض عقوبات على أهاليهم، من خلال سحب مكانة الإقامة لهم في القدس.
ويعني هذا الأمر عملياً طرد عائلات منفذي العمليات من القدس وترحيلهم لأراضي الضفة الغربية المحتلة، في حال سحب الإقامة منهم في القدس. وكانت وسائل الإعلام الإسرائيلية أشارت إلى أن الجيش والشاباك "المخابرات العامة" يؤيدان هذه الخطوة باعتبارها خطوة رادعة.
وأفاد نتنياهو، وفق قرارات الكابينت (اجتمع المجلس الوزاري المصغر مساء السبت) المعلنة، بأن حكومة الاحتلال سترد بقسوة على العمليات الفدائية، بما في ذلك من خلال تعزيز الاستيطان في الضفة الغربية المحتلة، فيما يبدو، كعادة دولة الاحتلال، استغلالاً لعملية "نافيه يعقوف" من أجل تشريع بؤر استيطانية غير شرعية، وتسريع عمليات تشريع هذه المستوطنات، وهو أمر منصوص عليه أصلا في الخطوط العريضة لحكومة نتنياهو الجديدة.
ومع ذلك فإن المؤسسة الأمنية أبدت، بحسب موقع الإذاعة الإسرائيلية، أمس الأحد، مخاوف جدية من حالة التصعيد من الطرف الفلسطيني على شكل عمليات فدائية فردية، يزيد طابعها الفردي من تراجع قدرات الاحتلال وأجهزته الاستخباراتية من إحباط مثل هذه العمليات، وهو أمر بات مسلماً به في إسرائيل.
مناورة بين مطالب الائتلاف وبين منع توتر مع الولايات المتحدة
وفيما ارتفعت دعوات عناصر اليمين الأكثر تطرفاً داخل الحكومة، لاتخاذ خطوات عقابية فورية، وخاصة من حزبي الصهيونية الدينية بقيادة بتسليئيل سموطريتش والقوة اليهودية بقيادة وزير الأمن القومي إيتمار بن غفير، يبدو أن نتنياهو يناور داخل الحكومة، ووسط الغضب الشعبي بالذات في أوساط المستوطنين، من أجل تأجيل خطوات فعلية ميدانية تضعه في مواجهة مباشرة مع الإدارة الأميركية بقيادة الرئيس جو بايدن.
ويسعى نتنياهو أولاً لضمان توظيف زيارة وزير الخارجية الأميركي، أنتوني بلينكن، اليوم الاثنين لإسرائيل، لانتزاع تصريحات أميركية إضافية لصالح إسرائيل، ومؤيدة لخطوات مستقبلية على أساس الموقف الأميركي الثابت بالالتزام بأمن إسرائيل، مهما بلغت حدة الخلافات بين مواقف الدولتين.
كما سيحاول نتنياهو، ضمان تحييد الدول العربية، لا سيما التي تقيم علاقات تطبيع رسمية مع دولة الاحتلال، والترويج لضرورة وقف التصعيد والتهيئة لضمان الاستقرار.
وتواجه حكومة نتنياهو داخلياً استمرار التظاهرات المناهضة للتغييرات الحادة التي تعتزم إدخالها في النظام القضائي، وتحجيم دور وصلاحيات المحكمة العليا والمستشارين القضائيين للحكومة.
وفي خضم ذلك، فإنها تحاول توظيف العمليات الأخيرة كمسوغ لخطتها، وهو ما برز في اتهامات وزير الأمن القومي للمستشارة القضائية للحكومة غاليت مايا برهاف بأنها تضعف الحرب على الإرهاب.
وجاء ذلك بعد أن رفضت طلباً له بهدم فوري لبيت منفذ عملية نافيه يعقوف، الشهيد خيري علقم، وهو ما اضطر الكابينت في النهاية إلى التصريح بهدم البيت، فيما أعلن نتنياهو في جلسة الحكومة، أمس، أن بيت الشهيد علقم سيهدم لاحقاً، وسيتم سحب الإقامة من عائلته مما يعني في نهاية المطاف ترحيلهم من القدس ونقلهم للضفة الغربية المحتلة.
كما ذكرت وسائل إعلام إسرائيلية، أن حكومة الاحتلال الإسرائيلي قررت أمس إغلاق بيت عائلة منفذ عملية سلوان الفتى محمد عليوات (13 عاماً).
ويحاول نتنياهو إبراز خطوات الدفع بقوات إضافية من الجيش للضفة الغربية المحتلة، واستدعاء وحدة مكافحة الإرهاب الخاصة، من حرس الحدود لمحيط مدينة القدس، من جهة، والإمعان في تجاهل السلطة الفلسطينية وإخراجها من الحسابات لحكومته، بالرغم من تحذيرات متواترة من الأجهزة والمنظومة الأمنية ككل من خطورة إضعاف السلطة الفلسطينية في رام الله ووقف التنسيق الأمني من جهة ثانية.
لكن تركيز إسرائيل بشكل خاص منذ إطلاقها العام الماضي عدوان كاسر الأمواج، على ما سمته تراجع نفوذ وهيبة السلطة الفلسطينية، وأنها لا تحكم الأراضي الخاضعة لها أمنياً ومدنياً، ساهم عملياً أيضاً في خفض منسوب الخوف لدى عناصر المقاومة الفلسطينية، سواء التابعين لفصائل تنظيمات محددة في شمالي الضفة الغربية ولا سيما جنين، ولدى جماعات مقاومة انتظمت بمجموعات عسكرية عابرة للفصائل، كما في حال كتيبة جنين في جنين، وعرين الأسود في نابلس، عدا عن إطلاق عمليات فردية لعناصر فدائية غير منتظمة ولا تربطها شبكات تنظيمية، مما صعب على دولة الاحتلال ومخابراتها الوصول إلى هذه العناصر، كما أثبتته عمليتي نافيه يعقوف وسلوان الأخيرة، مثل عمليات سابقة أيضاً لمقاومين من خارج التنظيمات.
وزادت هذه الاتهامات المتكررة من قبل حكومة الاحتلال للسلطة بالضعف وفقدان السيطرة، من منسوب الغضب الشعبي الفلسطيني على مستوى الأفراد أيضاً، في ظل استمرار العدوان المتواصل منذ مارس/آذار الماضيين والذي بدأ باستهداف جنين ومخيمها، لكنه سرعان ما امتد أيضاً لعمليات واقتحامات طاولت كل أنحاء الضفة الغربية، وإن تصدرت كل من نابلس وجنين المشهد الفدائي والمقاوم بفعل ملاحقة الاحتلال لجماعات "كتيبة جنين" و"عرين الأسود"، إلا أن مدن المحافظات الجنوبية في الضفة الغربية المحتلة وفي مقدمتها مدينة الخليل لم تسلم هي الأخرى مثلها مثل بيت لحم من اقتحامات متكررة من قبل الاحتلال.
وتقف حكومة نتنياهو اليوم أمام أشد الاختبارات داخلياً، حيث سيحاول نتنياهو من جهة: طمأنة العالم والرأي العام العالمي والدولي إلى أنه من يمسك فعلياً بمقاليد الحكم وليس شركاءه المتطرفين في الائتلاف، والأخذ بتحذيرات الأجهزة الأمنية من اشتعال الانتفاضة الثالثة، ومن جهة ثانية تنفيذ مطالب شركائه في الائتلاف الحكومي، من دون أن يلقي بالاً أو اهتماماً حقيقياً في المرحلة الحالية للتظاهرات المناهضة لخطط حكومته، بل سيوظفها لمزيد من الطعن بـ"صهيونية ووطنية" المعارضة التي تواصل التظاهر فيما يسقط الإسرائيليون برصاص الفدائيين.