تحديات هيكلية: كيف تُوسِّع منظمة شنجهاي نفوذها الجيوسياسي؟

profile
  • clock 6 يونيو 2023, 4:11:34 م
  • تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
Slide 01

جتمع مجلس وزراء خارجية منظمة شنجهاي للتعاون (SCO)، في أواخر مايو 2023، في جوا بالهند، وقد ناقشوا مسودات وثائق وقرارات المنظمة، وبحثوا قضايا مختلفة في الشؤون الدولية والإقليمية. جدير بالذكر أن الاجتماع الأخير عُقد استعداداً للقمة السنوية للمنظمة، التي سيحضرها رؤساء الدول الأعضاء في المنظمة، والتي ستُعقد في الهند في الفترة من 3 إلى 4 يوليو 2023. وبينما تُوفِّر منظمة شنجهاي فرصاً اقتصادية ووسَّعت من نفوذها الجيوسياسي، فإنها تواجه تحديات مثل الاختلافات بين الدول الأعضاء، والمنافسات الإقليمية، والحاجة إلى إصلاحات لضمان التماسك والاستدامة، كما يتطور دور منظمة شنجهاي للتعاون في مجال الأمن ومكافحة الإرهاب، ويهدف إلى الحفاظ على دورها المؤثر في الساحة العالمية من خلال الشراكات المختلفة وأدوار المراقبة.

نفوذ متزايد

تتكون منظمة شنجهاي للتعاون من الصين وروسيا وأربع دول في آسيا الوسطى، وهي: كازاخستان وقيرغيزستان وطاجيكستان وأوزبكستان، بجانب كلٍّ من الهند وباكستان، كما انضمت إيران رسميّاً إلى المنظمة في أبريل من هذا العام. وقد تأسَّست المنظمة في عام 1996 تحت اسم مجموعة شنجهاي الخماسية Shanghai Five. في ذلك الوقت، كانت الكتلة في الأساس تحالفاً شرقيّاً قائماً على اتفاقيتَين أساسيتَين بين روسيا والصين وثلاث دول في آسيا الوسطى لمواجهة التحديات الأمنية وتعزيز التعاون العسكري بعد تفكُّك الاتحاد السوفييتي. وعندما انضمت أوزبكستان في عام 2001 إليها، تغيَّر اسم المجموعة إلى منظمة شنجهاي للتعاون.

حاولت منظمة شنجهاي للتعاون الحفاظ على “روح شنجهاي” الأصلية، من خلال غرس مبادئ الثقة المتبادلة، والمنفعة المتبادلة، والمساواة، والتشاور، واحترام التنوع الثقافي، والسعي لتحقيق التنمية المشتركة، فيما تنمو منظمة شنجهاي بسرعة وستُغطِّي في النهاية مساحة جيوسياسية أكبر بكثير مما كانت عليه في صيغتها الأصلية؛ فقد أصبحت دول الشرق الأوسط المؤثرة – مثل المملكة العربية السعودية والإمارات ومصر – شركاء في حوار منظمة شنجهاي للتعاون بجانب قطر والبحرين.

وتوفر منظمة شنجهاي للتعاون فرصاً اقتصادية لا حصر لها، بناتج محلي إجمالي جماعي يزيد عن 23.5 تريليون دولار، وتبادلات تجارية بقيمة إجمالية تُناهز 8.03 تريليون دولار. وقد انضمت معظم الدول الأعضاء في منظمة شنجهاي للتعاون، وكذلك المراقبون وشركاء الحوار، إلى مشروع الصين الضخم؛ مبادرة الحزام والطريق (BRI). لقد كانت مبادرة الحزام والطريق ناجحة للغاية في تعزيز أهداف التجارة والسياسة الخارجية لبكين. وتُعَد الصين أقوى دولة في منظمة شنجهاي للتعاون. وعلى الرغم من أن منظمة شنجهاي للتعاون تحافظ على موقف غير منحاز وتحترم التنوع الثقافي، فإن أهداف التنمية التي تؤيدها يمكن أن تُبشِّر بنظام اقتصادي عالمي جديد.

انقسامات داخلية

تحتاج منظمة شنجهاي للتعاون إلى قدر أكبر من التماسك ولا تزال كياناً لم يتم اختباره. في نهاية المطاف، ستحتاج المنظمة إلى إجراء إصلاحات لخدمة مصالح الدول الأعضاء بشكل أفضل وتحقيق الاستدامة؛ حيث قد تؤدي الاختلافات بين الدول الأعضاء الرئيسية إلى تقويض المنظمة إذا لم تتم استعادة درجة معينة من الثقة. وبما أن منظمة شنجهاي للتعاون تنص على إيجاد توافق كامل بين الأعضاء فيما يتعلق بجميع عمليات صنع القرار، فإن الخلافات المستمرة يمكن أن تقلل من مصداقية المنظمة واستدامتها.

حيث يشكل التنافس بين الهند وباكستان تحدياً لهذا المنتدى الإقليمي؛ فقد ظلَّت العلاقات بين إسلام أباد ونيودلهي غير مستقرة لعقود من الزمن، وباتت مشحونة مؤخراً بوجه خاص، في ضوء عدم قدرة البلدين على حل نزاع كشمير. وقد كان قدوم وزير الخارجية بيلاوال بوتو زرداري إلى جوا هو أول زيارة لوزير خارجية باكستاني إلى الهند منذ عام 2011. والآن بعد أن انضمت طهران إلى منظمة شنجهاي للتعاون واعتزام الرياض القيام بذلك، يمكن أن تصبح العلاقات الإيرانية السعودية أكثر توتراً؛ فقد كان لدى هذين البلدين في السابق علاقة متوترة، واستعادتا العلاقات الدبلوماسية مؤخراً فقط، ويبقى أن نرى إذا ما كانت مثل هذه التوترات يمكن أن تعرقل منظمة شنجهاي للتعاون على المدى الطويل، أو إذا ما كان هذا المنتدى يمكن أن يكون أفضل منصة لتدابير الوساطة وبناء الثقة.

وينصُّ البند الثاني من ميثاق منظمة شنجهاي للتعاون (بشأن معاهدة حُسن الجوار والصداقة والتعاون على المدى الطويل) على أن أي عداء أو نزاع في العلاقات الثنائية يجب ألا يمس أنشطة المنظمة. وقد سهَّل هذا البند في السابق حل التوترات بين أعضاء المنظمة الأصليين. من جانب آخر، على الرغم من أن منظمة شنجهاي للتعاون لديها وظيفة أمنية، فإنها تركز بشكل أكبر على مكافحة الإرهاب؛ فقد أعلنت المنظمة في البداية أنها ستكافح “الشرور الثلاثة”: الإرهاب والانفصالية والتطرف، لكنها توقفت عن المشاركة بشكل مباشر في جهود مكافحة الإرهاب بالطريقة التي كانت عليها منظمة حلف شمال الأطلسي (الناتو)، على الرغم من أن المنظمتين متشابهتان تماماً.

وإذا لم تتطور منظمة شنجهاي للتعاون إلى كتلة عسكرية، فقد تصبح أكثر شبهاً بالأمم المتحدة في التزامها الكامل بالقانون الدولي وميثاق الأمم المتحدة. حاليّاً، يمثل الأعضاء التسعة تحت مظلة منظمة شنجهاي للتعاون 60% من أوراسيا، وأكثر من نصف سكان العالم، وأربع قوى نووية.

 وختاماً.. على المدى الطويل، سيتعين على بكين وموسكو تسوية الاختلافات في توقعاتهما بشأن منظمة شنجهاي للتعاون؛ فبينما تبدو روسيا مهتمة بمواجهة الولايات المتحدة، تُركز بكين بشكل أكبر على الترابط الاقتصادي. وفي ضوء الحرب الجارية في أوكرانيا، كان يمكن للمنظمة أن تميل نحو روسيا لولا قوة التوازن الصينية. وقد حافظت منظمة شنجهاي على وجودها على الساحة العالمية من خلال العلاقات مع رابطة دول جنوب شرق آسيا، والاتحاد الأوروبي، ورابطة الدول المستقلة، ومنظمة التعاون الإسلامي، كما أنها تلعب دور المراقب في الأمم المتحدة.


 


هام : هذا المقال يعبر فقط عن رأي الكاتب ولا يعبر عن رأي فريق التحرير
التعليقات (0)