- ℃ 11 تركيا
- 25 ديسمبر 2024
بيسان عدوان تكتب: “ تطويق، إخلاء وحصار” الوهم الإسرائيلي بين القانون الدولي وصمود غزة
بيسان عدوان تكتب: “ تطويق، إخلاء وحصار” الوهم الإسرائيلي بين القانون الدولي وصمود غزة
- 3 ديسمبر 2024, 12:20:55 م
- 175
- تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
تعبيرية
كلما بدء مارثون المفاوضات بين حكومة الاحتلال والفلسطينيين، تكثف "إسرائيل" جرائمها على قطاع غزة مستهدفة المدنيين والبنية التحتية بشكل ممنهج. فمنذ أكثر من أربعمائة يوما يشن الاحتلال غارات عنيفة وقصف متواصل وحصار مشدد أدى إلى استشهاد قرابة الخمسين ألف فلسطيني، وتشريد قرابة ٢ مليون غزاوي، مع تدمير شامل للأحياء السكنية والمستشفيات والمدارس، متذرعة بحجج "الأمن القومي". وبينما تسعى في القاهرة إلى التفاوض على اتفاق يضمن إطلاق سراح أسرى إسرائيليين، تُمعن في سياسات الإبادة الجماعية والعقاب السكاني الجماعي على الأرض، مما يعكس تناقضًا صارخًا بين خطابها الدبلوماسي وتصعيدها العسكري، ويكشف زيف ادعاءاتهم بالالتزام بالقانون الدولي.
لا تبدو جلسة الكنيست الإسرائيلي التي انعقدت اليوم الإثنين الثاني من كانون الأول/ ديسمبر ٢٠٢٤ تحت عنوان "تطويق، إخلاء وحصار - النموذج العملياتي للانتصار وفق القانون الدولي" سوى فصل جديد من مسلسل طويل تحاول فيه دولة الاحتلال شرعنة جرائمها ضد الفلسطينيين. الجلسة، التي حضرها وزراء وأعضاء كنيست من الليكود، وضعت على الطاولة مقترحات تعكس مدى انزلاق الاحتلال نحو مزيد من الفاشية والتطرف، مستغلة أدوات القانون الدولي كغطاء لتوسيع مشروعها الاستعماري في غزة.
ما جرى تقديمه في الكنيست ليس سوى إعادة صياغة لمفردات الاحتلال. "تطويق، إخلاء، وحصار" هي عبارات تتلطى وراءها سياسات الإبادة الجماعية، لكنها تخفي نوايا واضحة: إلغاء وجود الفلسطينيين من غزة، سواء عبر التهجير القسري أو الحصار الخانق الذي يجعل الحياة مستحيلة.
منذ السابع من أكتوبر 2023، يواجه قطاع غزة عدوانًا غير مسبوق. ابادة جماعية، تجويع ممنهج، البيوت المدمرة والجثث التي تُنتشل من تحت الأنقاض ليست سوى مشاهد يومية في حياة سكان القطاع. التقارير الصادرة عن المؤسسات الحقوقية تؤكد أن دولة الاحتلال تستخدم سياسات العقاب الجماعي ضد المدنيين. ومع ذلك، تحاول حكومتها في الكنيست تبرير هذه الجرائم بوثائق قانونية زائفة، متناسية أن القانون الدولي الذي تستند إليه يُدينها أولًا كقوة احتلال تمارس الإبادة الجماعية في غزة والتطهير العرقي في الضفة الغربية.
شرعنة جرائم الاحتلال عبر القانون:
المحاولات الإسرائيلية لإعادة تفسير القانون الدولي بما يخدم سياساتها تكشف عن عمق الأزمة الأخلاقية التي يعاني منها الاحتلال. هذا التلاعب بالقانون لن يغير من حقيقة أن ممارسات "إسرائيل" في غزة تُصنف كجرائم حرب بموجب القانون الدولي.
خلال الجلسة التي عقدت في الكنيست الإسرائيلي تحت عنوان "تطويق، إخلاء وحصار - النموذج العملياتي للانتصار وفق القانون الدولي"، تم تقديم عدة مقترحات تمحورت حول كيفية استخدام الأدوات العسكرية والسياسية بشكل يتماشى مع ما يعتبرونه تبريرات قانونية وفق القانون الدولي. وفيما يلي بعض التفاصيل المتعلقة بما قُدم في الجلسة التي تم الإشارة إليها بأنها "تتناسب مع القانون الدولي":
1. إعادة احتلال مناطق في غزة: تم طرح فكرة العودة إلى احتلال مناطق محددة داخل قطاع غزة، وخاصة مناطق تعتبر استراتيجية مثل محور فيلادلفيا. المعروض في الجلسة ركز على ضرورة استخدام "القوة العسكرية المشروعة" لإعادة السيطرة على هذه المناطق بحجة ضمان الأمن الإسرائيلي وحماية الحدود. وقد تم تفسير هذا التحرك ضمن إطار "الضرورة العسكرية" التي يُعتبر أنها مشروعة وفقًا للقانون الدولي في حالات معينة، مثل منع الهجمات أو الحفاظ على الأمن.
2. التهجير القسري تحت مزاعم "الضرورة الأمنية": أحد المقترحات الأكثر إثارة للجدل كان فكرة إخلاء مناطق سكنية معينة من الفلسطينيين داخل غزة، مع تبرير ذلك على أساس "حماية المدنيين" وفقًا للائحة قوانين الحرب الدولية، وخاصة اتفاقيات جنيف. وقد تم تسويق هذه الخطة كإجراء مؤقت للحد من تعرض المدنيين الفلسطينيين للهجمات الإسرائيلية، دون الاعتراف بمخاطر التهجير القسري على حياة المواطنين.
3. توسيع الحصار وفق القوانين العسكرية: اقترح المشاركون في الجلسة تشديد الحصار المفروض على قطاع غزة، بما في ذلك فرض قيود أشد على المواد التي يتم إدخالها إلى القطاع، من خلال استبعاد المواد التي يُعتقد أنها يمكن أن تستخدم في العمليات العسكرية. تم تفسير ذلك ضمن نطاق "الاحتلال العسكري" الذي يتيح لدولة الاحتلال فرض قيود على دخول السلع إلى الأراضي المحتلة من أجل تأمين سلامتها، وفقًا لبعض التفسيرات القانونية.
4. الفصل الجغرافي بين شمال وجنوب غزة: ناقش الحضور في الجلسة فكرة عزل المناطق المختلفة داخل قطاع غزة، مما قد يشمل تقسيم القطاع إلى مناطق شمالية وجنوبية على غرار مخططات أخرى لفرض السيطرة الإسرائيلية. وقد تم تقديم هذا الاقتراح بوصفه أسلوبًا للحد من فاعلية المقاومة العسكرية، ضمن إطار إدارة الاحتلال بما يتفق مع "الاحتياجات الأمنية" لدولة الاحتلال، وهو ما يعكس محاولة لاستغلال تفسيرات قانونية تتيح فرض السيطرة على السكان ومناطقهم.
5. استهداف الفصائل العسكرية: تم تأكيد الاستمرار في استهداف القيادات العسكرية والسياسية للمقاومة الفلسطينية عبر الغارات الجوية، وهو ما قد يتم تبريره في إطار "الهجمات العسكرية المشروعة" وفقًا للمادة 51 من ميثاق الأمم المتحدة التي تتيح للدول الدفاع عن نفسها ضد الهجمات العسكرية.
ما بين الكنيست والقاهرة: ازدواجية الاحتلال
الجلسة التي انعقدت في الكنيست تأتي بالتزامن مع مفاوضات تُجرى في القاهرة بشأن وقف إطلاق النار وتبادل الأسرى. هذا التزامن يكشف عن تناقض جوهري في سلوك الاحتلال: ففي الوقت الذي تتحدث فيه إسرائيل عن "الحلول العملياتية" لإبادة غزة، تفاوض في القاهرة لتحقيق مكاسب سياسية وإطلاق أسراها من قبضة المقاومة.
عبر جلسة الكنيست تسعى دولة الاحتلال إلى استغلال المفاوضات لتأمين هدنة تُستخدم كفرصة لإعادة ترتيب أوراقها، في حين تعمل على فرض وقائع ميدانية تخدم استراتيجياتها بعيدة المدى. الطروحات التي تناولتها الجلسة، مثل تهجير السكان وتشديد الحصار، تهدف إلى الضغط على المقاومة في المفاوضات، خاصة بعد صدمة عملية "طوفان الأقصى"، التي زلزلت العمق الإسرائيلي وكشفت هشاشة المنظومة الأمنية والسياسية.
تسعى دولة الاحتلال إلى ربط سياساتها العسكرية في غزة بالمفاوضات الجارية في القاهرة عبر استراتيجيات متناقضة تهدف إلى فرض واقع سياسي يخدم مصالحها الأمنية. من جهة، تواصل إسرائيل استخدام القوة المفرطة ضد قطاع غزة، مبررة ذلك بحماية أمنها القومي، لكن في الوقت ذاته، تتفاوض على شروط لوقف إطلاق النار وتبادل الأسرى. هذا التناقض بين التصعيد العسكري والحديث عن الحلول السياسية يكشف عن محاولة حكومة الحرب الإسرائيلية لتحقيق مكاسب أمنية وسياسية في آن واحد.
إسرائيل قد تستخدم المفاوضات كوسيلة للضغط على الفصائل الفلسطينية لقبول شروط أمنية تهدف إلى تقويض المقاومة، مثل نزع السلاح أو فرض قيود على تحركاتها. كما تسعى إلى فرض ترتيبات أمنية قد تشمل تقسيم غزة أو مراقبة الحدود بشكل دائم لتأمين المصالح الإسرائيلية. في هذا السياق، تحاول دولة الاحتلال فرض واقع ميداني يخدم استراتيجياتها العسكرية، مع استغلال المفاوضات للحصول على ضمانات من الأطراف الإقليمية مثل مصر وقطر للضغط على الفلسطينيين.
عبر هذه المفاوضات، قد تحاول دولة الاحتلال تبرير تصعيدها العسكري في غزة باستخدام تفسيرات قانونية تتماشى مع مصالحها، مدعية أن إجراءاتها ضرورية لحماية الأمن الإسرائيلي. هذا التلاعب بالقانون الدولي يعكس التناقض الواضح بين خطابها الدبلوماسي وما يجري على الأرض، حيث تستمر تلك الدولة في تنفيذ سياسات عقابية ضد المدنيين الفلسطينيين في غزة، في الوقت الذي تتظاهر فيه بالبحث عن حلول سلمية.
في النهاية، في حين أن دولة الاحتلال تحاول تقديم هذه السياسات على أنها "متوافقة مع القانون الدولي"، إلا أن معظم هذه الإجراءات تمثل تحريفًا لقواعد القانون الدولي، حيث أن تطبيق "الضرورة العسكرية" لا يمكن أن يكون مبررًا لانتهاك حقوق الإنسان أو فرض عقوبات جماعية، مثل التهجير القسري أو تدمير البنية التحتية المدنية.
الحديث عن "تطويق، إخلاء، وحصار" ليس إلا محاولة يائسة لإخفاء عجز الاحتلال أمام إرادة شعب يؤمن بحقه في الحياة والحرية. ومع ذلك، يبقى السؤال الأكبر: هل يدرك الاحتلال أن غزة ليست مجرد مكان، بل قضية تتجاوز حدود الجغرافيا؟ الإجابة تكتبها غزة يوميًا بدماء أبنائها وصمودها الأسطوري، حيث ترسم ملامح مستقبل لا مكان فيه للاحتلال ولا لجرائمه.