- ℃ 11 تركيا
- 25 ديسمبر 2024
بموقعها الاستراتيجي.. هل تتحول النيجر إلى "أوكرانيا جديدة"؟
بموقعها الاستراتيجي.. هل تتحول النيجر إلى "أوكرانيا جديدة"؟
- 10 أغسطس 2023, 5:41:08 ص
- 504
- تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
توشك النيجر التي تمر بظروف سياسية استثنائية منذ الانقلاب العسكري فيها أن تقع ضحية لحسابات القوى المتصارعة ما ينذر بتحول البلد الأفريقي إلى "أوكرانيا جديدة" تدفع ثمن تلك التجاذبات.
وحسب تقرير لـ"مركز الجزيرة للدرسات"، "يتنافس على النيجر مستعمر قديم يتقلص الساحل تحت قدميه بما رحب، ومبشر جديد بالتحرير من الإمبريالية. وفي سيرة المبشر الجديد وصورته الشاهدة في ساحات عديدة من هذه المنافسة، ما يدفع للتشكيك في حقيقة اختلافه عن المستعمر القديم في كل ما يقدم نفسه بديلًا عنه، بدءًا بالنزوع الإمبريالي وصولًا إلى الهيمنة على ما فوق الأرض وتحتها من ثروات طبيعية".
ويشير التقرير إلى أن "هذه الثروات هي بيت النزال في منطقة محورية، في قارة هي أحد أقطاب المستقبل وشفرة بوتين لفك العزلة عن موسكو. من جهة أخرى، ووفق تقديرات الولايات المتحدة الأمريكية، يعد النيجر موقعًا مهما لا ينبغي أن يسقط".
ويضيف "هكذا يبدو النيجر، البلد الإفريقي الذي تعود العالم على متابعة أخباره في زاوية مخاطر المجاعة خلال السنوات الماضية، في طريقه ليصبح عنوانًا رئيسيًّا للتنافس بين أجيال مختلفة من الاستعمار".
ويحذر التقرير من أن "النيجر بصدد التحول إلى ساحة أخرى من ساحات الحرب الكونية الباردة، التي تدور رحاها على أكثر من صعيد في مجالات الاقتصاد والسياسة والتقنية. وكذلك في ميادين الحرب التقليدية، على جبهات أبرزها وأكثرها سخونة أوكرانيا التي تتعرض لغزو روسي منذ سنة ونصف السنة".
سياق الانقلاب
ويلفت إلى أن انقلاب النيجر جاء في أعقاب موجة ثانية من الانقلابات في إفريقيا بعد مرحلة من الإصلاحات السياسية والاقتصادية تمكن خلالها عدد من دول القارة من الانتقال إلى الديمقراطية.
وينوه إلى أن أفريقيا كانت قبل ذلك قد مرَّت بموجة أولى من الانقلابات شملت عددًا كبيرًا من دولها، ففي سبعينات وثمانينات القرن الماضي، كانت الانقلابات في إفريقيا خبرًا عاديًّا وحالة عامة لم تنج منها إلا بعض البلدان التي تعد على أصابع اليد الواحدة، لاسيما أن السنغال كان البلد الوحيد الذي لم يعرف انقلابا في منطقة الساحل والغرب الإفريقي.
ويبين التقرير أن فرنسا، بشكل خاص، لم تكن بمنأى عن هذه الانقلابات، وكانت أصابع باريس حاضرة في أغلبها، تحضيرًا وتنظيمًا أو مباركة ودعمًا.
وبعد ذلك كانت مرحلة الانتقال الديمقراطي المتعثر التي بدأت مع أوائل التسعينات، وقد حاولت فرنسا دعم هذا التوجه بشكل رسمي، وتجلى ذلك في مؤتمر لابول الذي عقده الرئيس الفرنسي الأسبق، فرانسوا ميتران، منتصف العام 1990، في مدينة "لابول إسكوبلاك" بالغرب الفرنسي، بحضور عدد من قادة الدول الإفريقية.
وكانت رسالة ميتران الأساسية آنذاك دفع القادة الأفارقة لتبني أنظمة سياسية تقوم على التعددية الحزبية وتفتح الباب أمام الانتخابات التنافسية.
وبلغت تلك المرحلة ذروتها في مطلع الألفية حيث نجح عدد من بلدان القارة في إنجاز انتقالات ديمقراطية ناجحة، تُوجت بوضع ترسانة قانونية تلزم الأطر القارية والإقليمية برفض تغيير الأنظمة عن طريق الانقلابات، وتفرض عقوبات تلقائية على المتورطين فيها، حسب التقرير.
أما الموجة الثانية من الانقلابات - حسب المركز- فقد جاءت بعد مرحلة الانتقال الديمقراطي، أو ما عُرف بـ"الربيع الإفريقي"، إذ سادت حالة من الإحباط بسبب فشل البلدان التي تحولت إلى الديمقراطية في تحقيق أي من التطلعات الأساسية لشعوب الساحل، خاصة على الصعيدين التنموي والأمني.
وأدى ذلك الفشل إلى سلسلة من الانقلابات، انطلقت من مالي، التي عرفت ثلاثة انقلابات خلال عشر سنوات، ثم تمددت إلى غينيا، التي شهدت انقلابين خلال نفس الفترة.
ووصل الأمر إلى بوركينافاسو، التي راوحت خلال العشرية الماضية بين حالة صُنِّفت ثورة وبداية ربيع إفريقي أطاحت برئيسها الأسبق، بليز كامباوري، وحالتين انقلابيتين أوصلت أحدثهما الرئيس الحالي، النقيب الشاب، إبراهيم تراوري، إلى قصر الحكم في واغادوغو، وهو يقود اليوم واحدة من أقوى حالات التمرد في وجه المستعمر القديم في منطقة الساحل والغرب الإفريقي.
ساحة المواجهة
ويقول مركز الجزيرة إن المواجهة تبدو شبه حتمية في النيجر بين طرفين أحدهما يتمسك بشرعيته، ويتمسك الآخر بكرسي استطاع انتزاعه قبل أيام قليلة.
ويوضح أن سرعة الاحتشاد وصرامة اللغة المستخدمة تدلل على شعور طرفي المواجهة بجدية الأزمة وخطورة تأثيراتها الإستراتيجية.
ففي المعسكر الأول، يقف قادة الانقلاب الجدد مدعومين برفاق التمرد على قواعد التبعية للغرب عمومًا ولفرنسا تحديدًا، في كل من بوركينافاسو ومالي وغينيا كوناكري.
وفي المعسكر المقابل، يقف الرئيس المخلوع، محمد بازوم، المدعوم بشكل استثنائي من المجموعتين، الإقليمية والدولية. وقد حددت المجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا المعروفة اختصارًا بـ"إيكواس" (ECOWAS)، مهلة تنتهي يوم الأحد، السادس من أغسطس/آب 2023.
ويحظى موقف مجموعة إيكواس بدعم قوي وصريح من الدول الغربية، وفي مقدمتها فرنسا.
ويتابع التقرير أنه مع تزايد مؤشرات المواجهة بين طرفي الصراع وتعدد مجالاتها سياسيًّا وأمنيًّا ودبلوماسيًّا، ليس من المتوقع أن يكون الحسم بين المعسكرين سهلًا ولا سريعًا، وذلك بناء على معطيات الواقع ومتغيرات ما بعد الإطاحة بالرئيس بازوم.
فالطرف الداعم للانقلاب يعتمد على سند داخلي متصاعد يتغذى على مزيج من الشعور القومي والوطني.
وكان وصول رئيس ينتمي لمجموعة قبلية صغيرة لرئاسة بلد مثل النيجر، يكفي وحده لتحفيز الشعور القومي ضده، أما حين تظهر قوى خارجية مجاهرة بإعلان دعمه والسعي لإعادته للحكم ولو باستخدام القوة، فتلك أفضل الوصفات ليبلغ الحماس القومي والوطني مداه، وفق التقرير.
في المقابل، تعلن دول وازنة في الجوار، أهمها الجزائر ومالي، معارضتها التدخل العسكري. فالجزائر أعلنت عدة مواقف منذ الانقلاب من آخرها "تمسكها العميق" بالعودة إلى النظام الدستوري في النيجر و"دعمها" للرئيس بازوم "رئيسًا شرعيًّا"، وتحذيرها من "نوايا التدخل العسكري الأجنبي".
أما دول مالي وبوركينافاسو وغينيا كوناكري فقد أعلنت في بيان مشترك أن أي حرب على النيجر تُعد حربًا عليها. ولتأكيد هذا الموقف، استقبل رئيس المجلس العسكري الحاكم في باماكو، عاصمي كويتا، قادة الانقلاب في النيجر.
وحدث ذلك الاستقبال بالتزامن مع اجتماع قادة أركان الجيش في منظمة الإيكواس لوضع اللمسات الأخيرة على ما يُعتقد أنه خطة للتدخل العسكري في النيجر.
ويبدو أن قرار التدخل، الذي تحفظت عليه قوى دولية مثل روسيا والصين وإيطاليا، قد اتخذ بعد ساعات قليلة من حدوث الانقلاب.
ووسط هذ الانقسام في المواقف الإقليمية والدولية، تبدو مجموعة الإيكواس مصممة على المضي في خطتها للتدخل العسكري في النيجر علَّها تتمكن من معاقبة قادة الانقلاب وإعادة الرئيس بازوم إلى السلطة، وبالتالي ردع أي محاولة انقلابية في المستقبل.
وحسب التقرير فإن ما سيحسم الأمر ويحدد اتجاه الخطوة القادمة داخل المجموعة هو موقف نيجيريا، كبرى دول الغرب الإفريقي.
فبينما كان الرئيس السابق، محمدو بخاري، أقل حماسًا لمواجهة انقلابات مالي وبوركينا وغينيا، نظرًا لظروفه المعقدة بما في ذلك وضعه الصحي وانتماؤه المجتمعي وتموقعه الاستراتيجي، يبدو أن وضع الرئيس الجديد، بولا أحمد تينوبو، جعله رأس الحربة في مواجهة انقلابيي النيجر.
فقد أقدمت نيجيريا على تطبيق إجراءات عقابية ضد جارتها النيجر، تضمنت إغلاق الحدود وقطع الكهرباء، واعتبر رئيسها أن استمرار اعتقال الرئيس بازوم إهانة لكل رؤساء المنطقة، فيما أعلنت السنغال استعدادها للمشاركة في العملية العسكرية وهو ما يمكن اعتباره ردًّا على البيان المشترك لمحور دول الانقلاب الذي يضم مالي وبوركينا فاسو وغينيا كوناكري.
خشية من أوكرانيا جديدة
ويذكر التقرير أن قادة الانقلاب في نيامي، رغم أنهم على خلاف "أسلافهم" في مالي وغينيا وبوركينا، من الصف الأول في الجيش النيجري، وليست لهم عداوة معلنة مع فرنسا وحضورها في المنطقة، إلا أن تركيزهم في "البيان رقم واحد" على البعد الأمني الذي أخذ وقتًا من كلمة قائد الانقلاب، أعطى مؤشرًا قويًّا منذ البداية على أن مستقبل العلاقة بباريس سيكون قاتمًا.
وقد تعزز هذا الموقف بسلسلة من القرارات والإجراءات التي اتخذها الانقلابيون مثل تعليق اتفاقيات عسكرية مع فرنسا، وقطع بث إذاعة فرنسا الدولية وقناة "فرنسا 24".
وجاءت هذه الإجراءات وسط تحركات شعبية مناهضة لفرنسا شهدت مهاجمة مناصري الانقلاب مباني السفارة الفرنسية في نيامي، ورفعهم أعلام روسيا خلال المظاهرات التي كتبت فيها شعارات بالروسية تستنجد ببوتين لمواجهة "الإمبريالية".
أما روسيا فقد حرصت منذ الساعات والأيام التي تلت الانقلاب على الامتناع عن إظهار أي موقف داعم للإطاحة ببازوم، واكتفت بإعلان مواقف عامة عبرت فيها عن وقوفها مع الشرعية والدعوة لضبط النفس.
لكن المعطيات الجيوستراتيجية الصلبة، وسياق المنافسة المتصاعدة بين روسيا وفرنسا في إفريقيا- حسب التقرير- تُرجحان تطور الموقف الروسي في اتجاه أكثر حسمًا.
ويضيف المركز: "إذا تأكدت الأنباء عن طلب الانقلابيين في نيامي دعمًا عسكريًّا من قوات فاجنر لمواجهة التدخل العسكري المحتمل، فلا يُستبعد أن تتحول النيجر إلى بؤرة صراع دولي يجعل منها أوكرانيا الغرب الإفريقي".
فالبلد الساحلي الذي تعيش أغلب مدنه في الظلام الدامس، يضيء اليورانيوم القادم منه سماء مدن فرنسا التي مدَّدت تشغيل مفاعلاتها النووية برغم تعهدات قمم المناخ حتى تحد من آثار تدفق الغاز الروسي، كما جاء في التقرير.
والنيجر نقطة وصل أساسية في مسار عبور أنابيب النفط من نيجيريا إلى أوروبا عبر الجزائر، وهو المشروع الضخم الذي يراهن البلدان الإفريقيان الثريان بالطاقة على أن يمثل قفزة في نموهما، وتعتبره أوروبا شريان إنقاذ إستراتيجي من الاعتماد المفرط على الطاقة الروسية.
كما أن النيجر يُعد النقطة الآمنة الأخيرة لقوات واشنطن وباريس في منطقة الساحل. وهذا ما لا يخفي المسؤولون الغربيون التعبير عنه بصوت مسموع؛ ما يعني أنهم سيدافعون عن استمرار هذا البلد مواليًا للغرب، باعتباره جزءًا أساسيًّا من منظومة أمنه الإستراتيجي.