- ℃ 11 تركيا
- 15 نوفمبر 2024
بكر أبوبكر يكتب: ما ثمن ما تعمل؟ وهرم "ماسلو" الثُماني
بكر أبوبكر يكتب: ما ثمن ما تعمل؟ وهرم "ماسلو" الثُماني
- 10 ديسمبر 2021, 7:43:03 م
- 578
- تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
في كثير من الأحيان ما أواجه بالسؤال التالي:
ما ثمن ما تعمله؟
ماذا تكسب؟
لماذا تجهدُ نفسَك وتنجزُ، ويُنسب الفضل للآخرين؟ فماذا تكسب؟
أوما هي النتيجة المتوقعة؟
وهذه الأسئلة ومثيلاتها جديرة بالتفكر والتأمل لأنه تأتي من مقرّب أو من شخص من المفترض أنه تربي في الجماعة أو المنظمة (التنظيم) على ما هو وراء العمل، أي النتيجة المتحققة. ولكن هيهات... فحساب الحقل مختلف عن حساب البيدر حين النظرلاختلاف النظرات الانسانية النفسية.
في السؤال حول ماذا تكسب أو ما هو الثمن؟ ينصرف ذهن السائل دومًا الى الثمن المادي! بمعنى أن يتضمن جائزة أومالًا أو موقعًا أو مكانة ذات سلطة وسلطان على الناس والأشياء، بمعنى أن أي انجاز في عقل هؤلاء يجب أن يتضمن سعيًا نحو جائزة مالية أو جائزة بالمنصب؟ (في العمل الوظيفي لا بأس به قطعًا، ولكنه ليس الهدف الأوحد) دون النظر لحقيقة الانجاز وثمنه الحقيقي وهو بسياق الثمن الشخصي الذاتي أي فيما يتحقق في ذات الانسان وعلاقته بربه وذاته، والثمن والمردود المعنوي العظيم من عيون الآخرين، وفي قلوبهم الظاهرعبر ألسنتهم وجسدهم، خاصة في العمل التطوعي أو التنظيمي اوالانساني.
في الآية 111 من سورة التوبة يتعامل الخالق عز وجلّ مع البيع والشراء فيقول"إِنَّ ٱللَّهَ ٱشْتَرَىٰ مِنَ ٱلْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَٰلَهُم بِأَنَّ لَهُمُ ٱلْجَنَّةَ ۚ" وفيه اعتبر الخالق عز وجلّ أن الثمن والجزاء للعمل المطلوب وهو التضحية بالنفس بالآية (وينطبق على الأعمال الصالحة) هو الجنة، ليقول بمنطق البيع والشراء الإلهي ذاته "فَٱسْتَبْشِرُواْ بِبَيْعِكُمُ ٱلَّذِى بَايَعْتُم بِهِۦ ۚ وَذَٰلِكَ هُوَ ٱلْفَوْزُ ٱلْعَظِيمُ".
و"أنا جنتي وبستاني في صدري" كما قال شيخ الاسلام ابن تيمية لتلميذه ابن القيم.
والفوز العظيم والجنة بما يتضمنه بالدنيا والآخرة بالسعادة، كما في سورة هود الآية108 "وَأَمَّا ٱلَّذِينَ سُعِدُواْ فَفِى ٱلْجَنَّةِ خَٰلِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ ٱلسَّمَٰوَٰتُ وَٱلْأَرْضُ إِلَّا مَا شَآءَ رَبُّكَ ۖ عَطَآءً غَيْرَ مَجْذُوذٍۢ" ، ولم يكن الثمن المادي ببعيد عن السياق القرآني وهو هام، ولكنه ليس غاية المنى الى جانب الثمن الذاتي من جهة والثمن أو التقدير المرتقب أو المتوقع من أفواه ولسان وعيون الآخرين.
إن الثمن الذي أحصل عليه حين أحقق انجازًا أو هدفًا مهما كان نوعه لو كنت مزارعًا أو فنانًا أو نحاتًا أو كاتبًا أو مهندسًا أو موظفًا أو عامل بناء أو سائق شاحنة أو لاعب رياضي أو خلافه هو رضاي أنا عن ذاتي، وشعوري بتحقيق الهدف ومحبتي لما أعمل وما هو إرضاء لله سبحانه وتعالى، وإرضاء لضميري ومنه تنطلق أيضًا رغبتي بالشعور بالثناء أو التقدير أو الاحترام أو الذِكر من رؤسائي أو زملائي أو صحبي وأهلي.
تقول صاحبة كتاب كيف تجذب الناس"ليل لاوندس" بما معناه بأنه: "حينما يقول الجذابون للناس: “أشكرك”، فإنهم يمنحون الابتهاج الذي تقصده هذه الكلمة بتفسير سبب شكرهم. وهم يعطون كل كلمة شكر بطانة رقيقة لينة. ودائماً ما تكون الابتسامات الكبيرة هي مكافأة الجذابين للناس".
لا تتصوروا قيمة الكلمة الجميلة والإشادة والثناء للعمل أو الانجاز بشعور الشخص السويّ بالفخر مما قام به أو بالآخرين الذين أشادوا به (أفضل من مليون دينار) ما تعجز عن فهمه كثير من العقليات التي تقلبت على نار الذهب والفضة والثمن المادي النابع من العقلية الاستهلاكية المادية الغربية المرتبطة برأسمالية التلقّي الكسول دون العطاء أو النهوض، ورأسمالية الاستسلام للقوي في جميع المجالات الى الدرجة التي تصبح قيم الغرب الاستهلاكية وحتى قيمهم الاخلاقية-التي في كثير منها لاتتوافق مع قيمنا الاسلامية والمسيحية والمشرقية- أنها هي المقياس، وهي البوصلة والتي لا تمثل بالحقيقة أو يجب ألا تمثل لنا أي بوصلة.
إن القيم والاخلاق ورضا الخالق، وتوازن الذات البشرية هي المحرك الأساس للضمير والحاثّ على السلوك الصحيح والخيّر والفعل المنجز والمكتمل والمتقن كما تعلمنا من سيد البشرية "إن الله يحب إذا عمل أحدكم عملا أن يتقنه"، ونشدان حُب الناس وخدمتهم والاحسان لهم كما قال المسيح عليه السلام "بَارِكُوالاَعِنِيكُمْ. أَحْسِنُوا إِلَى مُبْغِضِيكُمْ، وَصَلُّوا لأَجْلِ الَّذِينَ يُسِيئُونَ إِلَيْكُمْ وَيَطْرُدُونَكُم".
نحن نبغي تحقيق الوصول للصفاء والسلام النفسي والتفوق على الذات مما نسعى له وهو حقيقة فهم منطق البيع والشراء والثمن.
كنّا نعطي بالدورات نظرية "ابراهام ماسلو" ذات الهرم الخُماسي من الحاجات الانسانية الحيوية بالأكل والشرب والدفء ثم حاجات الأمان والسلامة فحاجات الانتماء وصولا لصناعة أو تحقيق الذات لأفاجأ بالنقص لدي في متابعة المفكر الشهير الذي أضاف لنظريته الكثير فأصبحت تتخذذ من السلم الخماسي 8 درجات (ثُماني) وليس 5 فأضاف لها ولا تتفاجأوا اكتشافه للمعنى القرآني والمعنى الديني النفسي السامي عامة فيما عدّل فيه نظريته.
"ماسلو" حدّد درجات السلم أو الهرم للاحتياجات الانسانية بخمسة ودامت النظرية طويلا، ثم لتصبح ثمانية كالتالي
1-الاحتياجات الحيوية "البيولوجية والفسيولوجية" - الهواء ، الطعام ، الشراب، المأوى، الدفء، المعاشرة ، النوم ، إلخ.
2-احتياجات السلامة - الحماية من العناصر، والأمن ، والنظام ، والقانون، والاستقرار، والتحرر من الخوف.
3-احتياجات الحُب والانتماء - الصداقة ، والألفة ، والثقة ، والقبول، وتلقي وإعطاء المودة والمحبة. الانتماء ، أن تكون جزءًا من مجموعة (عائلة ، أصدقاء ، عمل).
4- تقدير الاحتياجات - التي صنفها ماسلو إلى فئتين: (1) احترام الذات (الكرامة والإنجاز والإتقان والاستقلالية) و (2) الحاجة إلى أن يتم قبولها وتقديرها من قبل الآخرين (على سبيل المثال، المكانة والهيبة).
5- الاحتياجات المعرفية - المعرفة والفهم والفضول والاستكشاف والحاجة إلى المعنى والقدرة على التنبؤ.
6-الاحتياجات الجمالية - التقدير والبحث عن الجمال والتوازن والشكل ، إلخ.
7-احتياجات تحقيق الذات - تحقيق الإمكانات الشخصية ، وتحقيق الذات ، والسعي إلى النمو الشخصي وتجارب الذروة. الرغبة في "أن نصبح كل شيء يستطيع المرء أن يصير" (ماسلو، 1987 ، ص 64).
8- احتياجات التعالي (السمو) - يتم تحفيز الشخص من خلال قيم تتجاوز الذات الشخصية (على سبيل المثال ، التجارب الصوفية وتجارب معينة مع الطبيعة ، والتجارب الجمالية، والتجارب الحميمة ، وخدمة الآخرين ، والسعي وراء العلم ، والإيمان الديني ، وما إلى ذلك).
ما الثمن لما تعمل أو تنجز؟
وفقًا للسياق القرآني والرسولي العظيم أوضحناه، ووفقًا لما طور فيه "ماسلو" تفكيره ولا يختلف مع السياق السابق هو في نقطته الثالثة وصولًا الى السابعة والثامنة أساسًا حيث نجد الانتماء، والرضا الذاتي والإيمان والحب والصداقة في الله.
قال عليه السلام: "إن من عبًاد الله لأناسًا ما هم بأنبياء ولا شهداء، يغبطهم الأنبياء والشهداء يوم القيامة بمكانهم من الله تعالى". قالوا: يا رسول اللهِ، تخبرنا من هم، قال:"هم قوم تحابوا بروح الله على غير أرحام بينهم، ولا أموال يتعاطونها، فوالله إن وجوههم لنور، وإنهم على نور، لا يخافون إذا خاف الناس، ولا يحزنون إذا حزن الناس".
لا قيمة مادية هنا ولا مكسب استهلاكي ولا ثمن ولو بملايين الدنيا! ولا سلطة ولاهيلمان.
الحاجة للصداقة (والتقدير والثناء...) وللحب في الله، والعطاء المثمر، ومد يد العون أوخدمة الناس حاجة (والله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه) تحقق الشعور بالانتماء، وتظهر بالنمو الشخصي، والتعالي والاشتعال الصوفي أو الترابط وذلك بحبل وثيق نرغبه مع الوطن والذات الالهية، ما هو حقيقة الثمن الكبير.... على الأقل بالنسبة لي.
لعلي أكون أجبت على السؤال؟
هز رأسه بالرفض!