- ℃ 11 تركيا
- 15 نوفمبر 2024
بعد التوتر مع إسبانيا.. هل تسوء علاقة الجزائر بالاتحاد الأوروبي؟
بعد التوتر مع إسبانيا.. هل تسوء علاقة الجزائر بالاتحاد الأوروبي؟
- 27 يونيو 2022, 11:15:06 ص
- تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
نشر موقع «وورلد بوليتكس ريفيو» تقريرًا أعدَّته انتصار فاكر، المديرة المؤسسة لبرنامج شمال أفريقيا والساحل في معهد الشرق الأوسط، ناقشت فيه تداعيات قرار تعليق «معاهدة الصداقة وحُسن الجوار» الذي اتخذته الجزائر مؤخرًا على العلاقات بين الجزائر وإسبانيا، بل ربما الاتحاد الأوروبي قاطبة.
لماذا علَّقت الجزائر المعاهدة؟
تنوِّه الكاتبة في بداية تقريرها إلى أن الجزائر علَّقت «معاهدة الصداقة وحُسن الجوار» مع إسبانيا في 8 يونيو (حزيران)، ردًا على انحياز مدريد مؤخرًا إلى المغرب بشأن الصراع في إقليم الصحراء الغربية. ومع أن تعليق المعاهدة يستثني حتى الآن عقود تصدير الغاز، التي تُعد الجزائر أكبر مورِّديه لإسبانيا، إلا أن هذا الإجراء قد يُعرِّض علاقات الجزائر مع الاتحاد الأوروبي للخطر. ولكن في ظِل تغيير موقف مدريد، شعرت الجزائر بأنها مضطرة لاتخاذ إجراءات تهدف إلى إرسال رسالة إلى إسبانيا، حتى وإن كلفها ذلك كثيرًا.
وقد تبدو التوتَّرات بين البلدين مفاجأة للوهلة الأولى؛ إذ ينبغي أن تشعر الجزائر بالسعادة في ظِل الزيادة الأخيرة في أسعار الغاز العالمية التي تسبَّبت في تدفٌّق الأموال إلى خزائن البلاد وتعزيز قيمتها باعتبارها ثالث أكبر البلدان المُصدِّرَة للغاز إلى أوروبا.
غير أن هذا الأمر يُمثِّل النقطة المضيئة الوحيدة في سلسلة من التحديات التي تواجهها البلاد على الصعيدين المحلي والإقليمي، إذ تنبع التحديات المحلية الأخيرة من سلسلة الإنجازات التي حققها المغرب في ملف الأوضاع الجغرافية السياسية. وتتضمَّن هذه الإنجازات اعتراف إدارة الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب عام 2020 بسيادة المغرب على إقليم الصحراء الغربية، وسلسلة الغارات المزعومة التي نفذتها طائرات مغربية من دون طيار ضد جبهة البوليساريو، وهي الحركة الاستقلالية التي تعارض سيادة المغرب على إقليم الصحراء الغربية؛ إذ تسبَّبت هذه الغارات في سقوط ضحايا جزائريين، وعلاقة المغرب المزدهرة مع إسرائيل، التي تُعد أكبر مصدر من مصادر قلق الجزائر.
تحديات أمن الجزائر القومي
ووفقًا للتقرير، واجهت الجزائر صعوبات من أجل إيجاد استجابة مناسبة لكل هذه التحديات.
ومن المؤكد أن مخاوف السياسة الخارجية الجزائرية تتجاوز الصراع ضد المغرب لتتضمَّن منطقة الساحل غير المستقرة، والأزمة السياسية في ليبيا، وتوتُّر علاقاتها مع فرنسا، وتطوُّر علاقاتها مع روسيا، لا سيما بعد غزوها لأوكرانيا.
ومع ذلك لطالما نظرت قيادة البلاد إلى أمنها القومي على أنه مهدد من جانب المغرب ومتشابك مع الأمن في إقليم الصحراء الغربية. ونتيجة لذلك، ينُمُّ خطاب السياسة الخارجية الجزائرية عن انشغال البلاد بملف علاقاتها مع المغرب، الذي يبدو أنه يطغى على غيره من الأولويات.
وعلى الرغم من التفوُّق في الموارد والإمكانات التي تتمتع بها الجزائر موازنة بالمغرب، فإنها تجد نفسها مُعرَّضة لضغوط شديدة بسبب تطوُّر سياسة الرباط الخارجية والمسار الذي تسلكه هذه السياسة. ونتيجة لذلك، عرّضت الجزائر علاقاتها مع إسبانيا وربما مع الاتحاد الأوروبي للخطر، في محاولة لإحباط جهود المغرب الرامية إلى التأثير في مزيد من الشركاء الأوروبيين الأقرب إلى محاذاة موقف الرباط في قضية إقليم الصحراء الغربية.
وبعد مرور قرابة 47 عامًا على بداية الصراع في إقليم الصحراء الغربية وإجراء جولات لا نهاية لها من المفاوضات، من غير المُرجَّح أن تسوية هذا الصراع ستتم في أروقة منظمة الأمم المتحدة، التي تشرف على هذه العملية. وعلاوة على ذلك، انتهك المغرب وجبهة البوليساريو في نوفمبر (تشرين الثاني) 2020، اتفاق وقف إطلاق النار الذي توسطت فيه الأمم المتحدة وتراقبه منذ عام 1991.
وتخلَّت إسبانيا، باعتبارها القوة الاستعمارية السابقة لإقليم الصحراء الغربية، منذ أمد بعيد عن دورها في الصراع الإقليمي الذي بدأ الآن بادعاءات المغرب السيادة على الإقليم وسيطرتها الفعلية عليه، في مقابل مطالبة جبهة البوليساريو بالسيادة على الإقليم والجهود التي تبذلها لاستعادة السيطرة عليه.
وتحت رعاية المفاوضات التي تجريها الأمم المتحدة، يمارس المغرب ضغوطًا من أجل الاعتراف بخطة الحكم الذاتي للمنطقة، بينما تريد جبهة البوليساريو إجراء استفتاء موعود يُتاح فيه خيار التصويت على الاستقلال. ولكنَّ المغرب رفض، ولا يزال يرفض، أي تصويت من هذا النوع رفضًا قاطعًا منذ عام 2007.
العبء الأكبر
وبحسب التقرير تحمَّلت إسبانيا العبء الأكبر من الضغوط التي تمارسها الجزائر والمغرب حول هذه القضية، كما يعكس تعليق الجزائر لمعاهدة الصداقة وحُسن الجوار التي أبرمَت عام 2002، والتي تُشكِّل إطارًا للعلاقات الثنائية بين الجزائر ومدريد، التوتُّرات التي ازدادت حِدتها بين البلدين منذ مدة طويلة.
ومنذ إعلان إدارة ترامب اعترافها بالسيادة المغربية على الصحراء الغربية، يمارس المغرب ضغوطًا على شركائه الآخرين من أجل إظهار مزيد من الدعم الصريح لها في هذه القضية. وفي مارس (آذار)، أعربت إسبانيا عن دعمها للمغرب في هذا الملف، وأعلنت مدريد أن خطة الحكم الذاتي التي وضعها المغرب تُعد «طريقًا جادًّا وموثوقًا به» للخروج من هذا الصراع. وقبل هذا الإعلان أعربت مدريد عن دعمها للجهود التي تبذلها الأمم المتحدة.
وعلى الرغم من عدم تأثُّر إمدادات الغاز بهذه التطوُّرات حتى الآن، إلا أن تعليق المعاهدة يؤثر في معظم تجارة الجزائر مع إسبانيا وقد يؤثر أيضًا على السفر بين البلدين. ويبدو أن المؤسسة السياسية الجزائرية تدعم هذا القرار، على الرغم من تداعياته المحتملة. وقد تزداد هذه التداعيات بشدة إذا رأى الاتحاد الأوروبي أن هذا الإجراء ينتهك اتفاقية الشراكة التي تحكم التجارة بين الجزائر وبلدان الاتحاد الأوروبي قاطبة. ومن خلال المخاطرة بهذه العلاقة المهمة، تشير الجزائر إلى مدى نفاد خياراتها لمواجهة المغرب في قضية إقليم الصحراء الغربية.
ويؤكد التقرير أن الجزائر دعمت جبهة البوليساريو منذ ذروة الصراع في إقليم الصحراء الغربية في سبعينات وثمانينيات القرن الماضي لأسباب منها أن أيديولوجية الجبهة الثورية وتجربتها كانت متوافقة وأيديولوجية الجزائر وتجربتها. ولكنَّ الجبهة ساعدت أيضًا في احتواء المغرب من خلال إبقائه متورطًا في صراع إقليمي.
ويضرب موقف الجزائر بجذوره التاريخية في حرب الرمال التي اندلعت عام 1963، عندما غزت الرباط، مدفوعة بأيديولوجية «المغرب الكبير»، الجزائر بعد أقل من عام من استقلالها الذي نالته بشقِّ الأنفس عن فرنسا. وعلى الرغم من أن حرب الرمال لم تستمر سوى أقل من خمسة أشهر، إلا أنها ساعدت في تشكيل عقيدة الجيش والسياسة الخارجية الجزائرية، وأنذرت بعقود من العداء وانعدام الثقة وتوتُّر العلاقات مع المغرب اجتاحت البلاد بأكملها وشكَّلت حياة الملايين.
وأصبح دعم الجزائر لجبهة البوليساريو أساسًا لرواية المغرب التي تفيد بتعرُضها للظلم من جانب المؤسسة العسكرية والمدنية الجزائرية. ويرى المغرب أن دعم الجزائر لجبهة البوليساريو هو العامل الوحيد الذي يُبقي الجبهة على قيد الحياة باعتبارها مُمثِّلًا للشعب الصحراوي وطرفًا في الصراع.
جار انتهازي
وتشير الكاتبة إلى أن الجزائر ترى أن المغرب لا يزال جارًا انتهازيًا له مطامع توسُّعية تمثل تهديدًا دائمًا لأمنها القومي. وإذا نظرنا من هذا المنظور، سنجد أن التقدُّم المُحرز في العلاقات الثنائية الأخيرة بين المغرب وإسرائيل من الأمور المثيرة للقلق، لا سيما في ظِل احتمالية زيادة التعاون بين الرباط وتل أبيب في قضايا عسكرية وقضايا الأمن الإلكتروني، وقد يتضمن ذلك التعاون مبيعات الأسلحة.
كما تفيد بعض التقارير أن المغرب شنَّ عِدَّة هجمات على أهداف تابعة لجبهة البوليساريو باستخدام طائرات من دون طيَّار، وتسبَّبت إحدى هذه الهجمات في سقوط قتلى جزائريين. وقبل ذلك، أفادت مزاعم أخرى أن المغرب تورَّط في فضيحة تجسُّس استهدفت زعماء جزائريين وأوروبيين سهَّلها برنامج التجسُّس بيجاسوس التابع لشركة «إن إس أو (NSO)» الإسرائيلية. وتزيد كل هذه الإجراءات، إلى جانب ميل المؤسسة المغربية إلى نشر سياسة خارجية تتعلق بالمعاملات، المخاوف الجزائرية.
وخلاصة القول فإن كفَّة المغرب ترجح من الناحية الجيوسياسية. ومع أن اعتراف إدارة ترامب بسيادة المغرب الإقليمية على إقليم الصحراء الغربية، في مقابل توقيع الرباط على اتفاقات أبراهام، التي تُمثِّل قمة مجد الإنجازات التي أحرزتها الإدارة الأمريكية في الشرق الأوسط، لم يحسم هذه المسألة، إلا أنه شقَّ طريقًا لتقديم مزيد من الدعم الدولي للمغرب. ومنذ أن طبَّع المغرب علاقته مع إسرائيل، أصبحت هذه العلاقات الثنائية المزدهرة بين البلدين تنذر بتحوِّل في موازين القوى الإقليمية.
ويبدو أن الجزائر لم تجد إلا سُبلًا قليلة لمواجهة هذه التهديدات المتوقَّعة. فقطعت البلاد العلاقات الدبلوماسية المتوتِّرَة بالفعل مع المغرب في أغسطس (آب) الماضي؛ ما أسفر عن قطع الروابط التجارية القليلة المتبقية بين البلدين، بداية من الرحلات الجوية وصولًا إلى سريان الغاز عبر خط الأنابيب الذي يمد إسبانيا بالغاز عبر المغرب.
وتختم الكاتبة تقريرها بالإشارة إلى أنه لم يتضح بَعْد هدف الجزائر الذي تريد أن تحقِّقه على المدى البعيد. وبعد إرسال هذه الرسالة، يظل السؤال مطروحًا عن مدى استمرار الجزائر في تعريض مصالحها للخطر فيما يبدو عقابًا بالوكالة.
ولكن من غير المُرجَّح أن تتراجع إسبانيا عن إعلانها في مارس بشأن المقترح الذي قدَّمه المغرب حول الحكم الذاتي في إقليم الصحراء الغربية؛ لأن هذا الإجراء سيؤدي إلى حل الأزمة مع الجزائر فقط ليبدأ أزمة جديدة مع المغرب. ونظرًا لعدم توفُّر خيارات مناسبة، أوضحت الجزائر أنها لن تتردَّد في النظر في الخيارات المتطرفة، وهو ما يزيد من حالة عدم اليقين في مستقبل المنطقة.