بالمصري: مسيرة الأزهر الشريف (الحلقة الأولى)

profile
محمد الصبان كاتب صحفي
  • clock 22 أبريل 2021, 3:51:52 ص
  • eye 991
  • تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
Slide 01


من الأخطاء التأريخية اللي بنقع فيها إننا غالبا حسب ما جرت العادة بنربط تاريخ الأزهر بتاريخ المشيخة، وكأننا بنبدأ سيرة الأزهر فقط بعد ظهور منصب شيخ الأزهر بشكل رسمي، علماً بأن المنصب ده ظهر للوجود سنة 1679م، يعني بعد بناء الجامع وافتتاحه بأكتر من 700 سنة، والحقيقة إن منصب المشيخة ظهر كتطور طبيعي لرحلة طويلة قطعها الأزهر خلال 7 قرون.

وبالتالي عشان نفهم تاريخ الأزهر كويس أنا بفضل بشكل شخصي، بعد دراسة متعمقة وبحثية، تقسيم تاريخه لأربع مراحل رئيسية، هنقسم فيهم المرحلة الرابعة كمان ل 4 مراحل رئيسية:


  • المرحلة الفاطمية: بتبدأ مع افتتاح الأزهر سنة 972م حتى اغلاقه وحظر الصلاة فيه سنة 1174م. (200 سنة تقريبا)
  • مرحلة الاغلاق: بتبدأ من اعلان حظر الأزهر 1174م لغاية اعادة فتحه من جديد 1266م. (92 سنة تقريبا)
  • مرحلة القضاة (العمود والمشايخ): وامتدت من 1266م لغاية 1679م مع أول انتخاب لأول امام أكبر للأزهر الشيخ الخراشي رحمه الله. (400 سنة تقريبا)
  • مرحلة المشيخة: وامتدت من 1679م لغاية النهارده وهنقسمها ل 4 مراحل رئيسية:
    • المرحلة البدائية "محاولات انتزاع الاستقلال": وبدأت من 1679م لغاية 1911 م مع قرار تأسيس هيئة كبار العلماء. (250 سنة تقريبا)
    • مرحلة هيئة كبار العلماء: وامتدت من 1911م ل 1961م مع صدور قانون الغاء هيئة كبار العلماء وتأسيس مجمع البحوث الإسلامية كبديل. (50 سنة)
    • مرحلة مجمع البحوث "غياب الاستقلال": من 1961م وحتى 2012م.
    • مرحلة ما بعد ثورة يناير: من 2012 لغاية دلوقتي.

المرحلة الأولى:

وصل القائد جوهر الصقلي للجيزة وقرر عبور نهر النيل للفسطاط وأول ما وصل قرر وضع لبنة تأسيس العاصمة الجديدة، وأول مبنى قرر رسمه فيها هو الجامع.

وبدأت المرحلة الفاطمية في تاريخ الأزهر، اللي اتسمى الأزهر بمعنى «مذكر الزهراء»، فاطمة الزهراء رمز الدولة الفاطمية، ومع دخول المعز لدين الله القاهرة قرر تحويل الجامع لجامعة علمية كبرى.

الفترة دي دايما للأسف بتسقط من حسابتنا في تاريخ الأزهر، إما بسبب قلة المصادر أو تشويهها أو بسبب التعصب المذهبي الغريب في زماننا، والحقيقة إنها فترة مهمة جدا وتعتبر حجر أساس كل المسيرة الأزهرية المباركة ولب فهم جوهره.

مهم ندرك ان الفاطميين اتبعوا سياسة استراتيجية ذكية جدا وكانوا من ناحية التخطيط والتنظيم في منتهى البراعة، عشان كده نجحوا في تأسيس امبراطورية مترامية الاطراف لمدة قرنين من الزمان رغم إنهم على مذهب يعتبر اقلية وسط المسلمين. "شيعة وكمان اسماعليين".

كانت استراتيجيتهم "في الغالب" مبنية على الدعوة الناعمة، وعدم الاصطدام واتاحة الفرص لضمان الولاء من الجميع، وفهموا من البداية إن لو الأزهر تحول لجامعة طائفية بتقدم فقط علوم الشيعة الاسماعيلية هيفقد طبعا الهدف الحقيقي من تأسيسه بأنه يكون رمز خلافتهم اللي بتطمح لحكم العالم الإسلامي بكل مذاهبه.

وبالتالي كان الأزهر في الفترة دي ملمحه العام فلسفي، مع تنوع كبير في الدراسات المقدمة فيه، كان بيتم تدريس أصول الفلسفة بشكل رئيسي مع جميع المدارس الفلسفية الاسلامية السنية والشيعية والمعتزلية مع سيطرة الرؤية الإسماعيلية طبعا. 

ولجأ ليه عدد من رموز المعتزلة بسبب التضييق عليهم في بغداد زي الحسن بن الهيثم العالم المعروف على سبيل المثال، وكمان كان بيتم تدريس كل المذاهب الفقهية الثمانية فيه بشكل دوري، حتى بلغ الأمر في عهد الفائز بدين الله إن المذهب الشيعي الاثنا عشري سيطر على الأزهر في تحدي مباشر للسلطة، وبلغ إن الصالح طلائع الوزير الأول أعلن إنه اثناعشري المذهب عشان يضمن شعبيته وإنه مش اسماعيلي! طبعا اتعزل بعدها، كمان كان القاضي في بداية عهد المعز لدين الله هو الفقيه المالكي أبو الطاهر الذهلي البغدادي أحد أعلام المالكية واللي أقره المعز قاضيا يحكم بين الناس في رواق الأزهر. 

باختصار شديد هتكلم عن عائلة مهمة جدا في الفترة دي، وتعتبر أساس الأزهر في المرحلة الفاطمية، وهي أسرة الفقيه النعمان بن حيون، أو زي ما هو مشهور بأبو حنيفة النعمان التاني، أول قاضي قضاة وداعي دعاة في الأزهر، والحقيقة ان الفقيه ده يعتبر في رأيي من علامات تاريخ القضاء الإسلامي، وتجنب الكتير من المؤرخين وأساتذة الفقه المقارن للكلام عنه هو مجرد تعصب مذهبي في رأيي.

النعمان تم تكليفه بمهمة صعبة جدا من الخليفة، وهي وضع قانون شامل للدولة على أنه يكون قانون إسلامي شرعي وقادر على لم شمل جميع رعايا الدولة. والراجل ده يا جماعة عمل جهد عجيب جدا في تأسيس أول موسوعة قانونية مستمدة من كل المذاهب الإسلامية بلا استثناء بدون تحيز في التاريخ اسمها «دعائم الإسلام»، الرجوع ليها النهارده ممكن يكون مدخل رهيب للفقه المقارن الإسلامي. هو كان اسماعيلي المذهب طبعا وله شروحات كتير في مذهبه، لكنه أسس روح لسه موجودة لغاية النهارده في الأزهر وهي روح العلم الواسع اللي ما بيقفش عند أي حواجز مذهبية، وشئنا أم أبينا هتفضل اللبنة دي في الأزهر منسوبة ليه. وأكمل مسيرته من بعده ابناؤه لعشرات السنين «علي بن النعمان والحسين بن النعمان».

هتتميز الفترة دي كمان بصعود مهنة التدريس في القاهرة ورواجها، هنلاقي ان كل فقيه أو محدث أو فلكي أو رياضي أو فلسفي أو متخصص في أي علم، هيتوجه للأزهر عشان يسوق لنفسه وبأساليب مختلفة ويجذب طلاب العلم ليه. حاجة كده زي الكووركسبيس دلوقتي، وهيبدأ الأزهر يتحول لأول وأكبر ساحة دروس حرة في التاريخ، طبعا لما كان بييجي وقت درس داعي الدعاة الاسماعيلي كان بياخد الجامع كله لوحده، مرتين في الأسبوع، لأنه المذهب الرسمي للدولة ومحدش يقدر يتكلم.

وفضل الوضع كده أشبه بجامعة مفتوحة، الدولة ما بتتدخلش بشكل مباشر في مناهجها، وبتسمح لكل المتخصصين انهم يدرّسوا فيها إلا طبعا لو المنهج كان سياسي أو موال للعباسيين فصاحبه هيتشنير ويروح ورا الشمس.

حاول الحاكم بأمر الله إنه يخلي الجامع اللي بناه باسمه بديل للأزهر لكن بمجرد انتهاء عهده رجع الوضع زي ماكان لغاية نهاية العهد الفاطمي.

ملاحظة أخيرة مهمة: المبنى الفاطمي نفسه تقريبا مش متبقي منه النهارده غير بعض الحجارة لكن اللون الأبيض "لون الفاطميين" فضل مسيطر عليه في تجديد والمبنى الحالي أغلبه مملوكي زي ما هنشوف المراحل القادمة.


التعليقات (0)