- ℃ 11 تركيا
- 5 نوفمبر 2024
ا. د. محمد رمضان الاغا يكتب: صراط القيم ومعايرة البوصلة التاريخية
ا. د. محمد رمضان الاغا يكتب: صراط القيم ومعايرة البوصلة التاريخية
- 5 أكتوبر 2023, 6:52:14 م
- تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
ديباجة
ما زالت مفاهيمية القيم تمثل حالة متطورة ونامية مع الزمن، كنوع من الاعجاز بكل تجلياته المرصودة أو غير المرصودة، رغم تعدد الآراء في فلسفة الاعجاز، مشكلة التاريخ تكمن في أن صناعته عمليه مستمرة عبر القرون والاجيال أفقيا ورأسيا، ومن هنا فهو عرضة لهزات وزلازل مرتبطة بالاحداث الطبيعية والبشرية من أزمات وكوارث، حيث عقبها عادة، تسقط دول وامبراطوريات وحكومات، وتنشا على انقاضها أخرى جديدة، لتبدأ دورة أخرى بعصر اخر وبمسمى حقبي مختلف، حسب مؤرخي المرحلة وثقافتهم.
١. المنهج البنائي ضرورة للمؤرخ
التفاعلية والتشاركية والبنائية، هي منهجيات ثلاثة أساسية في إصلاح عملية تأسيس عقل الطفل/التلميذ/العالم وذلك اعتبارا من المراحل الاولى في التعلم والتعليم، ومن ثم تمهيد الطريق لمسار التاريخ المبني على القيم الإنسانية الأصلية، الفاعلة والحارسة لوميض اللحظة الفارقة في منحنيات أو منعطفات التاريخ، المتمثلة دائما في النصر أو الهزيمة معا، إذ أنهما مترافقتان، توأمان لا ينفصلان، زمانا ولا مكانا ولا حدثا أو احداثا، رغم توهمنا في في قراءاتنا الشكلية ذات القشرة الرقيقة والركيكة، أنها احداث معزولة أو منفصلة، فالعزل أو الفصل إنما هي مفاهيم تحتاج إلى مزيد من الفحص والتمحيص، وذلك لاستخلاص دروس عابرة أو عبر ماضية، حتى يأتي الله بامره، انه كان مفعولا، فالتفاعلية هنا إنما هي حاجة بشرية انسية مودعة في روح المخاليق، والتشاركية قد تسبقها أو تلحق بها، حسب الحالة والحلول، أما البنائية فهي غالبا مخرج من مخرجات التفاعلية والتشاركية منفردتين أو متضامنتين بنسب متفاوته، وفي ذلك معادلات تحتاج إلى تفصيلات.
٢. إشكالية مناعة المجتمع
تكمن الإشكالية التاريخية الكبرى في غياب/تغييب التعليم القيمي، القائم على التعلم القيمي المنبثق من ثقافة المجتمع، ذات الأصول العميقة المنطلقة من (اقرأ) وما قبلها من رسالات السماء، تحييد البعد القيمي عن مناهج التعلم/التعليم في مدارسنا وجامعاتنا ومعاهدنا، إنما يعود لحالة انحراف البوصلة التي ضبطت يوما في مكة رغم حالة العدوانية الشرسة، وكذا بالمدينة رغم ظاهرة النفاق التي بدأت في المدينة لضرورات يتطلبها المجتمع المدني يومها، للوصول إلى توازن علني وخفي معا، للحفاظ على مناعة المجتمع حينها.
٣. مقاصد تعطيل نصف العقل الكامن
الإشكالية العويصة التي واجهت نقاد التاريخ، هي الارسال خلال التعليم والتأريخ كان لفترات مهمة في اتجاه واحد، حتى أصبحت الادمغة تعمل بنصف طاقتها الكامنة(...)، أما النصف الآخر فقد تم تعطيله عن قصد أو غير قصد على مسارات سنن التاريخ، هذه السنن التي لا تتخلف ولا تحابي احدا بالمطلق، حتى في العهد النبوي، كانت الهجرة قسرية لتعمل هذه السنن بلا تحويل ولا تبديل ولا تمثيل، أما في غزوة أحد فقد ظهرت السنة التاريخية في كسر رباعية الرسول صلوات الله وسلامه عليه، وفي تحول النصر إلى هزيمة، وفي تحويل الهزيمة إلى انتصار بملاحقة العدو في حمراء الاسد بكامل الجيش والقوة والعتاد.
٤. صراط القيم معيار مراكمة الأطوار
أما الاشكالية الاكثر تعقيدا فهي غياب/تهميش مؤسسات صناعة الخبرة أو التخبير، كالجامعات والمعاهد والمدارس ومراكز البحث والفكر والتدوين والتحقيق والمراجعات، وغالبا ما يكون ذلك في الكليات والجزئيات معا، فصناعة الخبرة والتجربة والجودة والتجويد والتحسين والتثقيف والتقييم، إنما هي مهام ذات وزن كبير في تصويب البوصلة على صراط القيم أو أن شئت الصراط المستقيم، الحافظ للمعايير والمراكم للأطوار من اقوال وأفعال وحالات ومشاهد ومشاريع.
٥. الممارسات المجروحة والفاحصة المفحوصة
الخبرة ليست فقط في الممارسة، بل في النظرية اولا، واتقانها وفلسفتها ونمذجتها، وفي التنظير لها، ثم تأتي بعد ذلك الممارسة الصحيحة المتقنة، والممارسة الصحيحة هنا، ينبغي أن تكون في الاتجاه الصحيح، والاتجاه الصحيح تضبطه/تعتبره/تحكمه ومن ثم تديره وتقوده، القيم المنبثقة من مرجعيات موثوقة، ومرجعياتنا التاريخية إنما هي ذات مصدر سماوي، وتجربة إنسانية خاضعة للجرح والتعديل والفحص بل واستمرارية إجراء الفحوصات في مخابر العقول المتجددة، وتلك التي تقام في سبيل ترشيد وترشيق سير الحضارات والتعلم منها على مختلف مشاربها واطيافها الكونية المتعددة تنوعا وتشابها.
٦. معضلات الاغفال والغفلة
ومن معضلات صناعة او فهم أو تسيير قاطرة التاريخ، ضعف التركيز على المقدمات والأسباب والمسببات والنتائج وما يتخللها من عمليات واشتقاقات، سواء كان منها الرئيسي او الوسيط او الثانوي، خلال التفاعل والتشارك والبناء وذلك في دعم اساسيات ترسيخ منهجية التفكير والتفكر والتعلم، على اعتبار التحوط والإحاطة بالصورة الكبرى التي تفسح مجال المسح الزماني والمكاني والفرداني والجماعي والمجتمعي والاجتماعي، من كل نواحيه دون إغفال مقصود أو غفلة غير مقصودة.
٧. التحكم في مسامات التاريخ
ليس مهما في عملية تصنيع التاريخ في مصانعه او دور صناعته، في آفاق الحاضر والمستقبل، سواء المعلوم منها أو المجهول، ما هو كم المعلومات الذي يتم ضخه في مسامات التاريخ المتسعة تدريجيا كسمت عام محكوم بقوانين التاريخ السننية، الأهم هنا هو، جودة الأداء، وجودة العملية وجودة الفكرة وجودة المنتج وجودة الأثر، وأثر الأثر في النهاية طبعا، وذلك بقدرته على الصمود في عقل المتعلم، والمعلم، والعالم، وسريانه في المجتمع لصناعة النخبة، ومن ثم صناعة الثقافة، فتصحيح البوصلة من جديد، متمثلا ذلك، دنيويا واخرويا، (سنكتب ما قدموا وآثارهم)، وقدرة المسامات هنا على تخزين مكونات التاريخ وهياكله، إنما تعتمد على علاقة المسامات ببعضها، أو أو عزلتها أو تواصلها، وكذلك هندستها ورياضياتها.
حكامة الأمر
صنعة التاريخ أمانة تستمد شرعيتها من قول القرآن (انا عرضنا الأمانة)، ومن هنا كانت القيم اساسا للمعايير، وفي منهج القرآن التأريخي دروس ذات قيمة عليا، تحتاج إلى مزيد من الفحص العميق، والتعلم منها في كتابة التاريخ ومراجعاته، واستخلاص عبره وعظاته.