- ℃ 11 تركيا
- 5 نوفمبر 2024
المنافسة على الشرق الأوسط.. عصا أمريكا الأمنية لا تضاهي جزرة الصين الاقتصادية
المنافسة على الشرق الأوسط.. عصا أمريكا الأمنية لا تضاهي جزرة الصين الاقتصادية
- 11 يناير 2023, 6:39:34 م
- تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
هل تؤشر زيارة الرئيس الصيني "شي جين بينج" الأخيرة للسعودية إلى تغير نوعي بموازين الشرق الأوسط والمنافسة عليه عالميا؟ سؤال تناول إجابته الزميل في منتدى المحيط الهادئ "أخيل راميش" في ضوء تصاعد العلاقات العربية مع الصين وتراجع نظيرتها مع الولايات المتحدة الأمريكية.
وذكر "راميش"، في مقال نشره موقع "ذا هيل"، القريب من الكونجرس الأمريكي أن زيارة الرئيس الصيني الأخيرة إلى السعودية جاءت بعدما وصلت العلاقات بين واشنطن والرياض إلى أدنى مستوياتها منذ مقتل الصحفي في "واشنطن بوست"، "جمال خاشقجي"، حيث أعربت إدارة الرئيس الأمريكي "جو بايدن" علنًا عن استيائها من السعودية، سواء بشأن مقتل "خاشقجي" أو بشأن دعم المملكة خفض تكتل "أوبك+" لإنتاج النفط.
ويعود الاستياء الأمريكي إلى تقدير مفاده أن السياسة السعودية تتماشى مع روسيا أكثر من الولايات المتحدة، ما يعني تقويضا للعقوبات الغربية المفروضة على موسكو.
وقدم ذلك مؤشرا على تصدعات في ما كان يعتبر أكثر شراكة غير قابلة للتحدي في الولايات المتحدة، وهي العلاقة مع السعودية، خاصة أن المملكة أبدت اهتمامًا بالانضمام إلى مجموعة بريكس الاقتصادية، التي تضم البرازيل وروسيا والهند والصين وجنوب أفريقيا، في وقت سابق من العام الماضي.
ونتيجة للصراع بين روسيا وأوكرانيا، والاضطراب الاقتصادي اللاحق، وجدت فكرة تشكل نظام عالمي متعدد الأقطاب انبعاثًا جديدًا، في ظل سعي الدول، وخاصة في الجنوب العالمي، إلى إقامة تحالفات اقتصادية.
وفي السياق، ناقشت اجتماعات بريكس الأخيرة، إضافة إلى قضايا الطاقة والأمن الغذائي، بدائل التجارة بالدولار الأمريكي وزيادة احتياطيات السلع.
وهنا يشير "راميش" إلى أن القمتين: الصينية العربية، والصينية الخليجية تطرقتا إلى الموضوعات ذاتها، حيث سعت الصين بوضوح للترويج لعملتها وتأمين الأسواق والاستثمارات لشركاتها.
وحث الرئيس "شي جين بينج" نظراءه الخليجيين على الاستفادة من بورصة شنجهاي للبترول والغاز لإجراء مبيعات النفط والغاز، متحديا بشكل أساسي هيمنة الدولار البترولي، بينما تواصل إدارة "بايدن" سياسة الاهتمام بالداخل الأمريكي وتقليل الانخراط في شؤون الشرق الأوسط، وهي السياسية التي تبنتها إدارة الرئيس الأمريكي السابق "دونالد ترامب".
وفي ضوء هذا التطور، قد يفكر شركاء الولايات المتحدة في الشرق الأوسط بترتيبات اقتصادية بديلة، على أن تتركز علاقاتهم بالولايات المتحدة على المجال الأمني، "لأن علاقاتهم مع واشنطن لم تكن ترتكز بالكامل على قيم الديمقراطية وقواعد النظام الدولي"، بل على المصلحة، حسبما يرى "راميش".
لكن هذا النطاق المحدود للعلاقات لا يفيد دولًا مثل السعودية، ذات الخطط الطموحة للتنويع الاقتصادي، حيث تتطلب رؤيتها الاستراتيجية لعام 2030 استثمارات جديدة بالمليارات، وهو ما توفره الصين.
وفي هذا الإطار، وقعت السعودية والصين اتفاقيات تغطي مجموعة من الصناعات في مجالات الطاقة الخضراء، والهيدروجين الأخضر، والطاقة الكهروضوئية، وتكنولوجيا المعلومات، والخدمات السحابية، والنقل، والخدمات اللوجستية، والصناعات الطبية، والإسكان.
كما وقعت الحكومة السعودية مذكرة تفاهم مع شركة "هواوي"، عملاق التكنولوجيا الصينية، المصنفة ضمن قائمة العقوبات الأمريكية.
وعزز من العلاقات الاقتصادية السعودية الصينية تأكيد القمة التي جمعت "شي جين بينج" و"محمد بن سلمان" على "عدم تدخل الدولتين في الشؤون الداخلية لأي منهما"، وهو ما يمثل ضربة غير مباشرة للسياسات الأمريكية.
فقد كان تعزيز حقوق الإنسان والديمقراطية أحد الركائز الأساسية للسياسة الخارجية الأمريكية، ولكن من المفارقات، على مر السنين، أن أمريكا عززت شراكات مع دول مناقضة لتلك القيم، وعلى رأسها السعودية.
وهنا يعلق "راميش" قائلا: "الطيور على أشكالها تقع"، مشيرا إلى أن قيم مثل "عدم التدخل في القضايا المحلية، بما في ذلك انتهاكات حقوق الإنسان"، تجعل الصين والسعودية شريكين طبيعيين، في حين تتبنى الولايات المتحدة تتبنى نموذج "نحن مقابل هم"، وهو نموذج محصلته في فن إدارة الحكم "صفر" حسبما يرى الزميل بمنتدى المحيط الهادئ.
وعن إمكانية ضغط الولايات المتحدة على السعودية ومثيلاتها من الدول عبر استغلال نفوذها بمجال التسليح، يشير "راميش" إلى إظهار الصين قدرتها على جلب دول غير متشابهة التوجه، مثل إيران والسعودية، إلى مسار أهدافها الاقتصادية.
وهنا يلفت الزميل بمنتدى المحيط الهادئ إلى أن تركيز الصين على العلاقات الاقتصادية دون السياسية يجعلها قادرة على تحقيق توازن في علاقاتها مع كافة دول الشرق الأوسط، مستدلا بمبادرة الحزام والطريق، التي مكنت الصين من الاستثمار والتجارة مع إيران والسعودية وإسرائيل.
ووصف "محمد سليمان"، مدير برنامج التقنيات الاستراتيجية والأمن السيبراني في معهد الشرق الأوسط، هذه الاستراتيجية بأنها تمثل "الحفاظ على صداقات مع القوى الإقليمية المتنافسة، وهذه القوى - الدول العربية وإسرائيل وإيران - عدلت توقعاتها وفقًا لذلك".
وتبدو هذه الاستراتيجية، في ظل عالم ممزق سياسيا، فعالة أكثر من النهج الأمريكي القائم على ثنائية "نحن في مقابل هم" و"الديمقراطية مقابل الأوتوقراطية".
ولذا يرى "راميش" أن مواصلة الولايات المتحدة الضغط على حلفائها، في عام 2023، دون تقديم عرض ذي قيمة اقتصادية قوية، سيفضي إلى تفوق الجزرة الصينية على العصا الأمريكية.