تكبير الخط تصغير الخط

رفعت الصين، يوم الجمعة، الرسوم الجمركية على الواردات الأمريكية إلى 125%، ردًا على قرار الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بزيادة التعريفات الجمركية على السلع الصينية إلى 145%. وفي بيان شديد اللهجة، وصفت بكين استراتيجية ترامب التجارية بأنها "مزحة"، معتبرة أن هذه الخطوة تتعارض مع المبادئ الاقتصادية الأساسية والقواعد التجارية الدولية.

عقب الإعلان عن هذه الخطوة، شهد اليوان الصيني انخفاضًا حادًا إلى أدنى مستوياته منذ الأزمة المالية العالمية، قبل أن يتعافى بشكل طفيف يوم الجمعة. ووفقًا لوزارة المالية الصينية، فإن فرض الولايات المتحدة لهذه الرسوم المرتفعة "يمثل انتهاكًا خطيرًا للقواعد التجارية الدولية"، واصفة إياها بأنها "عمل من أعمال التنمر الأحادي والابتزاز الاقتصادي".

التداعيات المحتملة على التجارة العالمية

يرى المحللون أن هذه الزيادات المتبادلة في الرسوم الجمركية قد تجعل التجارة بين أكبر اقتصادين في العالم شبه مستحيلة. إذ أن أي تعريفات تتجاوز 35% من شأنها أن تقضي على هوامش أرباح المصدرين الصينيين، كما تجعل المنتجات الأمريكية في السوق الصينية باهظة الثمن.

وأكدت بكين أن هذه ستكون آخر مرة ترد فيها بنفس الأسلوب، مشيرة إلى أنه إذا قررت واشنطن زيادة الرسوم مرة أخرى، فلن يكون لذلك أي معنى اقتصادي. وقالت وزارة المالية الصينية: "إذا واصلت الولايات المتحدة هذا النهج، فإن ذلك لن يكون سوى نكتة في تاريخ الاقتصاد العالمي"، لكنها تركت الباب مفتوحًا أمام أشكال أخرى من الرد.

إجراءات جديدة من الصين

ضمن إجراءاتها الانتقامية، أعلنت بكين، يوم الخميس، أنها ستفرض قيودًا فورية على استيراد الأفلام الهوليوودية ردًا على الزيادات الجمركية الأمريكية. كما أصدرت الصين تحذيرات سفر لمواطنيها الراغبين في زيارة الولايات المتحدة، خاصة ولاية أوهايو، إضافة إلى تحذير للطلاب الصينيين الذين يفكرون في الدراسة هناك.

وفقًا لمحللي UBS، فإن إعلان الصين عن عدم الرد بالمثل على أي زيادات جمركية أمريكية جديدة يعكس حقيقة أن التجارة بين البلدين أصبحت شبه متوقفة بالكامل. فحاليًا، تفرض كل من الولايات المتحدة والصين رسومًا جمركية على جميع الواردات المتبادلة، حيث رفعت الصين نسبة السلع الخاضعة للضرائب إلى 100% بعد أن كانت 63% في أبريل، بينما وسعت واشنطن نطاق تعريفاتها الجمركية إلى 67% منذ فبراير.

تحالفات الصين في مواجهة الضغوط الأمريكية

تسعى الصين الآن إلى تعزيز تحالفاتها التجارية لمواجهة الضغوط الأمريكية. وخلال لقائه مع رئيس الوزراء الإسباني بيدرو سانشيز في بكين، أكد الرئيس الصيني شي جين بينغ على أهمية التعاون بين الصين والاتحاد الأوروبي لمواجهة السياسات التجارية الأحادية. كما يستعد شي للقيام بجولة تشمل ثلاث دول في جنوب شرق آسيا، لتعزيز العلاقات التجارية مع الدول المجاورة.

في السياق ذاته، يسعى وزير التجارة الصيني وانغ وينتاو إلى تعزيز العلاقات مع الاتحاد الأوروبي وماليزيا، التي تترأس رابطة دول جنوب شرق آسيا (آسيان) هذا العام، بالإضافة إلى التواصل مع السعودية وجنوب أفريقيا ضمن جهود التقارب مع دول الخليج ومجموعة العشرين و"بريكس".

هل تقترب الصين وأوروبا من تسوية خلافاتهما التجارية؟

اتفقت الصين والاتحاد الأوروبي على استئناف المحادثات حول تخفيف النزاعات التجارية، والبدء الفوري في مفاوضات حول التزامات تسعير السيارات الكهربائية. وتشير هذه الخطوة إلى احتمال التوصل إلى هدنة في الخلافات التجارية المستمرة منذ سنوات بين الجانبين.

موقف الصين من التفاوض مع واشنطن

على الرغم من التصعيد، أكدت وزارة التجارة الصينية أن الصين ما زالت منفتحة على المفاوضات مع الولايات المتحدة، لكنها شددت على أن "التهديد والضغط ليسا الوسيلة الصحيحة للتعامل مع الصين".

مع تصاعد التوترات التجارية بين واشنطن وبكين، يبدو أن العلاقات الاقتصادية بين البلدين دخلت مرحلة جديدة من الجمود، في ظل بحث الصين عن تحالفات بديلة لتقليل الاعتماد على السوق الأمريكية. ويبقى السؤال مفتوحًا: هل ستؤدي هذه المواجهة إلى إعادة تشكيل النظام التجاري العالمي، أم أنها ستنتهي بتسوية في المستقبل القريب؟