- ℃ 11 تركيا
- 25 ديسمبر 2024
الصفقة الضرورية: ما احتمالات تطبيع العلاقات بين أرمينيا وأذربيجان؟
الصفقة الضرورية: ما احتمالات تطبيع العلاقات بين أرمينيا وأذربيجان؟
- 2 مايو 2023, 4:20:03 م
- تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
أعلنت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الأرمينية “أني باداليان”، في بيان لها يوم 29 أبريل 2023، اعتزام أرمينيا وأذربيجان عقد جولة جديدة من المحادثات في واشنطن يوم 30 أبريل 2023؛ لمحاولة تطبيع العلاقات. وتعكس هذه الجولة تحولات الصراع بين أرمينيا وأذربيجان خلال السنوات الأخيرة؛ حيث نجحت القوات الأذرية خلال نهاية عام 2020 في استعادة جزء كبير من سيطرتها على منطقة “ناجورنو–كاراباخ” المتنازَع عليها مع أرمينيا منذ عام 1993؛ وذلك عقب حرب ممتدة قامت حول هذه المنطقة بين باكو ويريفان منذ عام 1988.
وعلى الرغم من ممارسة أذربيجان سيادتها وسيطرتها الفعلية على منطقة “ناجورنو–كاراباخ”، بما في ذلك مدينة “شوشا” ذات المكانة الرمزية في التاريخ الأذري، وممر “لاتشين” الذي يربط بين أرمينيا و”ناجورنو–كاراباخ” منذ نوفمبر من عام 2020، فإن المناوشات الحدودية بين الجيشين الأذري والأرميني استمرت خلال الأعوام اللاحقة، وهو ما دفع عدداً من الأطراف الدولية إلى محاولة التدخل وإنهاء الصراع كلياً. وقد سنحت الفرصة لواشنطن للعب هذا الدور بصورة أكثر فاعليةً، خاصةً مع انشغال روسيا – وهي من أهم الوسطاء بين أرمينيا وأذربيجان خلال فترات الصراع السابقة – بحربها في أوكرانيا، ووجود مصلحة تركية في إنهاء هذا الصراع الطويل الأمد بين باكو ويريفان؛ للتفرغ لمشاريع ربط الطاقة بين البلدين، والعمل على اكتمال السيطرة الكلية لأذربيجان على منطقة “ناجورنو–كاراباخ”. وفي هذا السياق، برزت على الساحة المحلية في أرمينيا وأذربيجان مؤشرات تدفع نحو اقتراب التوصل إلى اتفاق سلام نهائي يجمع الدولتين، خاصةً مع رعاية أمريكا في الوقت الحالي محادثات السلام القائمة فيما بينهما.
مؤشرات الانفراجة
على الرغم من تجدد الاشتباكات العسكرية بين أذربيجان وأرمينيا بالقرب من إقليم “ناجورنو–كاراباخ”، فإن بروز بعض المتغيرات على الأرض، يدفع نحو توقع اقتراب حل الأزمة نهائياً، وتسليم أرمينيا بتبعية الإقليم إلى أذربيجان، في مقابل تطبيع العلاقات الدبلوماسية فيما بين الدولتين، وإحلال السلام. وجاءت أبرز مؤشرات الانفراج بين الطرفين على النحو التالي:
1– قبول أرمينيا تعزيز باكو سيادتها على “ناجورنو–كاراباخ”: سرعت أذربيجان من تحركاتها الرامية إلى تعزيز سيطرتها على إقليم “ناجورنو–كاراباخ”؛ ففي أواخر عام 2022، أغلقت باكو ممر “لاتشين”، وهو الطريق البري الوحيد الذي يربط الإقليم بأرمينيا. وعلى الرغم من بروز عدد من الدعوات الدولية لباكو إلى العدول عن هذا القرار الذي أضر آلاف المواطنين الأرمن المقيمين في الإقليم، لم تُنْهِ باكو هذا القرار، كما لم تبادر أرمينيا بتغيير الوضع على أرض الواقع باستخدام الأداة العسكرية بصورة موسعة.
وفي أبريل من عام 2023، أوردت عدد من التقارير الصحفية، قيام الجيش الأذري بإقامة نقطة تفتيش عسكرية عبر هذا الممر، ومعاملة الممر باعتباره معبراً حدودياً يخضع لسيطرتها الكاملة. وبجانب الخطوات الأمنية والعسكرية، عززت باكو تحركاتها الرامية إلى تقوية ارتباط الإقليم اقتصادياً بالبر الأذري الرئيسي؛ فقد أعلنت عن إعادة العمل على إقامة “خط زنجزور”، الذي يصل فيما بين أذربيجان وإقليم نخجوان والأراضي التركية، كما أعلن رئيس وزراء أذربيجان “علي أسادوف” الانتهاء من أعمال بناء خط سكة حديدية “Horadiz–Aghbend” بنسبة 38%، والانتهاء بنسبة 74% من إقامة الطريق السريع الذي يربط الإقليم بأذربيجان، ويحمل اسم “Horadiz–Jabrayil–Zangilan–Aghbend”. وأكد “أسادوف” أيضاً أن حكومته ستحرص على الانتهاء كلياً من المشروعين بحلول عام 2024.
2– تراجع الضغوط الروسية على الطرفين للالتزام بوقف إطلاق النار: تبنت روسيا في ديسمبر من عام 2020، اتفاقاً لوقف إطلاق النار بين أذربيجان وأرمينيا؛ وذلك عقب تجدد الاشتباكات العسكرية بين الطرفين خلال يوليو وسبتمبر من العام ذاته. وقد نص اتفاق وقف إطلاق النار على نشر قوات حفظ سلام روسية في “ناجورنو –كاراباخ”، بجانب حرس الحدود التابع للدولتين الذي تمتع بدوره بمجموعة من الصلاحيات الهامة، بما في ذلك التحكم في حركة المرور القائمة عبر ممر “لاتشين” الذي يربط بين أرمينيا وإقليم “ناجورنو–كاراباخ”.
وبالرغم من ذلك أشرفت القوات الأذرية في نوفمبر 2022 على حركة المرور، وأقامت حواجز حدودية عبر الممر، وصولاً إلى إقامة نقطة تفتيش رسمية تابعة للجيش الأذري على طول هذا المعبر، وهو ما يعني نقل السيطرة الكاملة على ممر “لاتشين” من يد القوات الروسية إلى نظرائهم الأذريين. وعلى الرغم من خرق باكو، عبر هذه التحركات، اتفاق وقف إطلاق النار الروسي، ومبادرة السلام التي رعتها موسكو، فإن القوات الروسية لم تتخذ أي تحركات معادية أو رافضة للوجود العسكري الأذري في المنطقة.
3– تلويح رئيس الوزراء الأرميني بصعوبة السيطرة على الإقليم: خلال خطاب ألقاه رئيس الوزراء الأرميني “باشينيان” في 17 أبريل 2023 أمام البرلمان الأرميني، أكد أن يريفان لا يمكن أن تحقق السلام إلا باقتصار طموحاتها التوسعية على حدود جمهورية أرمينيا الاشتراكية السوفييتية السابقة، وهو ما يعد بمنزلة إشارة مباشرة إلى قبول أرمينيا التخلي عن طموحاتها التوسعية في “ناجورنو–كاراباخ”، وعن رغبة حكومته في إنهاء الاعتماد على الأداة العسكرية لإنهاء الصراع الممتد الطويل الأمد مع أذربيجان حول المنطقة.
كما أكد “باشينيان” خلال الخطاب أن أرمينيا تعترف بوحدة أراضي أذربيجان منذ عام 2007، وأن موقفها الحالي ليس بالجديد، وقد تمسك بتصريحاته على الرغم من تعرضه لموجة من الانتقادات من جميع الأطراف السياسية القائمة في البلاد، ووصفه بالخيانة. وبدورها أصدرت المجموعات البرلمانية الخمسة الممثلة لإقليم “ناجورنو–كاراباخ” في البرلمان الأرميني، بياناً مشتركاً وصف تصريحات رئيس الوزراء بـ”غير مقبولة”، كما حذَّرت من أن سقوط الإقليم في يد باكو، قد يهدد مستقبل أرمينيا بالكامل.
4– انفتاح كل من باكو ويريفان على محادثات السلام: دخلت الحكومتان الأرمينية والأذربيجانية في محادثات متنوعة خلال الشهور الماضية، كما تم تبادل العديد من المقترحات بين الدولتين، بهدف التوصل إلى اتفاق سلام نهائي بينهما. وتطالب أذربيجان الحكومة الأرمينية بالتخلي كلياً عن أي مطالب لها في إقليم “ناجورنو–كاراباخ”، مع الاعتراف بالسيادة الأذرية التامة على الإقليم.
كما تسعى باكو إلى فتح طرق جديدة للاتصالات والنقل، بما في ذلك الحصول على موافقة يريفان على إقامة “خط زنجزور” الذي من شأنه أن يعيد اتصال أذربيجان بإقليم نخجوان المعزول عن باقي الأراضي الأذرية بواسطة الأراضي الأرمينية، فتُعيد اتصالها المباشر بالأراضي التركية. وبدورها تصر الحكومة الأرمينية على ضمان أذربيجان حقوق الأرمن المقيمين في إقليم “ناجورنو–كاراباخ”، خاصةً الحقوق الثقافية واللغة الأرمينية، وسهولة تنقل الأفراد المقيمين في المنطقة عبر الحدود، لكنها لم تعد تتحدث عن مساندتها حق تقرير مصير الإقليم.
المواقف الدولية
على الرغم من تصاعد حدة الاضطرابات السياسية، ووصول عدد من الأزمات الكامنة في عدد من الأقاليم الدولية إلى نقطة الانفجار خلال عام 2022 حتى الوقت الحالي، فإن الوضع على الجبهة الأذرية–الأرمينية يبدو في طريقه للحل والتسوية التامة. ويمكن إرجاع هذا التطور إلى عاملين؛ يتمثل أولهما في تصاعد القوة الأذرية خلال السنوات الماضية، خاصةً في النطاق العسكري، وتفوقها بصورة ملحوظة على القوة الأرمينية بالمقارنة بفترتي الثمانينيات والتسعينيات. أما العامل الثاني فيتمثل في الموقف الدولي من الأزمة؛ فهناك شبه إجماع بين الأطراف الدولية والإقليمية المنخرطة في الصراع على ضرورة حل القضية نهائياً. ويتمثل الموقف الدولي من الصراع بين أرمينيا وأذربيجان في النقاط التالية:
1– الإحجام الغربي عن فرض عقوبات على أذربيجان: على الرغم من احتجاج الحكومة الأمريكية، وعدد من الدول الأوروبية على إقدام أذربيجان بغلق ممر “لاتشين”، فإن هذه الدول أحجمت، في مجملها، عن اتخاذ أي خطوات تصعيدية ضد باكو. وقد اتصل وزير الخارجية “أنتوني بلينكن” هاتفياً برئيس الوزراء الأذري “علي أسادوف”؛ لحثه على إعادة فتح ممر “لاتشين” على الفور أمام حركة المرور التجارية. وعلى الرغم من ذلك، لم تلجأ واشنطن إلى استخدام سلاح العقوبات الاقتصادية ضد أذربيجان.
ومع ارتفاع أسعار الطاقة على خلفية الحرب الروسية في أوكرانيا، فإن الدول الغربية لديها تحفظات كبيرة على فرض عقوبات على أذربيجان التي تعد من أبرز مصدري الطاقة إلى الدول الأوروبية في الوقت الحالي؛ ففي يوليو من عام 2022، قامت رئيسة المفوضية الأوروبية “أورسولا فون دير لاين” بزيارة باكو؛ للتوقيع على اتفاق مع الحكومة الأذرية لمضاعفة شحنات الغاز السنوية إلى الاتحاد الأوروبي بحلول عام 2027.
2– رعاية واشنطن محادثات السلام بين الطرفين: أعلنت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الأرمينية “أني باداليان”، عن استضافة العاصمة الأمريكية واشنطن محادثات سلام تجمع الطرفين. وقالت “باداليان” في منشور عبر صفحتها الرسمية على “فيسبوك” إنه “اعتباراً من 30 أبريل 2023، سيوجَد وزير خارجية أرمينيا (أرارات ميرزويان) في واشنطن، في زيارة عمل رسمية، تتضمن مشاركة أرمينيا في محادثات للسلام مع أذربيجان”، كما أكدت أن الجولة المقبلة من المناقشات بشأن اتفاقية تطبيع العلاقات بين أرمينيا وأذربيجان قد تم جدولتها بالفعل.
3– امتناع روسيا عن تقديم المساعدة العسكرية لأرمينيا: على الرغم من تجدد الاشتباكات العسكرية على الحدود الأرمينية الأذرية – بين الحين والآخر – وخرق باكو بصورة أساسية بنود اتفاق وقف إطلاق النار الذي رعته موسكو في 2020؛ امتنعت روسيا بصورة شبه كلية عن اتخاذ أي خطوات تصعيدية تجاه أذربيجان، ولم تُظهِر أي رغبة في تقديم الدعم العسكري لأرمينيا. وأكدت عدد من المصادر الصحفية الغربية رفض موسكو طلباً أرمينياً سابقاً بزيادة عدد قوات حفظ السلام الروسية القائمة على إدارة عملية وقف إطلاق النار في إقليم “ناجورنو–كاراباخ”. امتناع روسيا أيضاً عن عرقلة جهود الوساطة الأمريكية، وتجاهلها المحادثات القائمة في واشنطن بين القيادة الأرمينية–الأذرية يُظهِر – بصورة أو بأخرى – موافقة موسكو على حل الصراع بين البلدين، حتى إن كان هذا يعني تخلي أرمينيا بالكامل عن إقليم “ناجورنو–كاراباخ”.
4– تزايد الضغط التركي على أرمينيا: لا تمتلك تركيا علاقات دبلوماسية مع أرمينيا منذ تسعينيات القرن المنصرم. ويعود هذا الأمر – في جزء كبير منه – إلى الصراع المحتدم بين باكو ويريفان حول إقليم “ناجورنو–كاراباخ”. وبالرغم من ذلك، أقدمت السلطات الأرمينية على تبني عدد من الخطوات تُظهِر حسن النوايا تجاه الدولة التركية عقب الزلزال المدمر الذي ضرب جنوب تركيا في شهر فبراير لعام 2023؛ حيث فتحت يريفان حدودها المشتركة مع الأراضي التركية، لتسمح بعبور المساعدات الإنسانية القادمة من عدد من الآسيوية.
وفي وقت سابق، منحت السلطات التركيا الأذن لشركة الطيران الأرمينية “FlyOne” بتشغيل رحلات إلى أوروبا عبر المجال الجوي التركي. وبالرغم من ذلك، أعلنت السلطات الأرمينية عن إلغاء تركيا هذا الأذن في أواخر شهر فبراير بصورة منفردة، وهو ما اعتبره البعض محاولة من أنقرة للضغط على يريفان، في ضوء تجدد الاشتباكات العسكرية بين أذربيجان وأرمينيا. من ناحية أخرى، تسعى تركيا للوصول إلى تسوية نهائية للصراع في إقليم “ناجورنو–كاراباخ” في ضوء تعويلها على تعزيز شراكتها الاقتصادية في مجال نقل وتصدير الطاقة بالتعاون مع أذربيجان، ناهيك عن حاجة الرئيس “أردوغان” إلى الترويج لهذا النصر السياسي في الداخل التركي، مع اقتراب انعقاد الانتخابات التركية الرئاسية، التي ينظر إليها البعض باعتبارها الأصعب في تاريخه السياسي.
وفي حالة الإعلان عن تطبيع العلاقات ونجاح جهود الوساطة الأمريكية، فإن أذربيجان ستعزز موقعها باعتبارها مركزاً هاماً لتصدير الطاقة إلى أوروبا، كما سيتمسك الرئيس التركي بالترويج لهذه الانفراجة باعتبارها نصراً خالصاً للسياسة التركية. بينما يمكن أن يعزز النصر الأذري على أرمينيا المخاوف الإيرانية تجاه أذربيجان، وقد يدفع إلى مزيد من التوتر عبر الحدود القائمة بين البلدين.
خلاصة القول أن السياق الدولي الراهن، وحسابات طرفي الصراع، يعززان فرص التسوية بين أرمينيا وأذربيجان؛ إذ يبدو أن أرمينيا باتت أكثر اقتناعاً بضرورة التخلي عن إقليم “ناجورنو–كاراباخ”، وخاصةً أنها تدرك صعوبة الحصول على الدعم العسكري من جانب موسكو المنشغلة حالياً بحربها في أوكرانيا، كما أن الدول الغربية حريصة على الحفاظ على علاقات جيدة مع أذربيجان لأنها أصبحت تمثل مركزاً مهماً لتصدير الطاقة إلى أوروبا، في ظل مساعي الأخيرة إلى تنويع مصادر الطاقة بعيداً عن روسيا.