- ℃ 11 تركيا
- 25 ديسمبر 2024
الصراع على السلطة بين البرهان وحميدتي... كواليس الأيام التي سبقت الاقتتال
الصراع على السلطة بين البرهان وحميدتي... كواليس الأيام التي سبقت الاقتتال
- 29 أبريل 2023, 12:32:03 ص
- 527
- تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
دفعت مجموعة من الوسطاء باتجاه إجراء محادثات في اللحظات الأخيرة بين القائد العام للجيش السوداني، الفريق أول عبد الفتاح البرهان، وقائد قوات "الدعم السريع" شبه العسكرية، محمد حمدان دقلو قبل أسبوعين، خشية من أن تتسبب عمليات الحشد التي قام بها الفصيلان العسكريان الغريمان في السودان، في سفك الدماء.
وكشف تقرير لوكالة "رويترز"، الجمعة، لأول مرة عن تفاصيل هذه المحاولات التي أفشلها البرهان ودقلو المعروف بـ"حميدتي"، ليزجا البلاد في حرب على السلطة أودت بحياة مئات المدنيين، بعدما كانا حليفَين منذ انقلاب 2021 الذي أطاحا خلاله بالمدنيين من الحكم.
وقال ثلاثة من الوسطاء السودانيين إن أقوى رجلين في البلاد لم يشاركا في الاجتماع الذي انعقد في مقر الرئاسة بوسط الخرطوم في الساعة العاشرة من صباح يوم 15 نيسان/ أبريل (اليوم الذي اندلعت فيه المعارك)، وبدلا من ذلك، اندلع القتال في أنحاء البلاد.
ووفقا لثلاثة شهود ومستشار لدقلو، بدأ إطلاق النار في معسكر سوبا العسكري في جنوب الخرطوم في حوالي الساعة 8:30 صباحا بالتوقيت المحلي. ولا يعرف من الذي أطلق الرصاصة الأولى، لكن العنف تصاعد بسرعة في أنحاء البلاد، ما يوضح إلى أي مدى تفرقت السبل بالطرفين في الأسابيع التي سبقت استعدادهما لخوض حرب شاملة.
وتساعد التصريحات التي أدلى بها حوالي 12 مصدرا في الجيش وقوات الدعم السريع إضافة إلى مسؤولين ودبلوماسيين، على بناء الأحداث الرئيسية في الفترة التي سبقت أعمال العنف التي دفعت عشرات الآلاف إلى الفرار وفاقمت من أزمة إنسانية خطيرة تشهدها السودان بالفعل.
اللقاء الأخير بين البرهان وحميدتي
وقال دبلوماسي اطلع على الأمر واثنان من الوسطاء إن البرهان وحميدتي التقيا للمرة الأخيرة في الثامن من نيسان/ أبريل الجاري في مزرعة على مشارف الخرطوم، أي قبل أسبوع من اندلاع القتال.
وخلال هذا اللقاء، طلب البرهان انسحاب قوات الدعم السريع من مدينة الفاشر، التي تقع في إقليم دارفور غربي السودان، معقل حميدتي، ووقف تدفقات قوات الدعم السريع إلى الخرطوم المستمرة منذ أسابيع.
وذكر الدبلوماسي والوسيطان أن حميدتي طلب بدوره سحب القوات المصرية من قاعدة جوية تسمى مروي خشية استخدام هذه القوات ضده.
وقال الوسيطان إن الرجلين تحدثا أيضا على انفراد ووافقا على ما يبدو على خفض التصعيد. وكانت هناك نية لعقد لقاء آخر في اليوم التالي، لكنه لم يحدث.
وعلى مدى الأسبوع التالي وخلف الكواليس، كان كل منهما يستعد بقوة للأسوأ.
نوايا مبيتة
وكشف مصدران عسكريان عن خطط تظهر إلى العلن لأول مرة، وقالا إن القوات الجوية بقيادة البرهان كانت تدرس أماكن تجمع قوات الدعم السريع اعتمادا على إحداثيات قدمها الجيش.
وأوضح المصدران نفسهما أن قوات الدعم السريع كانت في الوقت ذاته تنشر المزيد من المسلحين في سوبا ومعسكرات أخرى في أنحاء الخرطوم.
وذكر المصدران العسكريان أن القوات الجوية، التي تقصف مواقع في العاصمة منذ اندلاع القتال، ظلت تدرس أماكن معسكرات قوات الدعم السريع لأكثر من أسبوع قبل بدء المعارك.
وقال المصدران إن الجيش شكل أيضا لجنة صغيرة من كبار قادته للاستعداد لصراع محتمل مع قوات الدعم السريع.
تبادل للاتهامات
وقال مستشار حميدتي، موسى خدام محمد، في تصريحات لـ"رويترز" إن الطلقات الأولى في الحرب يوم السبت 15 نيسان/ أبريل أيقظت قوات الدعم السريع المتمركزة في سوبا. وأضاف أن قوات الدعم السريع شاهدت قوات الجيش من خلف أسوار المعسكر وهي تنصب مدافع في المنطقة المحيطة به.
وتابع، في لهجته المحلية، "شعرنا إنه في قوة جات في نفس الموقع"، مضيفا أن قوات أخرى تجمعت حول مقر إقامة حميدتي في الخرطوم.
وسرعان ما تبادل الجيش وقوات الدعم السريع الاتهامات علنا بإشعال العنف ومحاولة الاستيلاء على السلطة.
وردا على أسئلة مكتوبة، قال المتحدث باسم القوات المسلحة، العميد ركن نبيل عبد الله، إن الجيش كان يستعد للرد وليس لشن حرب، بعد مؤشرات عن هجوم لقوات الدعم السريع. وقال إن قوات الدعم السريع هي التي بدأت الهجوم وأسرت عدة جنود، مضيفا أن الجيش تحرك لصد الهجوم. وأشار إلى أن الجيش كان ينفذ حملته بموجب تسلسل قيادي واضح، وأن قوات الدعم السريع أصبحت هدفا مشروعا للقوات الجوية بعد بدء القتال.
واتفق الجانبان على هدنة مؤقتة هذا الأسبوع بضغط من الولايات المتحدة والسعودية، غير أن القتال تواصل، الأمر الذي "أحبط" الأمم المتحدة، على حد تعبير المتحدث الأممي، ستيفان دوجاريك.
الصراع على السلطة
كان حميدتي، وهو قائد ميليشيا سابق في دارفور، تابعا للرئيس السابق عمر البشير ومنفذا لأوامره، وتنعم بالثراء من تجارة الذهب. ولم يكن على خلاف دائم مع البرهان ضابط الجيش المحترف.
وقاد كلاهما رجالا في دارفور حيث تسبب صراع تصاعد في عام 2003 ومستمر حتى الآن، رغم العديد من اتفاقيات السلام، في مقتل ما يصل إلى 300 ألف شخص وتشريد 2.7 مليون.
وشكل الرجلان، اللذان تقلدا أكبر منصبين في مجلس السيادة الحاكم بعدما أطاحت حركة احتجاجية بالبشير في عام 2019، جبهة موحدة في الغالب في اتفاق لتقاسم السلطة مع القوى المدنية.
وخلال ذلك الوقت، زادت قدرات قوات الدعم السريع وأصبحت قوة يقدر قوامها بنحو 100 ألف فرد. واكتسبت هذه القوة صفة رسمية في الدولة بموجب قانون أقره البرلمان في عهد البشير.
وفي تشرين الأول/ أكتوبر 2021، نفذ الرجلان انقلابا على شركائهم المدنيين، وعطلا مسار التحول السلمي للسلطة، ومنعا تسليمها للمدنيين.
لكن حميدتي سرعان ما رأى أن الاستيلاء على السلطة كان خطأ مكن الموالين للبشير من استعادة بعض النفوذ، وذلك حسبما قال في خطابات ومقابلات تلفزيونية.
وأدى الانقلاب إلى خروج احتجاجات حاشدة كل أسبوع في الشوارع وأوقف الانفتاح المؤقت لاقتصاد السودان المتعثر.
وبينما راهن حميدتي على اتفاق إطاري مدعوم دوليا لتشكيل حكومة مدنية، كان من الواضح أنه يتطلع من خلاله إلى لعب دور سياسي في المستقبل، توترت العلاقات بسبب تسلسل القيادة في المرحلة الانتقالية الجديدة وخطط دمج قوات الدعم السريع في الجيش النظامي.
وفي إطار الاستعداد للقتال، أصر حميدتي على أن دمج قوات الدعم السريع يجب أن يجري على مدى يتجاوز العشر سنوات، بما يتماشى مع بنود الاتفاق الإطاري للخطة الانتقالية الموقع في كانون الأول/ ديسمبر الماضي، حسبما ذكرت عدة مصادر سودانية ودبلوماسية مطلعة على المحادثات.
لكن الجيش كان يضغط من أجل مدى زمني أقل. وضغط الفريق أول ركن شمس الدين الكباشي، النائب الصارم للبرهان داخل الجيش، من أجل تنفيذ الدمج على مدى عامين فقط.
وقال دبلوماسي كبير شارك في جهود الوساطة في الأسابيع الأخيرة قبل اندلاع القتال، إن فرصة كانت سانحة على ما يبدو للتوصل إلى اتفاق بين البرهان وحميدتي، لكن الأخير "كان ساخطا". وأضاف أنه "كان هناك الكثير من الغضب والإحباط (لدى قائد قوات الدعم السريع)، والحديث عن أنه ‘أنا الشخص الوحيد الذي يحمي التحول الديمقراطي‘".
وأوضح أن قائد الجيش كان يصر على ضرورة أن يرفع حميدتي إليه التقارير، بينما كان حميدتي يقول إن البرلمان المنتخب وحده هو الذي يملك سلطة تحديد تسلسل القيادة.
وذكر الدبلوماسي البارز أن أيا منهما لم يرغب في تقديم تنازلات.
من دارفور إلى السلطة
وردد مستشار حميدتي، موسى خدام محمد، تصريحات أدلى بها علنا كل من قائد قوات الدعم السريع وقوى الحرية والتغيير بأن هناك طرفا ثالثا يلعب على الأرض، مما أدى إلى توتر العلاقات بين الجيش والقوات شبه العسكرية.
وقال المستشار: "في قوة داخل الجيش رافضة مسألة التحول الديمقراطي"، مضيفا أن مخابرات قوات الدعم السريع راقبت اجتماعات حلفاء للبشير يعارضون عملية الانتقال.
وذكر المستشار وقوى الحرية والتغيير أن هذه الكتلة تتألف من أنصار للبشير. وعادت القوات الموالية للبشير للظهور مرة أخرى بعد انقلاب 2021.
وعارضت علنا الاتفاق الإطاري المبرم في كانون الأول/ ديسمبر الماضي، وهو الاتفاق الذي كان يهدف إلى التمهيد لإجراء انتخابات والتحول للحكم المدني.
وقال الوزير السابق والعضو البارز في قوى الحرية والتغيير، خالد عمر يوسف، إن "الاتفاق هدد المساحة التي وجدها عناصر النظام البائد بعد انقلاب 25 تشرين الأول/ أكتوبر، لذا فقد أججوا الصراع بين القوات المسلحة والدعم السريع ويعملون الآن على استمراره بعد اندلاع الحرب".
واتهم أعضاء في قوى الحرية والتغيير، المجموعة الموالية للبشير، بنشر الشائعات وممارسة ضغوط داخل الجيش.
وهاجم أنصار للبشير، قبل أيام من اندلاع القتال، مجموعات مؤيدة للديمقراطية بالقرب من السجن. وفي مطلع الأسبوع الجاري، خرج آلاف المعتقلين من السجون في ظروف غامضة.
وكان من بينهم وزير سابق في حكومة البشير، مطلوب أيضا لدى المحكمة الجنائية الدولية بتهم ارتكاب جرائم حرب، وكذلك أعضاء كبار آخرون في حزبه.
وعاد محمد طاهر إيلا، الذي كان رئيسا للوزراء وقت سقوط البشير، ووصف من قبل بأنه رئيس مستقبلي محتمل، للظهور علنا في الآونة الأخيرة، بعد أن ظل بعيدا عن الأنظار لعدة سنوات.
وفي تجمع مع أنصاره قبل أيام قليلة من بدء القتال، بعث برسالة ملتهبة وتعهد بتقديم "الشهيد تلو الشهيد" للدفاع عن أرض السودان ودينه.
وتشير الشواهد إلى تورط المجموعات المؤيدة للبشير في انهيار خطة المرحلة الانتقالية أو في الصراع.
وقال إيلا في لقطات مصورة للاجتماع: "لا مكان فيه (السودان) للإطارية ولا لغيرها". وأضاف "نحن أقدر من الأمس أن نحمل السلاح وأن نأخذ حقنا بأيدينا".