- ℃ 11 تركيا
- 5 نوفمبر 2024
الشيخ إمام عيسى في عصر الثورة والغضب
الشيخ إمام عيسى في عصر الثورة والغضب
- 26 يونيو 2021, 3:57:23 م
- 1435
- تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
القاهرة : 180news
صدر مؤخرا عن دار مرايا في القاهرة الطبعة الثانية من كتاب "الشيخ إمام في عصر الثورة والغضب" للكاتب والناقد أمير العمري. والذي صدرت طبعته الأولى قبل 11 عاما في يناير تشرين الأول عام 2010، وقام المؤلف خلال الفصول والمحطات التي أضافها للنسخة الجديدة بتسجيل ذكرياته الخاصة عن الشيخ إمام، وتأثره بأغانيه، وتأثيره في أبناء جيله وعصره من شباب الجامعة المصرية في زمن الحركة الطلابية في السبعينيات، بوصفها جزء من تاريخ الحركة الوطنية المصرية، كما سعى العمري إلى تحليل وبحث خصوصية ظاهرة "الشيخ إمام- أحمد فؤاد نجم" وعلاقتها بالحركة الجماهيرية الطلابية والشعبية في مصر.
وخلال ثنايا الكتاب توقف المؤلف ليقدم جزءا من تاريخ الحركة الوطنية المصرية متناولا "ظاهرة" الشيخ إمام، في ضوء ما وقع من متغيرات في الفضاء السياسي والثقافي المصري، كما بحث في معاني عدد من الأشعار والأغاني البارزة التي حفرت مسارا فريدا في وعي الكثيرين وتعلم منها الجيل الذي عاصرها كيف يكون لحب مصر معنى حقيقي مجسد ومصور، لا مجرد أطياف غامضة لشعار نردده بمعزل عن الناس في الشارع وفي المصنع وفي الحقل، بل وفي كل مكان على أرض مصر.
وسعى العمري في الكتاب للربط بين الذاتي والموضوعي، والسياسي والفني، والماضي والحاضر، والتأملات الشخصية والتحليل الذي يلتزم بالبحث في الحقائق، كما بحث العلاقة بين الغناء كفن والقصيدة الشعبية كشكل خاص من أشكال التعبير، وبين التحريض والهجاء السياسي، وحاول استعادة أجواء الفترة التي شهدت ظهور الغناء الثوري المعارض في مصر والذي يعبر عن ضمير الناس، وذلك من أجل دراسة وتأمل قدرة المصريين على إنتاج فن آخر" وثقافة مضادة من دون التخلي عن الجمال والسحر والإبداع الأصيل الذي يستند إلى التراث الموسيقي المصري.
ويتوقف الكتاب أمام أمثلة كثيرة من الأشعار والأغنيات التي تركت تأثيرا كبيرا على الغناء السياسي في مصر والعالم العربي، ورسمت ملامح ذلك المغني والمنشد الثوري العبقري الذي رسخ مع شريكه الشاعر الكبير الراحل أحمد فؤاد نجم، معالم ظاهرة لم تتكرر في الموسيقى العربية والغناء العربي. وكان محتما أيضا أن يتطرق المؤلف في هذه الطبعة، إلى الخلاف الذي وقع بين الرفيقين وأدى إلى انفصالهما عن بعضهما البعض طيلة السنوات من منتصف الثمانينيات حتى وفاة الشيخ إمام في منتصف التسعينيات.
لم يكن هدف الكتاب تسجيل "سيرة حياة" الشيخ إمام أو رفيقه أحمد فؤاد نجم، لكنه حاول بدلا من ذلك أن يربط بين الذكريات الشخصية لمؤلفه، وبين التأريخ، والسرد، والتحليل في سياق المتغيرات السياسية، كما توقف أمام ظاهرة الشيخ إمام بالنقد، وراح ينقل الكثير من الحقائق والمعلومات، وينسبها إلى أصحابها، خاصة ما أتاحته التسجيلات الصوتية من معلومات لم تكن متوفرة قبل عشر سنوات، هذا إلى جانب الانطباعات الذاتية والذكريات الشخصية، والتوقف أمام الكثير من أعمال الشيخ إمام بالتحليل، موسيقيا وتاريخياً وسياسياً.
ويتوسع المؤلف في الطبعة الجديدة من الكتاب في الحديث عن "شعراء الشيخ إمام" الذين كتبوا اغنياته التي قام بتلحينها، بالإضافة إلى الشاعر الكبير أحمد فؤاد نجم، وحاول أن يوضح دورهم في إثراء تجربة إمام الغنائية. كما وجه سهام النقد إلى بعض سلوكيات وتصرفات نجم التي ربما تكون قد لعبت دورا في إفساد العلاقة بينه وبين رفيق عمره وقضت على التعاون الفني فيما بينهما بعد سفر الاثنين إلى الخارج في الثمانينيات.
وقد أضاف المؤلف فصلا جديدا تضمن عددا من الشهادات والوثائق منها المقال الهجائي الذي كتبه الصحفي محمود السعدني عقب وفاة الشيخ إمام، ورد الشاعر المعروف نجيب شهاب الدين عليه، كما قام العمري بنشر "الجزء الأكثر أهمية في رأيه من شهادة الكاتبة الصحفية والزوجة السابقة لأحمد فؤاد نجم، صافيناز كاظم، التي التصقت بتجربة الثنائي "إمام- نجم" من بدايتها. كما أضاف شهادة مؤسس موقع المتلقي كريم السمعلي، الذي وثق تراث الشيخ إمام الغنائي، وتتناول الشهادة الجانب الخفي من تجربة الشيخ إمام في تونس وعلاقته بالجمهور التونسي الذي يعتبر من أكثر جماهير العالم العربي حبا وتقديرا لأغاني الشيخ إمام.
ويتنبأ المؤلف في الطبعة الأولى التي صدرت من الكتاب قبل 11 بعودة الاهتمام بأغاني الشيخ إمام، وهو ما حدث بالفعل في العام التالي مباشرة لصدور هذا الكتاب عندما تفجرت ثورة 25 يناير كانون الثاني 2011، وقد وجد المؤلف بعد مرور تلك السنوات أنه من الضروري إعادة النظر في جوانب كثيرة مما ورد في الطبعة الأولى، خاصة بعد رحيل بعض الذين لعبوا دورا في تأسيس تلك الظاهرة أو الإحاطة بها سلبا أو إيجابا، وبعد تدفق الكثير من الشهادات والوثائق والتي كان أهمها ظهور العديد من التسجيلات النقية لحفلات الشيخ إمام التي أقامها خارج مصر، في تونس وفرنسا والجزائر وغيرها، والمقابلات العديدة مع الشيخ إمام نفسه، ومع أحمد فؤاد نجم، والإفراج عن أرشيف حلقات برنامج "مع الشيخ إمام" الذي كان يقدمه في إذاعة صوت العرب الناقد الكبير رجاء النقاش، وغير ذلك من مواد سمعية ومرئية ومكتوبة.
وقد قام العمري بـ"غربلة" بعض ما ورد في الطبعة الأولى من معلومات ووقائع وأحداث، وتوسع في البعض منها، سواء تلك التي ترتبط بشريط الذكريات الذي أصبح مع التقدم في العمر، أكثر وضوحا واستقامة، أوتلك التي تتعلق ببعض المعلومات التي لم تكن واضحة بما فيه الكفاية، أو مبتورة، مع تصويب بعض المعلومات وتدقيقها والاستعانة في ذلك كما يقول العمري، إلى ما زوده به من معلومات قيمة، التونسي كريم السمعلي، أحد القلائل من حافظي تراث الشيخ إمام، كما نقل أيضا شهادته الشخصية على رحلة الشيخ إمام إلى تونس.
ولا يصنف الكتاب حسب العمري ضمن سير الأعلام، فهو ليس سردا أدبيا أو تاريخيا، لحياة المغني الشعبي إمام عيسى، لكنه محاولة لوضع الظاهرة في إطار عصرها، ومناقشة أبعادها وتضاريسها وما انتهت إليه اليوم.
وفي سياق "التأملات" واسترجاع الماضي ذكر الكاتب عشرات الأسماء لشخصيات لعبت دورا بارزا في مسار الحركة السياسية والثقافية في مصر، سواء كانوا طلابا في الجامعة تصدوا لقيادة حركة التعبير عن الرفض في عهد الرئيس أنور السادات في فترة من أكثر فترات الحياة السياسية المصرية سخونة فيما بين الحربين، أي بين حرب يونيو 1967 وحرب أكتوبر 1973، أو مثقفين تباينت مواقفهم خلال سنوات الاستقطاب الحاد بين اليمين واليسار، وبين الانحياز لحركة الشارع أو القيام بدور رأوه إيجابيا، بالقرب من مواقع السلطة، أما الشيخ إمام فقد وقف، حسب تعبير العمري، وسط هذه الأمواج بقوته الخاصة في التعبير وعبقريته في الأداء، وصمد في وجه كل أشكال القمع والتجاهل والنكران والاستنكار والشجب، وصمد معه شاعره الأول أحمد فؤاد نجم، وزوده بوقود من الأشعار التي لا تتسم برقتها وعنفها، وبقدرتها على إثارة الشجن وشحن النفوس بالغضب والثورة، وبسحرها الخاص وتمكنها من إثارة التفكير وإيقاظ الوعي أيضا، دون أن تفقد أبدا جمالها ورونقها الخاص.