السياسة والمثقفون في مصر

profile
د.محمد دوير باحث فلسفي
  • clock 25 مارس 2021, 11:52:22 م
  • eye 1280
  • تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
Slide 01

.. السياسة في مصر فعل سيء السمعة، ومجال غير مرحب به من ملايين البشر، الأحزاب في تاريخ مصر قبل يوليو وبعد 75، لم تصل عضويتها مجتمعة نصف في المائة من سكان مصر.


.. في كراهية للسياسة والأحزاب، وشعور ما كدا عند المصريين إن كلمة " حزب " تعني مشاكل في الأسرة والعمل ومع الدولة ومع المجتمع بشكل عام، وأحيانا تكون عضوية حزب معين مثار تريقة وتندر من الناس علي الشخص الحزبي، ويصبح اسم الحزب لقب يضاف لأسمه : محمد بتاع التجمع أو ليلي بتاعة التحالف أو أبانوب بتاع الوفد..الخ علي أساس أنه عمل شيء نادر بحيث يمكن تمييزه به.


.. ناس كتير ممكن تتكلم في السياسة، إنما تبقي عضو في حزب.. لأ طبعا.. والغريب أنه بيتكلم عن ضرورة التغيير!! ودا يتم إزاي  ؟ مش عارف  والله.

.. لكن الأخطر من الناس العاديين، هم المثقفين، والحقيقة علاقة المثقفين بالأحزاب تمثل ظاهرة غريبة جدا، فالمثقف المصري غالبا بيعتبر نفسه فوق الأحزاب، وأحيانا تتشكل هيئات مجتمع مدني وتصر بصورة كبيرة إنها تعلن في كل مناسبة إنها فوق الأحزاب..


.. وفي أوئل التسعينيات كان في اجتماع في قصر ثقافة الأنفوشي لتشكيل لجنة الوحدة الوطنية في الاسكندرية، وكان قاعد علي المنصة المستشار وليام فلتاؤوس، - واحد من رموز الحركة الوطنية في اسكندرية..- وفي كلمته كرر أكتر من مرة ( احنا لجنة فوق الأحزاب ) يعني بيطمن الناس الموجودة.. الكلام معجبنيش، قمت علشان أقاطعة وأرد عليه.. مُنعت من الكلمة، وانسحبت من الاجتماع..وقتها شعرت إن أنا - كحزبي - إبن الخدامة.. ولما احتاجوا يوزعوا بيان كلمونا علشان نوزعه.. والله رفضت وعملت لجنة الوحدة الوطنية ( شباب).


.. موقف المثقفين من الحزبية عموما، بيفقد الأحزاب قوة نظرية مهمة، وبيفقد المثقف مجاله الاجتماعي أو الطبقي اللي المفروض يكون محدد كمثقف يعني..والغريب في الأمر إن جزء كبير من المثقفين بعيد عن السياسة خوفا من البطش الأمني، ودا بيؤكد فكرة إن الحزبيين رغم ضعفهم هم أكتر شريحة بتدفع تمن مواقفها في السجون والمعتقلات وقطع أرزاقهم..


... ومهما كانت الردود عن إن الحياة الحزبية في مصر ضعيفة أو مشوهة أو لها حسابات، فكل الردود دي لو صحيحة، فهي صحيحة بسبب ابتعاد المثقفين والمهتمين بالعمل العام عن الفعل السياسي التنظيمي، وبصراحة شديدة، مفيش تغيير – بمعني كلمة تغيير – بدون حياة حزبية قوية، لأنه باختصار بردو، الحياة الحزبية هي السياسة ، هي المعارضة.. وأي مبادرات فردية من مثقفين أو سياسيين خارج منظومة العمل التنظيمي هي حاجة كدا لها تشبيه سخيف مش عايز أقوله..


... وعلي فكرة، أنا واحد من اللي بره منظومة التنظيمات الحزبية، يعني لا أعفي نفسي من المسئولية..

.. تفريغ الحياة الحزبية- مهما كانت أسبابه – هو كارثة للحياة السياسية في مصر، كارثة لكل المثقفين والسياسيين والذين يتناولون الشأن العام يوميا، وتبدو عليهم علامات الحزن علي أحوال البلد. كل هؤلاء يسهمون في تشييع جثمان الحياة الحزبية في مصر، وبالتالي تشييع جثمان أي إمكانية للتغيير.. وممكن نقعد كدا مليون سنة، ننتفض، وننتكس.. ننتفض  وننتكس.. بلا أي تقدم للأمام.. فقط كل ما نفعله هو الجري في المحل.. أو كما قال رولان بارت – واصفا وظيفة النص – تحقيق اللذة بهدف الإمتاع وليس بهدف الانجاب.


.. شكر الله سعيكم جميعا.


هام : هذا المقال يعبر فقط عن رأي الكاتب ولا يعبر عن رأي فريق التحرير
التعليقات (0)