السفير د.عبدالله الأشعل : موقع المفاوضات فى الموقف الإسرائيلى والإثيوبى

profile
د.عبدالله الأشعل مساعد وزير الخارجية السابق استاذ القانون الدولي والعلوم السياسية
  • clock 22 أبريل 2021, 12:05:46 ص
  • eye 939
  • تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
Slide 01

المفاوضات أداة معترف بها عند البشر منذ بدء الخليقة لترتيب الأوضاع وتسوية المنازعات ثم صارت أداة الدبلوماسية فى إدارة العلاقات الدولية ولذلك ازدهر علم المفاوضات والتدريب عليها وصقل مهارات التفاوض بل وأصبحت هناك مدارس مشهورة فى المفاوضات.

ونظرا لأهمية المفاوضات فقد تضمنت مبادئ القانون الدولى مبدأ حسن النية فى المفاوضات أى حظر استخدام المفاوضات لإضاعة الوقت بينما النية مبيتة لنتيجة أخرى، وقد سجل العمل الدولى أن بعض الدول دخلت فى مفاوضات بينما كانت تخطط للحرب. وقد ارتبطت المفاوضات بأنها أهم وسائل التسوية السلمية للمنازعات، ولكنها فى الواقع وسيلة دائمة حتى لتخفيف التوتر بل ولمحاولة العودة إلى الاتفاق بعد نشوب القتال ولذلك هناك نوعان من المفاوضات: مفاوضات عسكرية وأمنية ويتولاها عسكريون وأمنيون ولكن الأصل هى المفاوضات النوعية سواء كانت سياسة أو حدودية أو تجارية أو غيرها من موضوعات العلاقات الدولية ويدخل فيها المفاوضات الاقتصادية والاستثمارية والمعونات وصور التعاون وغيرها.

ولكن عند إسرائيل وإثيوبيا فقد استخدمت المفاوضات لكسب الوقت وفرض الأمر الواقع من طرف واحد وبذلك تفرغ المفاوضات من معناها ومضمونها. وهناك متشابهات بين إسرائيل وإثيوبيا بل وهناك تحالف بينهما ضد مصر وليس هناك تحالف مصرى فلسطينى مادام الجلادان متحالفين، فكان يجب على الضحايا أن تتحالف. فالعلاقات الإسرائيلية الإثيوبية كانت دائما فى وجه العداء الاسرائيلي العربى، وغذى هذا العداء الإثيوبى الكثير من العوامل منها دعم العرب لثورة اريتريا لكى تتحرر من الاستعمار الإثيوبى، وأضيف لذلك اضطهاد إثيوبيا للمسلمين فيها رغم أن ملكها فى بداية ظهور الإسلام استقبل هجرة المسلمين الأولى إلى الحبشة وذلك بعد أربعين عاما من عام الفيل الذى ولد فيه رسولنا الكريم وحاول أبرهة  تحطيم الكعبة فأباد الله جيشه كما أخبرتنا سورة الفيل . ويبدو أن دخول المسيحية إلى إثيوبيا كانت عاملا إيجابيا حاسما فى تغيير الموقف من المسلمين. أما المتشابهات فى موقف إسرائيل مع الفلسطينيين واثيوبيا مع مصر فنرصد أهمها:

أولا: وضع خطة للحصول على كل شئ والتكتم على هذه الخطة والظهور بمظهر المرونة والرغبة فى التسوية للتعمية والتدليس. فعلت إسرائيل ذلك مع الفلسطينيين، فهى تتفاوض من أجل حل الدولتين وهى تضمر دولة إسرائيل وحدها وطرد الفلسطينيين أما أثيوبيا فقد وضعت خطة بناء السد بمواصفات تحرم مصر من المياه وتكتمت عليها وادعت أنها لن تضر بمصر، قبل أن تجاهر بخطتها والاصرار عليها والكذب بشأنها.

ثانيا: كل من إسرائيل وإثيوبيا لاتعترف بالقانون الدولى وترتكز أساسا على الأمر الواقع الذى تحميه القوة فى حالة إسرائيل، كما تعتمد إثيوبيا فى فرض الأمر الواقع على حساباتها عن قوة مصر ونظامها وأزماتها.

ثالثا: أن إسرائيل استخدمت المفاوضات لكسب الوقت بل وصلت إلى حد اعتبار المفاوضات هدفا فى ذاتها فقبولها بالمفاوضات صور على أنه مرونة من جانبها ودليل على رغبتها فى التوصل إلى حل سلمى. ثم وصلت إسرائيل إلى درجة أن هذه المفاوضات بعد أن أعلنت صفقة القرن هدفها الموافقة علي هذه الصفقة.

أما إثيوبيا فقد استخدمت المفاوضات لكسب الوقت اللازم لاستكمال بناء السد وملئه وتشغيله وفرض الأمر الواقع على مصر بل قبلت إثيوبيا توسط واشنطن والبنك الدولى وحضرت مفاوضات واشنطن ثم رفضت التوقيع على الاتفاق. وطبعا لابد أن واشنطن هى قاسم مشترك بين إثيوبيا وإسرائيل فى المجالين: الفلسطينى وسد النهضة.

رابعا: استغلت إسرائيل ضعف الفلسطينيين وعملت على المزيد من إضعافهم بالشقاق الفلسطينى والتغلغل فى القرار العربى بمساعدة واشنطن. أما اثيوبيا فقد استغلت هى الأخرى ضعف مصر تحت ستار حسن النية.

خامساً: إسرائيل تنفذ خطة تصفية القضية على الأرض فأوقف الجانب الفلسطينى التفاوض بعد الإعلان عن الخطة علنا فى 28 يناير 2020. وكذلك إثيوبيا كانت تتحدث عن التفاوض وهى فى الواقع ماضية فى تنفيذ السد دون الاكتراث بأية قيود، ورفضت جميع المقترحات الهادفة إلى تخفيف الضرر عن مصر.

سادسا: هناك مؤشرات على مساندة إسرائيل لإثيوبيا ضد مصر والتعاون لإفنائها عن طريق النيل، ولابد أن إثيوبيا هى الأخرى تدعم إسرائيل ضد الفلسطينيين رغم التصريحات والبيانات وعدم الاعتراض على قرارات الاتحاد الافريقى الداعمة للمقاومة الفلسطينية ربما بسبب دعم جنوب إفريقيا لهذا الاتجاه.

لم يكن هدف إثيوبيا من استمرار المفاوضات هو ضمان تسليم مصر بما تريده إثيوبيا، لأنها ضمنت ذلك من خلال تراخى الموقف المصرى الخالى من الاصرار والحماس، وعند هذه اللحظة أعلنت إثيوبيا نفسها أن المفاوضات لم تعد مطلوبه ولم تقطع مصر المفاوضات احتجاجا على استدراجها إلى كل طلبات إثيوبيا التى قادت المفاوضات على طريقة المفاوضات الصفرية.

وأدركت مصر ذلك من البداية والغريب أنها قبلت الاستمرار فى المفاوضات. فقد أوقف الفلسطينيون المفاوضات العبثية فقط بعد الإعلان عن صفقة القرن. 

التعليقات (0)