- ℃ 11 تركيا
- 17 يناير 2025
الداعية خالد سعد يكتب.. غزة مصنع الرجال ورمز الإيمان والصمود
الداعية خالد سعد يكتب.. غزة مصنع الرجال ورمز الإيمان والصمود
- 17 يناير 2025, 7:36:14 م
- تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
حينما نتحدث عن غزة كـ"مصنع للرجال"، فإننا نتحدث عن بقعة مباركة لا تضاهيها مدينة أخرى في العالم. هي مهد العزة، وأرض البطولات، ومدرسة الإيمان التي تُخرِّج أبطالًا لا يخافون في الله لومة لائم، رجالًا صدقوا ما عاهدوا الله عليه، فمنهم من قضى نحبه، ومنهم من ينتظر وما بدلوا تبديلا.
إن غزة ليست مجرد مدينة صغيرة تقاوم الاحتلال، بل هي أيقونة الصمود وجامعة الجهاد التي ينهل منها المسلمون معاني التضحية والبذل في سبيل الله. هي تلك الأرض التي جُبل ترابها بدماء الشهداء، وعبَق هواؤها بنفحات الإيمان والصبر والثبات. غزة ليست بقعة جغرافية فحسب، بل هي فكرة وروح، تمثل أمة كاملة بأحلامها وآمالها، وتؤكد أن النصر لا يأتي إلا لمن يستحقه بالثبات والإيمان والتضحية.
الشيخ أحمد ياسين: الأب الروحي للمقاومة
نبدأ الحديث عن قادة غزة الأبطال بالشيخ الجليل أحمد ياسين، الأب الروحي لحركة المقاومة الإسلامية (حماس). ذلك الرجل الذي كان جسده ضعيفًا بسبب شلل أصابه في طفولته، لكنه حمل هم أمة بأكملها. وُلد الشيخ في قرية الجورة عام 1936، لكنه هجّر مع أهله إلى غزة بعد الاحتلال الصهيوني.
كان الشيخ أحمد ياسين مثالًا حيًّا لقوة الإيمان التي تعلو فوق كل ضعف جسدي، فقد أسس حركة المقاومة الإسلامية (حماس) ليكون الجهاد في سبيل الله هو منهجها وشعارها. رغم إعاقته الجسدية، كان يمتلك قوة إيمانية هائلة، خطب بها القلوب وألهم بها العقول. قاد مسيرة الجهاد بوعي وحكمة حتى نال الشهادة في فجر يوم الاثنين 22 مارس 2004، حينما استهدفته طائرات الاحتلال أثناء خروجه من صلاة الفجر.
دروس من استشهاد الشيخ أحمد ياسين
استشهاد الشيخ كان درسًا عمليًا للأمة، أن القائد الحق لا يختبئ، بل يكون في مقدمة الصفوف، يشارك شعبه همومه وآماله، ويضحي بنفسه في سبيل الله.
الدكتور عبد العزيز الرنتيسي: طبيب أمة وشهيد الكرامة
يأتي بعد الشيخ أحمد ياسين، الدكتور عبد العزيز الرنتيسي، رفيق دربه ومكمل مسيرته. ولد الرنتيسي عام 1947 في بلدة يبنا المحتلة، لكنه نزح مع أهله إلى غزة حيث نشأ في مخيمات اللاجئين. درس الطب في جامعة الإسكندرية بمصر، لكنه اختار أن يكون طبيبًا لجراح الأمة قبل أن يعالج الأبدان.
كان الرنتيسي من القادة الذين لا يهابون الاحتلال، فكان خطيبًا صادقًا ومقاتلًا شجاعًا. تولى قيادة حركة حماس بعد استشهاد الشيخ أحمد ياسين، ليواصل مسيرة الجهاد. لكن الاحتلال أراد أن يطفئ نور المقاومة، فاستهدف الدكتور الرنتيسي بصواريخ غادرة في أبريل 2004، ليلحق بركب الشهداء.
رسائل استشهاد الرنتيسي
استشهاد الرنتيسي أكد أن القادة في غزة يصطفون في الصفوف الأولى، ويقدمون أرواحهم في سبيل الله دون خوف أو تردد. دماؤه كانت وقودًا لنار المقاومة التي اشتعلت أكثر ولم تخمد.
محمد الضيف: القائد الظل وصانع الرعب للاحتلال
محمد الضيف، أو كما يُعرف بـ"القائد الظل"، هو الرجل الذي جعل غزة شوكة في حلق الاحتلال. وُلد عام 1965 في مخيم خان يونس، وانضم إلى كتائب الشهيد عز الدين القسام منذ تأسيسها. تعرض الضيف لعدة محاولات اغتيال، أُصيب فيها بجروح بالغة، لكنه نجا بأعجوبة ليظل رمزًا للثبات والتحدي.
إسهاماته في تطوير المقاومة
محمد الضيف كان العقل المدبر الذي نقل المقاومة من مرحلة الدفاع إلى الهجوم. كان وراء تطوير الصواريخ المحلية وبناء الأنفاق التي أصبحت السلاح الاستراتيجي لغزة. هو رجل يعمل في الظل، لكن أثره واضح في كل مواجهة مع الاحتلال.
إسماعيل هنية: قائد الحكمة والجهاد
إسماعيل هنية، رئيس المكتب السياسي لحركة حماس، هو القائد الذي يجمع بين القيادة السياسية والميدانية. وُلد هنية في مخيم الشاطئ عام 1962، ونشأ في ظل ظروف الاحتلال الصعبة. كان قريبًا من الشيخ أحمد ياسين، ورافقه في مسيرة الجهاد.
بعد استشهاد الشيخ أحمد ياسين، قاد هنية حركة حماس بحكمة وحنكة، محافظًا على استمرارية المقاومة وتنظيم صفوفها. رسالته كانت دائمًا واضحة: "المقاومة واجب شرعي وقومي حتى تحرير كامل التراب الفلسطيني".
يحيى السنوار: قائد الصلابة والشجاعة
أبو إبراهيم يحيى السنوار، أحد مؤسسي كتائب القسام، هو القائد الذي خرج من ظلمات السجون إلى قيادة المقاومة. وُلد في خان يونس عام 1962، واعتُقل أكثر من مرة وقضى أكثر من 20 عامًا في سجون الاحتلال.
رغم كل ما تعرض له من معاناة، خرج السنوار ليواصل مسيرة الجهاد. أدار العديد من المواجهات مع الاحتلال بذكاء وإبداع، وأثبت أن القيادة الحقّة لا تعرف الانكسار أو التراجع حتى نال شرف الشهادة في ميدان الوغى وفي مقدمة الصفوف يقاتل حتى اخر نفس صائما وضرب به أروع أمثلة الكفاح حتى اخر نفس وكما يقال قاتله بعصى السنوار.
خالد مشعل: الوجه الدولي للمقاومة
خالد مشعل، رئيس المكتب السياسي السابق لحركة حماس، هو القائد الذي حمل رسالة المقاومة إلى العالم. وُلد في الضفة الغربية عام 1956، لكنه عاش في الشتات، مما جعله صوت اللاجئين الفلسطينيين.
محاولة اغتياله
في عام 1997، حاولت إسرائيل اغتيال خالد مشعل في الأردن، لكن المحاولة فشلت. تلك الحادثة جعلته أكثر قوة وإصرارًا على مواصلة طريق الجهاد.
غزة أرض الإيمان والمقاومة
غزة هي الأرض التي لا تنبت إلا الأبطال، مصنع الرجال الذين يزرعون الأمل في الأمة الإسلامية. أبطال غزة وقادتها علّمونا أن البطولة ليست في امتلاك القوة المادية، بل في قوة الإيمان بالله واليقين بوعده.
ستبقى غزة، بإذن الله، رمزًا للصمود والتحدي، وستظل دماء الشهداء هي الوقود الذي يشعل جذوة الجهاد في سبيل الله حتى يأتي وعد الله بالنصر أو يُكتب لنا الشهادة في سبيله. "وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ" [الحج:40].