- ℃ 11 تركيا
- 25 ديسمبر 2024
الجاسوسية أسرار والغاز.. الحلقة 12 الجاسوس المنتحر 2-2
الجاسوسية أسرار والغاز.. الحلقة 12 الجاسوس المنتحر 2-2
- 15 يوليو 2024, 7:32:59 م
- تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
عالم الجاسوسية.. عالم غامض عجيب.. تكتنفه الأسرار و تغلفه الألغاز.. يمتلئ بالحوادث التي يصعب تصديقها.. ويندر أن تجول بخاطر أي إنسان.. لا تنتهي عجائب هذا العالم.. ولا تنضب أسراره.
ولا تزال سجلات المخابرات المصرية حافلة بالعديد من الجولات الناجحة التي خدعت فيها الموساد الإسرائيلي وتفوقت عليه وقضت على أسطور الجهاز العبقري.. وكذبت شائعات الذكاء اليهودي الذي لا يهزمه احد أو يخدعه إنسان..
وفي هذه الحلقات نكشف خفايا هذه الملفات.. ونرفع الستار عن قصص جديدة وملفات مخفية شهدت صراعاً شرساً بين العقول.. ومواجهات حامية الوطيس بين المصريين والاستخبارات الإسرائيلية.. كانت أسلحتها الخطط المحكمة.. ومكائد مدبرة بعناية فائقة.. وسطر أبناء النيل بحروف من نور نجاحات مبهرة لعملاء أحسنت المخابرات المصرية تدريبهم.. ليتسللوا داخل المجتمع الإسرائيلي.. واستطاعوا بمهارة فائقة خداع أرقى المناصب. وأعلى الرتب في المجتمع الصهيوني ليحصلوا على أدق الأسرار.. وليكشفوا المستور.. وأماطوا اللثام عما يملكه الكيان المحتل من أسلحة وذخائر.. ونقلوا للقاهرة خرائط تفصيلية لمواقع وتحصينات جيش الاحتلال قبل معركة العبور المجيدة.
ولم يتوقف نجاح المخابرات المصرية على زرع عملاء داخل المجتمع الإسرائيلي وفي بيوت جنرالات جيش الصهاينة.. بل تمكن المصريون ببراعة فائقة من اصطياد جواسيس الأعداء و منعوهم من نقل الأسرار إلى تل أبيب.. وحجبوا عن الموساد المعلومات ووقعت جواسيسه تباعاً.. بل ونجحت المخابرات المصرية في تجنيد بعض جواسيس الموساد وجعلتهم عملاء للقاهرة وأرسلت من خلالهم رسائل خادعة إلى إسرائيل كان لها فضل كبير في خطط الخداع والتمويه التي مهدت لنصر أكتوبر العظيم
من رسالة ستالينغراد إلى عدسة النظارة
• عاد إلى الإسكندرية برفقة زهرة مكافأة على تفانيه وخدماته الجليلة
• أعاد فتح شركة الخدمات البحرية وساعدة الموساد في الحصول على توكيلات عالمية
• طبيعة عمله سهلت الحصول على معلومات عن تحركات وجنسيات وحمولات السفن ومواعيد الحركة
• كثرة الرسائل إلى أوروبا لفتت نظر المخابرات المصرية فاكتشفوا لغز الحبر السري والمعلومات العسكرية
• نهايته كانت حكماً بالإعدام على خيانته فانتحر بقطع شرايينه في السجن
قصة الجاسوس المنتحر رجب عبدالمعطي ليست كغيرها من قصص الجاسوسية أو المخابرات، حيث عاش خائنا ومات آيساً من رحمة الله.. اسلم نفسه لأعداء الدين والوطن وصدق أكاذيبهم عن الظلم والاضطهاد، ولا يذكرون شيئاً عن عدل المسلمين والعرب معهم، وملأو رأسه بتلك الأكاذيب، التي يستدرون بها عطف الجهلاء والمغيبين، وقرر ان ينهي حياته بعدما كشفته المخابرات المصرية.
وفي الحلقة الماضية تتبعنا كيف طلب رجب من سفارة الصهاينة في أثينا فتلقفوه وجدوه ودربوه في تل أبيب على فنون وحيل التخابر ومؤامرات الجاسوسية.. وبعد ان أتم التدريب أمروه بإعادة افتتاح شركة الخدمات الملاحية في الاسكندرية بعدما وعدوه بسداد ديونه.. وغادر رجب مطار بن غوريون في تل أبيب متجهاُ الى أثينا بعدما انهى تدريبه على يد ضباط الموساد وحصل على زهرة كهدية على تفانيه في الولاء لإسرائيل، والاخلاص في خدمتها، وهكذا رافقته زهرة جميلة الجميلات والتي تحدثه بلغته وبلغة الجسد الناطقة، كانت تلك مهمتها في الظاهر بينما المهمة الحقيقية رقابة سلوكه وتصرفاته.. وامتحان اخلاصه للمخابرات الاسرائيلية بين آن وآخر، ووجدته أكثر منها اخلاصاً لليهودية.. وايماناً بحق الاسرائيليين في القدس وسائر أرض فلسطين.. والتصقت أكثر بجانبه لتدفعه بقوة الى عشقها والذوبان فيها، فكلما ازداد عشقاً لها.. أخلص لإسرائيل.. وتفانى في خدمتها.
استأجرت له المخابرات الاسرائيلية احدى الشقق الصغيرة في حي دميتير الهادئ.. وهيأت له من أسباب العيش والرخاء والامتاع الكثير.. لتجعله لصيقاً بهم يدور في فلكهم لا يستطيع فكاكاً. وعلموه كيف يتعامل مع المصريين الوافدين الى اليونان للسياحة أو للبحث عن عمل. فالذين جاءوا للسياحة خصص لهم بعض الوقت وصحبهم للمزارات السياحية والأسواق والمتاحف.. وأفاض في خدماته اليهم وحملهم الهدايا الى أهله بالإسكندرية تأكيداً على تيسر أحواله وظروفه المالية في الخارج. وبدون توصية كانت صور حياته المختلفة تنقل الى والده من خلال المصريين العائدين الى مصر.
صور وجوانب مشرقة عن نجاحات رجب رسمتها المخابرات الاسرائيلية باحكام شديد، بالطبع أثلجت تلك القصص عن نجحه صدر أبيه بعدما فقد الأمل في ابنه.. وأرسل رجب خطاباته واضعاً في اسهاب عمله في احدى الشركات الكبرى.. التي استوعبت مواهبه واكتشفت فيه عبقرية فذة دفعت بها الى الأمام بعد تعثر طويل.. فارتقى في وظيفته واحتل مكانة مهمة في بلاد الاغريق، وأكد ذلك للأب كل من حملوا اليه هدايا ابنه الرقيقة له ولوالدته ولأصحابه، وضمت خطاباته صوراً فوتوغرافية مختلفة في مكتبه وفي مسكنه.. وفي احدى رحلاته الى جزر بحر ايجه.
وانطلت تلك القصص على أهله ومعارفه في الاسكندرية، فأرسل اليه والده يرجوه ان يعود الى وطنه مرة ثانية ليعاود نشاطه من جديد، وليكمل نجاحاته على أرض وطنه بعدما اكتسب الخبرة واستطاع اثبات قدراته في الخارج فاستمهله رجب بعض الوقت، وانشغل بالسعي مع المصريين القادمين بحثاً عن عمل في أثينا فكان يصحبهم بترتيب مع الموساد الى الشركات البحرية في بيريه، والى شركات تجارية في أثينا بغية اسقاط شباب من بينهم في براثن المخابرات الاسرائيلية.
وتوطدت علاقات العميل الخائن بالمصريين المقيمين في اليونان بعدما تعددت خدماته ومواقفه تجاه كل من يلجأ اليه فأحبه الشباب المصري هناك، ووجدوا فيه صورة المصري الشهم النبيل، في حين انه كان يدير حوارات سياسية معهم، ويسجل تقارير مطولة تحمل بين سطورها خسة نياته القذرة في خدمة جهاز مخابرات العدو.. فبدا كما لو كان قد اندرج لسنوات طويلة في صفوف أكاديمية الجواسيس في اسرائيل، وأعيد مرانه وتدريبه في أثينا على استخدام الحس الأمني والملاحظة والتمويه والخداع.
تطويع الجواسيس
ولم تكن زهرة فتاة فراش للجواسيس الجدد بل انها عميلة مدربة أخضعت فكرياً ومعنوياً وجسدياً لخدمة الموساد، عميلة تؤدي عملاً مهماً وأساسياً لصالح اسرائيل، وجسدها أحد أركان هذا العمل الأساسية.
انها تستغل جسدها في تطويع الجواسيس وربطهم بها.. حيث درست وتعلمت ان لكل رجل عادات وميولاً ولديها القدرة على احتواء كل انواع الرجال واشباعهم وتنال شهادات شكر وتقدير بعد تطويعهم.
ولذلك لم يكن وجود زهرة على مسرح الحدث عملاً ثانوياً يحسب على جهاز المخابرات الاسرائيلي. انه جزء مكمل لتعمية العميل عن الحقائق والثوابت.. واخضاعه عبر تلك العلاقة مع الفتاة المختارة وخلق دفء عاطفي يزيل غمامة الخوف التي قد تؤثر في اقدام العميل فينشط ويبدع ويقوم بعمله خير قيام.
مر عام ونصف العام على تواجد رجب في أثينا في حضن المخابرات الاسرائيلية وكان طوال تلك الفترة يترقب موعد رجوعه الى الاسكندرية، وعندما اعتقد انه هيأ الجو لعودته، تحدث مع أبو ابراهيم ضابط الموساد في السفارة الاسرائيلية الذي أمهله عدة أيام ليكتب بذلك الى رؤسائه.. ولما جاءت الموافقة.. طير رجب خبر عزمه على العودة الى مصر غانماً بآلاف الدولارات التي جمعها من أعماله الناجحة في اليونان، وطالبه البعض باكمال مسيرة النجاح، وارجاء العودة الى مصر، لكنه رد عليهم بادعاء الوطنية، وأقسم ألا يحرم وطنه من خبرته وعبقريته التي يشهد بهما الأجانب. وأقيم حفل وداع صغير في أحد الفنادق حضره بعض المصريين الذين صادقهم هناك. وبعد نهاية السهرة حمل حقائبه وتوجه الى المطار ليكمل مسيرة الخيانة في مصر.
كان الجو شديد الحرارة في سبتمبر 1970 والاسكندرية مازالت تمتلئ بآلاف المصطافين.. الذين هربوا من لسعة القيظ وحرقة الوهج الى الشواطئ الممتدة الجميلة وفي شقة الحاج عبدالمعطي كانت جموع المعارف والأصدقاء تتوافد لتهنئ رجب بسلامة وصول ابنه الوحيد من اليونان، وأخذ يحكي لهم قصصاً عديدة عن عبقرية مزعومة..
ويختلق أقاصيص الوهم التي لقنته اياها مخابرات العدو.. فأفاض في الحديث والوصف وأضفى على نفسه أمجاداً وبطولات.
وبعدما استقر به المقام عدة أيام اصطحب مهندس الديكور الى مكتبه القديم، حيث كانت لافتة شركة رجب للخدمات البحرية قد بليت بعدما لفحته أشعة الشمس لسنوات وتشققت قشرة خشبها، وبالداخل كان العنكبوت قد نسج خيوطه فخيمت على كل شيء وبدا المكتب كمقبرة مهجورة.
وبينما كان المهندس يشرح له تصورات وتخيلات الشقة بعد تجديدها، حدث زلزال هز أعماق مصر كلها وضرب فيها الأمل والأمان.. وزحفت جموع الشعوب العربية لهول الصدمة عندما أعلن موت جمال عبدالناصر.
امتلأت الشوارع بطوفان البشر يجرف أمامه هدأة الحياة وغفلة الزمن، كتل متلاصقة ومتزاحمة من المصريين يهدرون بحناجر تصرخ في هلع وبكاء مرير ودموع ملتهبة، ونحيب يمزق القلوب.. وشروخ بدت في الوجوه بفعل الدموع، وتوقفت الحياة وذهبت العقل فلا عقل يصدق ان الزعيم رحل.
ودون ان يدري.. شارك رجب المصريين البكاء بكى رجب دون ان يدري سبب بكائه، وبعد ذلك سطر أولى رسائله، وكانت هذه الرسالة هي الخطوة العملية الأولى في عالم الجاسوسية.. رداً على رسالة وصلته بطريق الراديو تطلب منه مراقبة حركة ميناء الاسكندرية وعما اذا كانت أسلحة سوفييتية تتدفق على مصر بعد موت عبدالناصر أم لا ؟ وكتب في الخطاب بالانكليزية رسالة ودية لصديقه اليوناني ديمتريوس وذكرياته في بحر ايغة ودعوة لزيارة مصر في أعياد الميلاد.. وبين تلك السطور كتب بالحبر السري وبالعربية العربية علوما عن حركة السفن في ميناء الاسكندرية ونص الرسالة عن الميناء كانت على النحو التالي:
حبر سري الأسكندرية 24/1/1970
حبر سري: مازالت أعمال التجديدات في مكتبي جارية وبالرغم من، ذلك أقوم بعملي وأراقب الميناء جيداً، حبر سري ومنذ صباح الأمس وأنا أراقب سفينة سوفييتية ضخمة، ترسو على الرصيف وحولها حراسة مشددة. السفينة اسمها ستاليننغراد، وقال لي زميل قديم بالميناء، والسفن السوفييتية تتردد بكثافة هذه الأيام على الاسكندرية ونادراً ما تظل الأرصفة خالية منها، وعلمت ان بعضها تنزل حمولتها بالليل فقط بواسطة الأضواء الكاشفة. ومنذ أسبوع بالضبط نزل عدد كبير من الجنود والخبراء السوفييت، في ذات الوقت الذي تفرغ فيه سفن مصرية أخرى حمولاتها من القمح المستورد من استراليا ومن البرازيل.. وشاهدت عدداً كبيراً من الشاحنات العسكرية وتنقل صناديق خشبية ضخمة بعضها مغطى بغطاء أزرق أو كاكي وتتجه الى طريق الاسكندرية - القاهرة الصحراوي، وأنزلت سفينتان حمولتهما من الخشب الزان من أسبانيا ورومانيا وتعطلت بالأمس شاحنة على الطريق محملة بأجولة السكر المستورد من الاتحاد السوفييتي وسأوافيكم بمشاهداتي أولاً بأول، وسوف انتظر رسائلكم.
وفي الأيام الأولى من العام 1971 كان رجب قد انتهى من تشطيب مكتبه، ولبس حلة جديدة من بهاء تتفق ورونق أعمال الديكورات الفخمة.. التي تدل على ذوقه الأوروبي.
وافتتح المكتب جمع غفير من الأهل والأصدقاء، وملأت اعلانات الدعاية
بالعربية والانكليزية صفحات الجرائد المصرية اليومية تعلن عن ميلاد شركة خدمات بحرية متميزة، قادرة على القيام بمسؤوليات الشحن والتفريغ وما يخصهما من اجراءات مع الجهات المختصة.
توكيلات عالمية
وساعدته المخابرات الاسرائيلية كثيراً ليحصل على ثقة بعض الشركات البحرية العالمية ليصبح وكيلاً لها في الاسكندرية.. وتحول مكتبه الى خلية نحل اضطر معها الى الاستعانة بعدد كبير من الموظفين والسكرتارية، وازدحم المكتب بالزوار وذوي المصالح، وازدادت الخطابات الواردة اليه من الشركات الملاحية ومن رؤسائه في أثينا يمدونه بالمعلومات.. ويلقون أوامرهم وتوجيهاتهم ويدفعونه ليكبر أكثر وأكثر، فازدهرت أعماله بفضل التوكيلات العالمية التي حصل عليها، وصار اسمه مشهوراً ودخوله الى الميناء بالتصاريح الممنوحة أمراً سهلاً وتوطدت علاقاته بالموظفين وبالمديرين.
ولأن طبيعة عمله في الميناء فقد كان سؤاله عن أحوال الميناء يوماً بيوم أمراً عادياً لا يثير ريبة ولا شكوكاً في نياته.. وهذا هو ما كانت تسعى اليه المخابرات الاسرائيلية زرع جاسوس داخل ميناء الاسكندرية يرصد كل أسراره وأوضاعه دون ان يشك فيه أحد ومرت الأسابيع والشهور وهو لا يزال يرتقي سلم النجاح والشهرة، ولم ينس أفضال الصهاينة عليه للحظة واحدة، ويعاملهم على انهم أولو أمره وأولياء نعمته الذين ثبتوا قدميه على طريق النجاح، وهم الذين تسعى مصر ومن خلفها جميع الدول العربية للاضرار بهم رغم قلتهم ومحدودية أرضهم ومواردهم.
لقد أكدوا له انهم لا يريدون حروباً مع العرب.. فهم يدافعون عن رقعة صغيرة من الأرض يعيش عليها أطفالهم وضعافهم، وكلما شن الرئيس الراحل انور السادات هجماته من خلال خطبه السياسية.. كان رجب يرتعد خوفاً من حماس وعوده بأن هذا العام هو عام الحسم لتدمير اسرائيل.. وكثرت الرسائل الى رجب بطريق البريد والراديو.. وتعددت رسائله أيضاً الى أصدقائه.
وانحبس النفس في رئتيه هلعاً وحزناً يوم السادس من أكتوبر 1973 وجنود مصر والعرب البواسل يعبرون الهزيمة ويدكون خط بارليف الحصين ويكتبون النصر غالياً بدمائهم.
شفقة على إسرائيل
وعندما كانت مصر - بل والأقطار العربية كلها تزغرد للنصر.. كان رجب يبكي في مكتبه وينتفض جسده خوفاً وشفقة على شعب اسرائيل الذي يقتله العرب بلا رحمة مجتمعين، وكثرت في تلك الأثناء زياراته للميناء يستقص الأخبار ويستقي المعلومات بجرأة، دون ان يلفت انتباه أحد، لكثرة أسئلته عن السفن الراسية بالميناء وفي الغاطس تنتظر الدخول.
لكن كثرة الرسائل للخارج الى أثينا وروما هي التي لفتت انتباه ضابط المخابرات المصري المكلف بمراقبة البريد الصادر الى خارج مصر والوارد اليها، واكتشف أمر الرسائل المشفرة، وقام جهاز المخابرات المصرية بمراقبة بريد رجب عبدالمعطي، وتم الكشف عن كل رسائله وصورت وأعيد اغلاق الرسائل بدقة متناهية.. لكي تكون دليل ادانة ضده أمام النيابة عند محاكمته.
وبينما كان الجاسوس مشحوناً بحماس الانجازات الملعونة التي يحققها، وبدأت الخريطة السياسية للمنطقة تتشكل من جديد.. نشط رجب في رصد حركة الميناء المستمرة.
وأرسل الرسالة التالية الى صديقه الوهمي ديميتريوس في اليونان:
الرسالة الأخيرة الأسكندرية 27/11/1974. عزيزي ديمتريوس.
2- حبر سري: سفن شحن متعددة من جنسيات مختلفة تدخل، الميناء لتفرغ حمولتها من المواد التموينية بكثرة.. أيضاً تأكدت من وصول سفينة تشيكوسلوفاكية تحمل معدات عسكرية في صناديق يصعب الاقتراب منها بسبب الحراسة المشددة، ولا زالت سفن عربية من الجزائر وليبيا تنزل حمولتها. من البطاطين والمواد الطبية وسفينة عملاقة تحمل علم بنما اسمها ليلها مر محملة بحوالي 200 جرار زراعي ومعدات زراعية وميكانيكية مختلفة وسفينة سوفيتية تحمل معدات توليد كهرباء ضخمة وآلاف من الاطارات الكاوتشوك مقاسات مختلفة وموتورات.
و بعد ان جمعت المخابرات العامة المصرية كل الأدلة التي تدينه.. توجهت قوة من رجال المخابرات صباح 13 يناير 1975 الى مكتبه..
اعتقد رجب انهم عملاء أتوا لشأن يخص عمله.. لكن حينما أخبره قائد القوة بأنه ضابط مخابرات لم يستطع رجب ان يقف، ظل ساكناً على كرسيه تتحرك ركبتاه لا ارادياً، واصطكت أسنانه فجأة، وزاغت عيناه في هلع لا حدود له.
ومن قبيل الصدف العجيبة ان رجل البريد جاء برسالة من المخابرات الاسرائيلية -مرسلة من الداخل- أثناء وجود المخابرات في مكتبه حيث طلبوا منه حلها.. ووضعوا أمامه كتاب الشفرة التي عثروا عليه في درج سري بالمكتب مع كل أدوات التجسس المزود بها.
نهـاية الخـائــن
لم يستطع رجب استيعاب الأمر على حقيقته، فقد كانت نظرات ذهوله تدل على مدى الرعب الذي أصابه، لان ضباط الموساد أفهموه في تل أبيب وفي أثينا ان المخابرات الاسرائيلية لم يحدث لها ان فشلت مرة واحدة في مهامها أو لوجود خلل أو خطا في ترتيباتها.. ولكن الفشل يأتي دائماً من العميل الذي قد يهمل تكتيكات الأمان التي يجب عليه ان يلتزم بها ولا يهملها أبدا، وأقنعوه ان الموساد هو أفضل أجهزة المخابرات في العالم.
ابتسم رجب في سخرية عندما تذكر ادعاءاتهم الباطلة، وبينما كانت قافلة السيارات تنطلق به الى القاهرة- كانت المخابرات الاسرائيلية ترسل بالراديو رسالتها الدورية الى عميلها: ننتظر ردك على الرسالة التي وصلتك.. لا تتأخر، واستعد للسفر خلال شهر مارس الى أثينا.
وفي مبنى المخابرات المصرية تم استجوابه فاعترف تفصيلياً -وهو مذهول- بقصة سقوطه في مصيدة المخابرات الاسرائيلية.. وعقدت له محكمة عسكرية وجهت اليه التهم الآتية:- باع نفسه ووطنه للعدو مقابل المنفعة المادية.
- أمد العدو بمعلومات عسكرية واقتصادية تضر بأمن الدولة ومصلحة البلاد.
- ارتضى لنفسه ان يحمل اسماً يهودياً وجواز سفر يهودياً ورتبة عسكرية يهودية.
- التخابر مع دولة معادية اسرائيل بقصد الاضرار بالعمليات الحربية لمصر.
- التخابر مع دولة أجنبية معادية لتسليمها أسرار الدفاع عن البلاد.
وحكمت المحكمة بالاعدام شنقاً.. وصدق المفتي ورئيس الجمهورية على الحكم. وأثناء انتظار التنفيذ.. شعر الخائن بعظم جرمه وفداحة مسلكه. وعامله المجرمون والقتلة في السجن معاملة سيئة، وكادوا ان يفتكوا به عدة مرات كلما سنحت لهم فرصة لقائه.
وانزوى الخائن يجتر ذكرياته فتتقلص عضلات جسده.. ومضت عليه عدة أسابيع، ذاق خلالها مرارة الحسرة والذل والمهانة.. ونحتت بدنه عضات الندم.. حتى عثر عليه ذات يوم ملقى على الأرض بزنزانته وسط بركة من الدم المتجلط..وقد عثر على احدى عدستي نظارته منزوعة ومهشمة.. وتبين ان هناك ثمة قطع غائر بيده اليسرى طال شريانه.
وهكذا كتب نهاية حياته يائسا من رحمة الله بعدما عاش خائناً لدينه ووطنه وأمته ودماء مواطنيه وحرمات مقدساته
Pdfرابط الhttps://www.annaharkw.com/Resources/PdfPages/2013-07-26/P18.pdf
النهار الكويتية