- ℃ 11 تركيا
- 5 نوفمبر 2024
التكنولوجيا “ليست” في خدمة العدالة.. هل تزيد تقنية التعرف على الوجه من “عنصرية” الشرطة؟
التكنولوجيا “ليست” في خدمة العدالة.. هل تزيد تقنية التعرف على الوجه من “عنصرية” الشرطة؟
- 19 سبتمبر 2023, 4:58:41 ص
- 394
- تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
تقنية التعرف على الوجه ليست جديدة، لكن يبدو أن التوسع في استخدامها من جانب الشرطة قد يتسبب في مآسٍ إنسانية، فهل تزيد تكنولوجيا المراقبة من "عنصرية" الشرطة وتهدد فرص تحقيق العدالة؟
ويتم تصميم أحدث تقنيات التعرف على الوجوه للتعرف على الأشخاص الظاهرين على الكاميرات الأمنية في الوقت نفسه تقريباً. والهدف منها التأكد من مطابقة تسجيلات الكاميرا الأمنية للشخص للصور المرتبطة بهويته والمحفوظة في قواعد بيانات مختلفة أو متاحة للجمهور على الإنترنت، مثل صور المشبوهين لدى الشرطة أو صفحات وسائل التواصل الاجتماعي.
وتتوسع الشرطة والمتاجر والمطارات والساحات الرياضية في استخدام كاميرات وتقنيات التعرف على الوجوه بصورة متسارعة ومتزايدة، لكن المعارضين لها يقولون إن نتائجها غالباً ما يتم الأخذ بها دون التحقق من مدى تطابقها مع الشخص، رغم وقوع أخطاء كثيرة.
شرطة ديترويت تعتقل سيدة "لا علاقة لها" بالسرقة
وتناول تقرير لصحيفة The Independent البريطانية، عنوانه "لماذا يمثل استخدام الشرطة تقنيات التعرف على الوجه تهديداً للعدالة؟"، رصد عدة حالات لاعتقال مشتبهين بارتكاب جرائم من خلال التكنولوجيا سريعة الانتشار.
ففي يوم 16 فبراير/شباط 2023، كانت بورشا وودروف تساعد أطفالها على الاستعداد للمدرسة عندما وصل 6 من ضباط شرطة ديترويت إلى بابها، وأخبروها بأنها رهن الاعتقال بتهمة سرقة سيارة والنهب في يناير/كانون الثاني. وكانت مصدومة للغاية لدرجة أنها تساءلت للحظة عمّا إذا كانت تتعرض لمقلب.
وقالت بورشا لصحيفة The Independent: "فتحت باب منزلي حتى يتمكنوا من رؤية بطني المنتفخ. وقلت لهم: أنا حامل في الشهر الثامن. ويمكنكم رؤية سيارتين في الممر؛ فلماذا قد أسرق سيارة؟ لا بد أنكم مخطئون".
وعَلِمَت لاحقاً أنَّ الشرطة حددت أنها مُشتبه بها بعد تمرير لقطات أمنية عبر برنامج التعرف على الوجه التابع للإدارة، بالاعتماد على لقطة مأخوذة عام 2015 من عملية اعتقال مروري سابقة، حيث أشارت فيها ضحية سرقة السيارة إلى بورشا باعتبارها المعتدي عليها، بعد طابور عرض المشتبه بهم.
وأسقطت إدارة شرطة ديترويت الدعوى في النهاية، لكن عملية الاعتقال أثرت في بورشا بشدة بطبيعة الحال. وتُسلِّط هذه القضية الضوء على المخاطر المتزايدة لانتهاكات الحقوق المدنية؛ إذ يزداد تبني أقسام الشرطة ووكالات إنفاذ القانون في جميع أنحاء البلاد تقنيات التعرف على الوجه وغيرها من تقنيات المراقبة الجماعية، التي غالباً ما تُستخدَم كاختصار غير موثوق لإجراءات الشرطة البشرية المنهجية.
ويحتج المدافعون عن العدالة الجنائية والأشخاص الذين استُهدِفوا بتكنولوجيا الشرطة المزدهرة هذه بأنَّ هذه البرامج مليئة بنفس التحيزات وضعف الرقابة أو غيابها، التي تتخلل إجراءات الشرطة عامةً.
وتناول موقع Axios الأمريكي قصة الانتشار السريع لتقنية التعرف على الوجوه وما يكشفه ذلك من مخاطر مقلقة، إذ تتيح ميزة التعرف على الوجه أيضاً فتح قفل الهواتف الذكية والأجهزة اللوحية دون الحاجة لكلمة مرور، وهو ما يمثل ثغرة يمكن أن يساء استغلالها.
كاميرات المراقبة/ GettyImages
حتى النتائج المبكرة لهذه التكنولوجيا لم تكن مشجعة، إذ أُلقِي القبض على ما لا يقل عن 6 أشخاص في جميع أنحاء الولايات المتحدة ظلماً باستخدام تقنية التعرف على الوجه. وكلهم من السود. ومع ذلك، لم تمنع هذه الأخطاء انتشار التكنولوجيا في جميع أنحاء البلاد؛ إذ يستخدمها ما لا يقل عن نصف وكالات إنفاذ القانون الفيدرالية التي لديها ضباط وربع وكالات الولايات والوكالات المحلية.
وقال ألبرت فوكس كان، المدير التنفيذي لمشروع مراقبة تكنولوجيا المراقبة (STOP)، لصحيفة The Independent: "ليست لدينا أية فكرة عن عدد المرات التي أخطأت فيها هذه التكنولوجيا في التعرف على هويات الأشخاص من وجههم". وأضاف: "عند استخدام تقنية التعرف على الوجه آلاف المرات، دون أية مساءلة عن الأخطاء، فهذا ينذر بغياب العدالة".
ولم يكن هذا الظلم أوضح في أي مكان منه في ديترويت، وهي المدينة التي عانى فيها السود منذ فترة طويلة من فرط الإجراءات الشرطية التي تمارسها سلطات إنفاذ القانون. وكان 3 من الأشخاص الستة الذين أُلقِي القبض عليهم ظلماً بسبب تكنولوجيا التعرف على الوجه في ديترويت، وفقاً لاتحاد الحريات المدنية الأمريكي.
مقاضاة الشرطة بسبب تقنية التعرف على الوجه
وهذا الوضع الراهن هو السبب وراء رفع بورشا وودروف دعوى قضائية ضد إدارة الشرطة في ديترويت، زاعمة أنَّ الوكالة انخرطت في "نمط من التمييز العنصري" ضدها وضد السكان السود الآخرين "باستخدام ممارسات تكنولوجيا التعرف على الوجه التي ثبت أنها أخطأت في التعرف على المواطنين السود بمعدل أعلى من الآخرين، في انتهاك للحماية المتساوية التي تكفلها قوانين الحقوق المدنية في ميشيغان"، من بين انتهاكات أخرى.
وبعد أن رفعت بورشا الدعوى، قال رئيس شرطة ديترويت، جيمس وايت، في مؤتمر صحفي في أغسطس/آب الماضي، إنَّ "سوء جودة أعمال التحقيقات" وليس تقنية التعرف على الوجه، هو ما أدى إلى الاعتقال الخاطئ. وادعى أنَّ برنامج إدارة الشرطة أعطى المحققين العديد من المشتبه بهم المحتملين وكان المقصود منه فقط أن يكون نقطة "انطلاق" لمزيد من التحقيق.
العدالة يفترض أن تكون عمياء
وتابع وايت: "ما حدث هو سوء سير التحقيقات بشدة، مما أدى إلى اتخاذ عدد من القرارات غير المناسبة طوال العملية، وهذا شيء يلتزم هذا الفريق بتصحيحه، بل بتطبيق المساءلة والشفافية مع هذا المجتمع. وعلى الفور، ضمان عدم حدوث ذلك أبداً عند بناء سياسات العمل بغض النظر عن الأداة المستخدمة".
وأضاف رئيس شرطة ديترويت أنه لن يُسمَح للضباط باستخدام الصور التي أنتجتها برامج التعرف على الوجه في طوابير عرض المشتبه بهم، ويجب أن يراجع قائدان مذكرات الضبط والإحضار المستندة إلى مطابقات برامج التعرف على الوجه.
هل يمكن تطبيق "الدليل والاستنتاج" لمنع الأخطاء؟
بيد أنَّ البعض غير مقتنع بأنَّ هذه التغييرات ستمنع الانتهاكات التي تتسبب بها التكنولوجيا التي يرونها معيبة تماماً. وقال فيليب مايور، كبير المحامين باتحاد الحريات المدنية الأمريكي في ميشيغان، لصحيفة The Independent: "التكنولوجيا معيبة، وغير دقيقة. وأكدت لنا الشرطة مراراً وتكراراً أنها تُستخدَم فقط لتكون مقدمة للتحقيقات، لكن ما نراه هنا في ديترويت هو أنها تُستخدَم دليلاً ووسيلة استنتاج".
وتشير الدراسات إلى أنَّ خوارزميات التعرف على الوجه، التي استُخدِمَت للقبض على المشتبه بهم في القضايا البارزة مثل اقتحام الكابيتول، تفشل أيضاً في تحديد الأشخاص السود والنساء بدقة؛ مما يؤدي إلى تفاقم عدم المساواة في الاعتقالات، لأنَّ مجموعات بيانات التدريب على الصور غالباً ما تفتقر إلى التنوع الكامل.
ومع ذلك، يقول كبير المحامين مايور إنَّ أقسام الشرطة تجعل الأمور أسوأ من خلال الفشل في توفير التدريب الأساسي على التكنولوجيا والتحقيق المنطقي بجانب استخدام أدوات التعرف على الوجه.
ويُمثِّل مايور رجلاً من ديترويت، يدعى روبرت ويليامز، الذي أُلقِي القبض عليه ظلماً بتهمة سرقة متجر راقٍ في ديترويت في عام 2020. وعمل ويليامز مقاولاً أمنياً يعمل في المتجر مع شرطة المدينة والولاية، وكانت أدوات التعرف على الوجه هي ما حددته بأنه المشتبه به.
ويكشف وثوق الشرطة بأنَّ ويليامز هو الرجل المناسب عن مدى سوء التنظيم في الاستخدام العملي لتقنية التعرف على الوجه، وفقاً لمحامي اتحاد الحريات المدنية الأمريكي. وعقب واقعة السرقة، بحثت الشرطة في قاعدة بيانات تحتوي على صور سابقة لويليامز ورخصة قيادته الحالية.
عناصر من الشرطة الأمريكية في ولاية نيو مكسيكو – رويترز
وأوضح مايور: "واختارت 486 شخصاً هم الجناة الأكثر احتمالاً. لكن لا توجد رخصة قيادة واحدة أخرجتها نتيجة البحث هي رخصة قيادته الحالية، على الرغم من أنَّ رخصة قيادته الحالية موجودة بالفعل في قاعدة البيانات التي بحثت فيها الشرطة. ويبدو هذا دليل براءة واضحاً، وهو الأمر الذي قد يقودك إلى القول: إذا كانوا يفكرون فعلاً، فهذا ليس الرجل الصحيح".
عند استخدام هذه المطابقات المشكوك فيها لبناء طابور عرض المشتبهين، فإنَّ عمل الشرطة المشكوك فيه يتخذ مظهراً شبه واقعي، ويختار الشهود من بين مجموعة من الأشخاص الذين قد لا يكون لديهم أي رابط موثوق بجريمة وقعت، لكنهم ربما يشبهون الجاني الحقيقي.
وقال محامي اتحاد الحريات المدنية الأمريكي: "هذه التكنولوجيا خطيرة عندما تخفق في العمل. بل تصير أخطر عندما تنجح؛ إذ يمكن استخدامها حينها للمراقبة المنهجية في جميع الأماكن المهمة بحياتنا الخاصة".
هل ازدادت عنصرية الشرطة؟
وديترويت ليست المكان الوحيد الذي يتصارع مع تأثيرات وأخطاء هذه التكنولوجيا. ففي لويزيانا، أدى استخدام تقنية التعرف على الوجه إلى اعتقال رجل من جورجيا ظلماً بسبب سلسلة من سرقات المحافظ. وقضى رجل في بالتيمور تسعة أيام في السجن بعدما أخطأت الشرطة في مطابقة هويته بهوية مشتبه به اعتدى على سائق حافلة. وأجرى قسم شرطة بالتيمور ما يقرب من 800 عملية بحث للتعرف على الوجوه في العام الماضي. وأضيفت هذه القضايا وغيرها إلى قائمة متزايدة من الأشخاص المتهمين خطأً في عصر جديد من التنميط العنصري الذي تغذيه التكنولوجيا بما يفوق سريعاً قدرة الشرطة والمُشرِّعين على إصلاحها.
وغالباً ما تكون برامج التعرف على الوجه "قوة مُضاعِفَة لعنصرية الشرطة"؛ مما يؤدي إلى تفاقم الفوارق العرقية وتضخيم التحيزات القائمة بالفعل، وفقاً لما ذكره ألبرت فوكس كان، المدير التنفيذي لمشروع مراقبة تكنولوجيا المراقبة (STOP).
كما يمكن أن يؤدي ذلك إلى حلقة مفرغة، إذ يواجه الأشخاص السود والملونون بالفعل معدلات اعتقال غير متناسبة مقارنة بغيرهم. وتعني هذه الاعتقالات أنهم أكثر عُرضة للدخول إلى قاعدة بيانات الوجوه التي تخضع للتحليل والاستخدام في تحقيقات الشرطة. وبعد ذلك، تُستخدَم تقنية التعرف على الوجه المشوبة بالأخطاء لتمشيط قواعد البيانات هذه، وغالباً ما تفشل في التمييز بين الأشخاص السود والملونين، خاصةً النساء السود.
ويوضح فوكس كان: "لذا فإنَّ الخوارزميات متحيزة، لكن هذه مجرد البداية، وليست النهاية للظلم". ويحذّر مناصرو حقوق الإنسان من أنَّ هذه التكنولوجيات جزء لا يتجزأ من برامج المراقبة الجماعية الأوسع نطاقاً التي غالباً ما تفتقر إلى الرقابة العامة القوية.
وأضاف فوكس كان: "لقد شهدنا رد فعل منسقاً من إدارات الشرطة ضد نوع الرقابة ذاته الذي تمارسه الوكالات الحكومية، لأنها لا تريد أن تخضع للمساءلة".
وتابع : "إذا تعاملنا مع بائعي تكنولوجيا المراقبة بالطريقة نفسها التي نعامل بها بائعي التكنولوجيا الآخرين، فسنرى فضائح مثل شركة Theranos، وستعتقل الشرطة بعض هؤلاء البائعين بتهمة الاحتيال بدلاً من منحهم عقوداً حكومية. لكن لا توجد مساءلة".