- ℃ 11 تركيا
- 19 نوفمبر 2024
التحول الدفاعي الألماني.. هل تفتح حرب أوكرانيا الباب لتوسيع العلاقات مع الخليج؟
التحول الدفاعي الألماني.. هل تفتح حرب أوكرانيا الباب لتوسيع العلاقات مع الخليج؟
- 6 مارس 2022, 1:39:10 م
- تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
ألقى المستشار الألماني "أولاف شولتز" خطابا أمام جلسة خاصة لـ"البوندستاغ"، (مجلس النواب الألماني)، في 27 فبراير/شباط. وفي ما يمكن اعتباره خطابا تاريخيا ردا على تصرفات الرئيس الروسي "فلاديمير بوتين" في أوكرانيا، قال "شولتز" إن بلاده قررت تخصيص مبلغ 100 مليار يورو (113 مليار دولار) في صندوق خاص لتحديث الجيش، كما أعلن زيادة الإنفاق الدفاعي إلى 2% من الناتج المحلي الإجمالي وبناء محطتين للغاز الطبيعي المسال بسرعة.
وتعهد المستشار الألماني بإرسال أسلحة إلى أوكرانيا على عكس السياسة الألمانية السابقة. وقالت وزيرة الخارجية الألمانية "أنالينا بيربوك"، خلال نفس الحدث: "إذا كان عالمنا مختلفا، فيجب أن تكون سياستنا مختلفة أيضا". ومع ذلك، لا يزال هناك سؤالان عالقان يمكن أن يكون لهما تأثير على إعادة توجيه السياسة الخارجية الألمانية.
أولا: هل ستقطع روسيا إمدادات الغاز من "نورد ستريم" والتي كانت سببا في الحفاظ على علاقات مستقرة بين برلين وموسكو في فترة ما بعد الحرب الباردة، وساعدت روسيا على تكديس احتياطيات من الذهب والعملات الأجنبية بلغت 635 مليار دولار. ومن المرجح أن تُستخدم هذه الأموال لمساعدة روسيا على تحمل ضغوط العقوبات الاقتصادية. وبالرغم أن ألمانيا أوقفت "نورد ستريم 2"، الذي تقدمت شركة تشغيله بطلب إفلاس، إلا أنها لا تزال بحاجة إلى الغاز الروسي على المدى القصير.
وينطوي السيناريو الأكثر احتمالا على تخفيض كمية الغاز القادمة من خط أنابيب "نورد ستريم" إلى جانب تعظيم النمو في طاقة الرياح والتحول إلى مولدات الحرارة المحلية المعالجة بالهيدروجين.
ثانيا، هل ستتجاوز ألمانيا "قاعدة الديون" المتضمنة في الدستور الألماني منذ عام 2009 للحد من الاقتراض الحكومي إلى 0.35% من الناتج المحلي الإجمالي. وربما يؤدي تجاوز "قاعدة الديون" إلى تعزيز الميزانية والنفقات الألمانية وزيادة التأثير في مجالات السياسة الخارجية. وإذا تم تنفيذ هذه المراجعات، فسوف تمثل تراجعا جوهريا عن عقود من سياسات الحزب الاشتراكي الديمقراطي العتيقة.
ويعتبر التحول في التمويل العسكري وحده أمرا مذهلا حقا من "تحالف إشارة المرور"، الحزب الديمقراطي الاجتماعي (الأحمر) والحزب الديمقراطي الحر (الأصفر) وتحالف (الخضر). وسيمنح ذلك ألمانيا صوتا أكبر في مجموعة واسعة من القضايا في الشؤون الدولية. ومع زيادة الإنفاق العسكري، يمكن لألمانيا أن تكون مثالا يحتذى به يشجع الحلفاء الآخرين في الاتحاد الأوروبي وحلف "الناتو" على تبني سياسة مماثلة.
سياسة ألمانيا في الخليج
وفي الشرق الأوسط، تمكنت ألمانيا من الاستفادة من علاقاتها الوثيقة مع إيران، والتي تطورت في الأصل عندما كانت قوة عظمى خلال القرن الـ19، ومع إسرائيل، والتي تطورت كجزء من سياسة المصالحة التي تتبعها مع اليهود منذ نهاية الحرب العالمية الثانية.
وكانت العلاقات الثنائية مع إيران مفيدة في الحفاظ على حوار مجموعة الدول الأوروبية الثلاث (ألمانيا وفرنسا والمملكة المتحدة) مع إيران من أجل التفاوض على الاتفاق النووي "خطة العمل الشاملة المشتركة"، وفي إطار عمل المجموعة الرباعية (بإضافة إيطاليا) مع إيران فيما يتعلق باليمن.
وفيما يتعلق بالعلاقات الاقتصادية بين ألمانيا ودول الخليج، فقد تمحورت لفترة حول مفاوضات اتفاقية التجارة الحرة بين الاتحاد الأوروبي ومجلس التعاون الخليجي، والتي انطلقت عام 1990 وتعززت بتطورات مثل السوق الأوروبية الموحدة عام 1992 وإطلاق السياسة الخارجية والأمنية المشتركة للاتحاد الأوروبي عام 1993.
ومع ذلك، لم تتطور المفاوضات بالفعل إلا بعد إنشاء الاتحاد الجمركي لمجلس التعاون الخليجي في عام 2003. وانتهت المحادثات في عام 2008 دون نتيجة بسبب الخلاف حول رسوم التصدير. وتم إطلاق برنامج العمل المشترك، الذي كان من المتوقع أن يوسع التعاون في 14 مجالا استراتيجيا رئيسيا، بما في ذلك القضايا الاقتصادية وقضايا الطاقة والسلامة النووية، من 2010 إلى 2013، ولكن لم يتم استئنافه.
وفي عام 2017، تم إطلاق حوار أكثر رسمية بين الاتحاد الأوروبي ومجلس التعاون الخليجي حول التجارة والاستثمار. ويعد الاتحاد الأوروبي ثاني أكبر شريك تجاري لمنطقة الخليج بعد الصين، حيث بلغت تجارة السلع 97.1 مليار يورو (نحو 108 مليار دولار) في عام 2020.
ويعد أكبر شريك تجاري لألمانيا في منطقة الخليج هو الإمارات، تليها السعودية. وتتبنى هاتان الدولتان الخليجيتان استراتيجيات تنويع اقتصادي يمكن أن توفر فرصا للتعاون في مجالات مثل الرعاية الصحية والتعليم والبنية التحتية والطاقة المتجددة. وبالرغم من نقص الاستثمار الألماني في المنطقة، إلا أن الحكومة الألمانية تعمل على تكثيف التعاون مع السعودية والإمارات وسلطنة عُمان في مشاريع الهيدروجين الأخضر منذ عام 2021.
ومع تصنيف قطر مؤخرا كحليف رئيسي للولايات المتحدة من خارج "الناتو"، فقد يشجع ذلك مزيدا من التعاون بين قطر وألمانيا. وتتمثل الخطوة المنطقية الأخرى في قيام ألمانيا ببناء علاقات مع إيران في مجال الطاقة، حيث تشترك إيران مع قطر في حقل غاز "جنوب بارس". وسيتوقف ذلك على عودة الولايات المتحدة وإيران إلى خطة العمل الشاملة المشتركة، لكنه لا يخلو من المخاطر الجيوسياسية، بما في ذلك العلاقات الوثيقة بين روسيا وإيران.
وبلغ حجم التجارة الإماراتية الألمانية 7.5 مليار يورو (نحو 8.3 مليارات دولار) في عام 2020 وهو ما كان أعلى من التجارة الإماراتية الفرنسية بدون مبيعات الأسلحة في نفس الوقت تقريبا. لكن فرنسا، مثل الولايات المتحدة والمملكة المتحدة، وبشكل متزايد روسيا والصين، تحافظ على بعد أكثر استراتيجية من خلال عمليات بيع الأسلحة، ما يزيد من حجم تجارتها الإجمالية مع الإمارات. وبلغت قيمة مبيعات الأسلحة الفرنسية إلى الإمارات 8.3 مليارات يورو في عام 2019، وباعت فرنسا 80 طائرة مقاتلة من طراز "رافال" إلى الإمارات في عام 2021 في صفقة قياسية بلغت 14 مليار يورو.
والمثير للدهشة أن الرئيس الفرنسي "إيمانويل ماكرون" وصف موقف المستشارة الألمانية آنذاك "أنجيلا ميركل" بشأن صادرات الأسلحة بعد مقتل الصحفي السعودي "جمال خاشقجي" بأنه "ديماجوجية خالصة" وسعى إلى اكتساب ميزة تنافسية من خلال كونه من أوائل القادة الغربيين الذين زاروا المملكة في أعقاب ذلك.
وتستثمر فرنسا أيضا في المزيد من التعاون الثقافي، بما في ذلك أفرع لمؤسساتها العريقة في الإمارات، مثل جامعة السوربون ومتحف اللوفر بأبوظبي، بالإضافة إلى قاعدة عسكرية دائمة في أبوظبي أيضا. ويشكل ذلك جزءا من استراتيجية التحوط التي تتبعها الإمارات، وهي استراتيجية للأمن القومي تتميز بعلاقات موجهة نحو تنويع القوى الصديقة.
وعلى الصعيد السياسي، بعد أن أدلى وزير الخارجية الألماني الأسبق "زيجمار جابرييل" بتعليق حول المغامرة السعودية في الشرق الأوسط بعد اعتقال رئيس الوزراء اللبناني "سعد الحريري" في الرياض والحرب في اليمن، سحبت المملكة سفيرها لدى ألمانيا ورفضت اعتماد سفير ألمانيا لديها. وتراجعت الصادرات الألمانية إلى المملكة لاحقا بنسبة 5% في النصف الأول من عام 2018 قبل احتواء تداعيات التعليق في وقت لاحق من ذلك العام.
وإذا اختارت ألمانيا بناء علاقاتها مع دول مجلس التعاون الخليجي من خلال إدخال تعديلات على سياستها الخاصة بتصدير الأسلحة، فلا شك أنها ستكون موضع ترحيب من هذه الدول المهتمة بتنويع ترتيباتها الدفاعية. ومع ذلك، قد تستمر ألمانيا في مواجهة قضايا سياسية غير متوقعة تؤثر على علاقاتها مع دولة أو أكثر من دول مجلس التعاون الخليجي. وتقف العلاقات الوثيقة بين الإمارات وروسيا في تناقض صارخ مع العلاقات بين دول "الناتو" وروسيا.
ومن الصعب أيضا رؤية تعاون عسكري بين ألمانيا والسعودية في حال استمرار التعاون العسكري روسيا والمملكة.
لكن من الممكن أن تتكشف فرص أخرى للتعاون في الوقت الذي تحاول فيه دول مجلس التعاون الخليجي تحقيق التوازن بين الولايات المتحدة وروسيا والصين.
دور الولايات المتحدة في سياسة ألمانيا الخليجية
على مدى عقود، كانت الولايات المتحدة حاسمة في تشكيل علاقات ألمانيا مع دول الخليج. وطلب وزير الخارجية الأمريكي السابق "جيمس بيكر" إجراء محادثات مع ألمانيا لدعم السعودية خلال حرب الخليج، وهو الأمر الذي وافق عليه المستشار "هيلموت كول".
وبينما رفضت ألمانيا الانضمام إلى التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة في العراق، قام المستشار الألماني آنذاك "جيرهارد شرودر" بجولة في الخليج عام 2003 وقرر العمل مع الإمارات في تدريب الشرطة والجيش العراقيين، وذلك جزئيا للحفاظ على العلاقات الودية مع واشنطن. ودعمت ألمانيا التحالف الذي قادته الولايات المتحدة ضد تنظيم "الدولة الإسلامية" في العراق والشام ولكن تركز دورها على أدوار غير قتالية.
ومن المؤكد أن الولايات المتحدة سترحب بهذا التحول الكبير لدى حليف رئيسي في مكافحة التهديدات التي يواجهها الاتحاد الأوروبي وحلف "الناتو".
ولا شك أن انتباه ألمانيا تحول عن الخليج بفعل عوامل تشتيت مختلفة على مدى السنوات الماضية مثل أزمة ديون عام 2009 وأزمة المهاجرين عام 2015 ووباء فيروس كورونا والتحالف الجديد في الحكومة الألمانية الذي تم تشكيله بعد انتخابات ديسمبر/كانون الأول 2021.
وحاليا تهيمن الأزمة الأوكرانية على عملية صنع القرار في برلين. وبينما ستستمر سياسات ألمانيا في الخليج في التشكل على أساس سياسة الطاقة وسياسة الولايات المتحدة وغيرها من الاعتبارات الجيوستراتيجية، فإن هذه العوامل جنبا إلى جنب مع المزيد من الاستثمار قد تمنح ألمانيا في النهاية ميزة تنافسية أكبر (من الدول المنافسة في الاتحاد الأوروبي) في العلاقات مع دول خليجية معينة.
المصدر | روبرت ماسون - معهد دول الخليج في واشنطن