- ℃ 11 تركيا
- 25 ديسمبر 2024
البحر بيضحك ليه سينما القليوبي الشاملة
البحر بيضحك ليه سينما القليوبي الشاملة
- 12 مايو 2021, 4:26:35 م
- 942
- تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
في قاع البحر تنام الكثير من الأحلام منها الحلو ومنها المر وكذلك الساخر والجاد ولا يطفو على السطح من بينها الا الحلم الأجدر بالفوز
يتنسم عبير الحياة إلا صاحب الحلم الأكثر جسارة وإرادة واصرار على المحاولة .
" الحلم الاول "
يجلس حسين الموظف المنضبط على مكتبه ومعه زملاء العمل ؛ ويطلبه المدير ليحضر فورا فلما قام واعتدل وهم بالدخول على المدير فإذا بالزملاء يستوقفونه معترضين على دخوله بالبنطلون
وهم يرتدون الملابس الداخلية وعندما يصر حسين على الدخول بالبنطلون نرى المدير يصرخ معترضا هو الآخر بدخول الموظف حسين عليه
وهو يرتدي البنطلون فلا يصح أن يرتدي حسين البنطلون هكذا ويدخل على المدير الذي يلبس كما يلبس زملاء حسين تماما "
ينتهي الحلم ويستيقظ حسين على صوت زوجته ولكزتها وهي تقول ؛ البنطلون البنطلون؛ انت نايم بالبنطلون ؛ هكذا ربط محمد كامل القليوبي بين الحلم والواقع في مشهدين متتابعين
ويقدم لك الزملاء اللذين لا يحبون الكلام عن الأخبار بكل أشكالها مهما بدت عادية لان ذلك " سياسة " ويجب أيضا أن يسمعون كلام المدير
ويمدحونه ويسمعونه آيات الحب والتقدير والاحترام كما يقدم الزوجة النكدية التي تحرص كل ذلك الحرص على ايقاظ زوجها النائم بالبنطلون لنعرف كم هي متصلبة وخشنة وقاسية رغم نعومة حسين وطيبته وأدبه
الذي يظهر في سلوكه مع زملاء العمل ؛ كما أن لحسين اخت عانس تعيش معه ؛ فلك أن تتخيل كيف تكون حياة موظف يعيش مع زوجة متصلبة وأخت عانس ؛ إنه لم يولد أصلا الا ليفض نزاعاتهما ويحل المشكلات التي ينسجها الهواء بلا كسل أو إبطاء .
" صدمة حسين العملية "
يذهب حسين إلى عمله في الميعاد ولكنه يجد أحد الموظفين الاكثر انصباطا من حسين رغم انف حسين نفسه ؛ ويراهن حسين يوميا على من يذهب إلى العمل أولا ويخسر حسين الرهان يوميا وهو فوق انضباطه _
اي المراهن _ وقت الحضور متدين أيضا وخير ويمشي في الخير ويطلب من حسين أن يساهم في بناء مسجد ليعطيه الاخير المال بلا تردد ؛
وتأتي اخبار عن نية المدير في تشكيل شركة خاصة به وسيأخذ بعض الزملاء الأوفياء له للعمل معه ولن يحدث عند ذلك خللا طبعا لان حسين جد نشيط ويعمل بكل ضمير ورضا وأدب وطاعة عملية ليست كلاما ؛ طاعة لرزقه ولقمة عيشه وضميره .
يجهز حسين على شغل الزملاء في وقت وجيز ويأتي كشف المكافأة دون أن يكتب فيه اسم حسين ليذهب حسين معترضا إلى الموظف المسؤول لينصحه بالتركيز في مصلحته الخاصة
وأن كل الشغل الذي يتعب فيه يقدم بأسماء الزملاء خاصة ذلك المراهن الذي يراهنه يوميا ؛ ان له منزلا في أسفله يقوم مسجد صغير حتى لا يدفع خدمات الماء والكهرباء وخلافه ؛ يجب أن يشغل حسين دماغه كما يفعل الزملاء المدردحينن .
" صدمة حسين الاجتماعية "
لم تتوقف المأساة عند غياب اسم حسين من الكشف بل جاء أمر نقل لحسين من الإسكندرية إلى المنيا عروس الصعيد يجب أن ينفذ في الحال
كما أن هناك حملا كاذبا لزوجته تكرر كثيرا على مدار عشرة سنوات ؛
فانغلقت الدنيا في وجه حسين ولم يعد أمامه إلا شلة الاصدقاء اللذين يلعبون الطاولة بنفس القدر اللذين يحبون فيه النساء حتى أن واحد منهم يظن دائما أن هناك امرأة في مكان ما تغمز له اعجابا به ؛
تنطلق الشلة الا الملهى الليلي ؛ لتظهر مسألة جاذبية الشلة في الأمور النسائية ماهي الا أكذوبة إلى ذلك الحد اللذي لعبت فيه الطاولة على المائدة لان لا احد من النساء يعيرهم اي اهتمام .
ليست من عادات حسين أن يتأخر في مثل هذه الأوقات ؛ تقلق زوجته عليه ثم تستدعي شقيقها وهو مفتش مباحث المنطقة ليكلف أحد الضباط بالبحث عنه ولما يعثر عليه يلقي به داخل التخشيبة لتفسد سمعة " حسين "
عند الاصدقاء اللذين يخشون السياسة أيضا ومؤكد أن حسين لم يخطف من وسط الملهى الليلي هكذا الا لأسباب سياسية .
" الحلم الثاني "
يأتي الزملاء وراء بعضهم وهم يرتدون مايوهات البحر ويرصون ملفات الشغل على مكتب حسين الذي يتحرك مع اندفاع المياة ليترك حسين الملفات
ويفك ازرار قميصه ويخلع ملابسه شوقا للبحر ليعترض الزملاء كما اعترضوا في الحلم الاول ؛ مجنون ؛ مجنون .
ونرى الربط الثاني بصوت الزوجة وهي تقول ؛ مجنون مجنون ؛ هتفضل طول النهار نايم متلقح كده ,؛ قوم روح الشغل ؛ وتتدخل الاخت العانس لينشب عراكا يتكرر
كلما تنفس حسين المسكين ليخرج من المنزل وينفذ الجنان الحقيقي على أصوله كما يراه أولئك الجمع العاقل من الناس ولكنه جنونا ثريا وله وجوه كثيرة نافعة يكشف عنها الفيلم بروح حالمة لا تكف عن التجربة والمحاولة
" حسين يصافح أقفية الجميع "
يتخلى حسين عن ذلك الشكل الاجتماعي والذي ينادى به الجميع ويتحدثون بالكلام فقط ويصبون الظلم كل الظلم على من يترجمه عمليا بكل أمانة امثال حسين الذي ثا
وانطلق ليضرب جميع من ينغص عليه حياته بالكفوف ؛ عشرة أقلام ملهلبة تطرقع على وجوه أسرته وزملاء العمل بمديرهم الذي قرر أن ينفيه إلى صعيد مصر والأصدقا
اللذين لم يكونوا أصدقاء يوما ؛ فلم يصدق حسين يوما أن هناك صديق يطعن سمعة صديقه كما فعلت شلة الطاولة الموقرة التي أخرج لها لسانه ساخرا
وأخبرهم أنه لم يسجن الا لأسباب سياسية فعلا بل أنها خطيرة أيضا وتركهم غارقين في بحر خوفهم وقلقهم من السياسة وناسها .
" حسين يحصل على الحرية "
يقطع حسين دفاتره القديمة ؛ اي أنه بعد كل قلم نزل به على صدغ شخص يعرفه كان يمزق خلفه دفترا كاملا غير كافرا بمعنى الصداقة ؛
انه لم يخرج الى الشارع بلا مسكن أو شغلة الا نشدانا لأمور كثيرة من بينها الصداقة والحب والصدق
وكل ما يتسبب في نشوء حالة الطيران التي يكون عليها الاطفال عندما يطيرون طياراتهم الورق .
" الوجه الاخر للجنون "
بعيدا عن المكاتب والنوادي والعمارات يدب حسين يده البريئة في قلب الشارع الطيب ويحصل على صداقات جديدة ليشكل أسرة ثانية بل ثالثة ورابعة ؛
يعرف سيد بص الذي يعمل في مجال الدعاية بعد أن كان حرامي خزن عجب ؛ يقف سيد بص في الشارع دوما وينادي ؛ بص بص ؛
اي انظر الى السلعة التي نعلن عنها ؛ مرتديا كاسكيت اسود مرسوم على بالإنجليزية بوص Boss.. سيد بوص فعلا بين قاطني الشوارع وصياعه وكل من يعرف سكة شقاوة
وكان الباب الذي دخل حسين منه إلى بنات الليل والحواة وكل من كان على نقيض نسخة حسين القديمة . الذي اتهمه الناس بالجنون فعن أي جنون مثلا يتحدث شقيق الزوجة
الذي طلقها حسين فورا بمجرد أن حاول نسيبه الضابط أن يرجعه إلى منزله وزوجته ساخرا منه ومن تلك البكوية التي يغمرونه الناس بها قبل كل نداء .
-البنات اللي واقفين دول اشرف منك ومن عيلتك كلها .
قالها حسين لنسيبه عندما حاول إبعاد بنات الليل عنه ؛ ورد له الصاع صاعين عندما أخبر الضابط المسؤول عن القبض على البنات وحسين نفسه في قضية دعارة بعيدة كل البعد عن حسين
الذي رفض أن يمارس الحب مع أية فتاة بدون حب ؛ يطلب حسين من الضابط أن يحضر المأذون ليعقد قرانه على خطيباته الاربعة
وانه لا يسمح لأحد بإهانتهن ويتزوجهن حسين فعلا رغم حبه الشديد لابنة صديقه الحاوي ولكنها مسألة إنسانية سرعان ما انتهت بزواج حسين من ابنة الحاوي وطلاق الأربعة زوجات ..
وتستحسن احداهن عيشة البيت ولو غرفة واحدة وظل الرجل الذي يظلل عليها وذلك الامان الذي ستفقده عندما تعود إلى عملها القديم لنرى كيف يفعل الجنون فينا ؛
كيف يفعل الخروج عن المعتاد والمألوف ومد يد العون إلى أولئك الذين نظن أن القبح لن يغادرهم دون أن ننظر لأنفسنا .
"حسين البني ادم يحب نعيمة "
في مشهد كاشف لطبيعة سوق العمل القائمة ؛ يتبادل حسين الرأي مع الفتيات عن العمل الحر والعمل غير الحر ؛ عن الكسل الحر الذي تفعله الفتيات مع زبائنهن والكسل الآخر الذي ينام في المكاتب والادراج
ويجيب حسين عن نوعية وظيفته ويقول أنه " بيشتغل بني ادم " بني ادم بيحب ؛ انا بحب يا بص " حسين يحب ويتزوج حسين من النعيمة أو النعمة التي نزعها حسين من بين أنياب اسفلت الشارع
وتمرض الزوجة مرضا شديدا ويدخل حسين في نوبة خوف شديدة ؛ خوف من ضياع النعمة و الحلم الذي اختاره من سائر الاحلام ؛ حلم الاختيار وانسجام المرء مع ما يختار كانسجام الاطفال مع سباحة الطيارات الورق في سماء الدنيا .
" الحلم الثالث "
وسط الدخان الكثيف ؛ تنزل الساعة ونسمع عليها كلمة اتاخرت ؛ اتاخرت؛ ونرى حسين يرتدي جلابية بيضاء وينادي على زوجته الحامل لتستكمل معه الحلم والطريق
والرحلة ويستمر الصوت "اتاخرت" ونسمع حسين وهو يتذكر الوصايا العشرة أو النصائح العشرة المكتوبة على كراسة المدرسة ؛ يشحذ حسين ذهنه ويتذكر النصيحة الاولى
" اغسل يديك قبل الاكل وبعده " ونرى جماعة من الناس لا يظهر من ملامحهم شيئا يلتفون حول طعام يرسم صورة جسد بشري " ثم نسمع من جديد اتاخرت اتاخرت ؛ ويستمر شحذ الذهن لنسمع نصيحة أخرى بعدما نرى الطفل يرفع الطيارة الورق
" اطع والديك ومن هم اكبر منك سنا " ونرى اليد تضرب جسم الهون ؛ اسمع كلام امك ؛ اسمع كلام ابوك ؛ اسمع كلام مدرسك ؛ مديرك ؛ وزيرك ؛ اسمع كلام رئيسك .
ونسمع اتاخرت اتاخرت وبعدها نصيحة أخرى " احترم الكبير واعطف على الصغير " ونرى القماش الذي يلف الحيز اللي يقف فيه حسين تشتعل فيه النار
ونسمع اتاخرت اتاخرت ونرى حسين وينتهي الحلم ويدخل سيد بص ليوقظ صديقه ليكتشف أنه ميت ويأتي مفتش المباحث لينصح بتنظيم جنازة على الضيق للمرحوم حسين الذي كان غارقا في النوم من فرط شرب الخمر
ويمشي حسين في جنازته ويسأل المشيعين عن اسم المتوفى ليجري الناس من أمامه خوفا ويلقون بالنعش على الأرض ليقف حسين منفردا بالمفتش
الذي حاول كثيرا إبعاده عن تجربته الجديدة ويكتشف حسين اسم المتوفى وينفجر في الضحك ونرى صورة البحر وهو يضحك أيضا .
" ميلادان وشهادة وفاة "
يولد حسين من جديد بعودته إلى نعيمة والحياة ويقترب ميلاد ولي العهد الذي انتظره طويلا أيضا ويموت حسين القديم بجنازة حقيقية وتصريح دفن استخرجه المفتش ليدفن فضائح حسين وجنونه المقيت في نظره
والمحمود في عين حسين ليموت القديم الى الابد وتمر مرحلة المخاض في الجديد بسلام ؛ نرى صورة البحر الذي يبتسم لقول حسين " انا اتولدت من جديد ؛ نفس الشكل ونفس اللون لكن من جوه حاجة تانية "
" بص بص "
في المشهد الاخير يأتي أحد الأطفال ومعه طيارة ورق ويطلب من سيد بص الجالس مع الأسرة الهنيئة أن ينادي على طيارته ويعلن عنها ؛ بص بص بص بص ؛
وتقرع الطبول على صوت سيد الذي يشير ومعه الطفل إلى الطيارة التي ترقص حالمة مغردة في السماء ؛ بص بص بص بص بص بص .
اي لا تستسلم لما هو قائم وانظر إلى أعلى كما شئت واحلم وافرح كما يفرح الاطفال بالطير والطيران .
محمد كامل القليوبي ؛ يقدم لنا سينما مختلفة شاملة لا هي سينما مخرج او مؤلف أو ممثل ولكن سينما الإنسان والبني ادم .