- ℃ 11 تركيا
- 5 نوفمبر 2024
الانتخابات التركية: أصوات اليمين المحافظ مفتاح الفوز
الانتخابات التركية: أصوات اليمين المحافظ مفتاح الفوز
- 7 مايو 2023, 9:32:07 ص
- تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
تعد الكتلة المحافظة في تركيا، الشريحة المجتمعية الكبرى بين مختلف مكونات الشعب التركي، ومن يكسبها من الأطراف السياسية في الانتخابات الرئاسية والبرلمانية المقرّرة الأحد المقبل، في 14 أيار/مايو الحالي، من شأنه أن يحقّق على الأرجح تفوقاً كبيراً، خصوصاً في الانتخابات الرئاسية.
سباق انتخابي على أصوات الكتلة المحافظة في تركيا
وتقدّر نسبة الكتلة المحافظة في تركيا بنحو 45 في المائة، وتسعى الحكومة التركية، وكذلك المعارضة، جاهدتين، إلى منح هذه الكتلة وعوداً من أجل حسم نتيجة الانتخابات لصالحها.
ويُحسب للرئيس التركي رجب طيب أردوغان، استمرار تلقّيه الدعم من الكتلة المحافظة التي أوصلته وحزبه "العدالة والتنمية" إلى الحكم قبل 21 عاماً، وهو ما دفع رئيس الوزراء السابق أحمد داود أوغلو (مؤسس حزب "المستقبل" المتحالف اليوم مع المعارضة الرئيسية) للقول منذ أكثر من شهرين، إن "أردوغان لا يزال يتمتع بدعم كتلة المحافظين، ويجب انتزاعها منه، من أجل تحقيق تقدم أمامه في الانتخابات".
تقدر نسبة الكتلة المحافظة في تركيا بنحو 45 في المائة
ويُقصد بالتيار المحافظ في تركيا، التيار الإسلامي المتدين والوطني. وفي حال احتساب الكتلة المحافظة المتدينة من الأكراد، ترتفع النسبة أكثر، إلا أن غالبية الناخبين الأكراد يصوتون للأحزاب القومية الكردية، وكان أردوغان قد تمكن خلال الدورات الانتخابية السابقة من الفوز بأصوات قلّة منهم.
ولعقود طويلة، بقي الصراع قائماً في تركيا بين القوى المحافظة والعلمانية، وحظيت القوى العلمانية، وخصوصاً حزب الشعب الجمهوري العلماني الكمالي، بدعم من الجيش التركي. ومع استمرار تفوق حزب "العدالة والتنمية" في الانتخابات والحكم منذ 2002، توجه الحزب الكمالي إلى الناخبين المحافظين عبر طرق عدة، منها الحديث عن مسيرة التسامح، وتعزيز حلّ مسألة الحجاب، والتحالف مع الأحزاب الإسلامية.
وعملت الانقلابات التي شهدتها تركيا خلال العقود الماضية من القرن السابق، وتحديداً في الستينيات والثمانينيات وحتى السبعينيات، على تضييق كبير طاول الكتلة المحافظة، في استمرار لممارسات طاولتهم منذ تأسيس الجمهورية، من حيث رفع الأذان بالتركية، ومنع مدارس الأئمة والخطباء، ومنع ارتداء الحجاب في المؤسسات العامة وفي المدارس والجامعات، وهو ما ترك أثراً في هذه الكتلة.
من جهته، تمكن أردوغان من حلّ الكثير من المشاكل المرتبطة بالكتلة المحافظة، وأهمها مسألة الحجاب، ودفع حزب "العدالة والتنمية" ثمن ذلك مواجهات كبيرة مع القوى العلمانية والجيش، وصلت إلى درجة محاولة الانقلاب على أردوغان في عام 2016، إلا أن أردوغان استطاع التفوق على هذه المشاكل والتحديات جميعها. ويأتي استحقاق الانتخابات في 14 مايو ليشكل تحدياً كبيراً جديداً للرئيس التركي، مع تبدل الظروف الاقتصادية وعدم تمكنه من مكافحة غلاء الأسعار، حيث بات مهدداً بخسارة دعم هذه الكتلة رغم جهوده الكبيرة التي يبذلها الفريق الحاكم للتمسك بهم.
خطاب مستمر موجّه للمحافظين
وفي مسيرة الانتخابات التركية هذا العام، واصل أردوغان مخاطبة الشريحة المحافظة، وظلّ يذكرهم دائماً كيف أنه حسم مسألة الحجاب في تركيا، وسعى إلى تقديم تعديلات دستورية للبت في هذه المسألة نهائياً، إلا أن الزلازل التي ضربت جنوب تركيا في 6 فبراير/شباط الماضي، أفضت إلى تأجيل الأمر لما بعد الانتخابات.
ويذكّر أردوغان مؤيديه دائماً بأنه عمل على إعادة فتح جامع آيا صوفيا للعبادة في عام 2020، بعد 84 عاماً من تحوّل آيا صوفيا إلى متحف، أي منذ ما بعد تأسيس الجمهورية التركية. وفي هذا الإطار، ينشر الحزب الحاكم مشاهد دائمة من الجامع وإعلانات تُذكر بما أقدم عليه في وقت كانت بقية الأحزاب السياسية في البلاد تشكك في قدرة أردوغان على تنفيذ هذا الأمر.
كما يتطرق أردوغان باستمرار إلى موضوع حماية العائلة مما يعتبرها "التيارات الشاذة" والمتحولين جنسياً، وهو أعلن لهذا الهدف في عام 2021 انسحاب تركيا من اتفاقية إسطنبول لمنع العنف ضد المرأة (قالت الحكومة التركية إن الاتفاقية تقوض الروابط الأسرية وتروج للمثلية الجنسية)، وسعى إلى إدراج تعديلات دستورية في تنظيم وتعريف العائلة، بحيث يمنع زواج المثليين.
مع استمرار تفوق "العدالة والتنمية" في الانتخابات، توجه الحزب الكمالي إلى الناخبين المحافظين بطرق عدة
وبخلاف المواضيع الاقتصادية، فإن الكتلة المحافظة يبدو أنها لا تزال ترى في أردوغان الزعيم السياسي القادر على تحقيق تطلعاتها وحماية مكتسباتها، رغم أن توجهات الناخبين، وكيفية تصويت الكتلة المحافظة، سيبقى أمراً غير معروف حتى بدء فرز صناديق الاقتراع وظهور النتائج، خصوصاً أن وعوداً أخرى قد قدّمتها أطراف مرشحة أخرى إلى هذه الكتلة.
مساعي كلجدار أوغلو لكسب المحافظين
مرشح المعارضة، زعيم حزب الشعب الجمهوري كمال كلجدار أوغلو، الذي تحالف مع الأحزاب الإسلامية "السعادة" و"دواء" و"المستقبل"، أدرك أهمية ودور الكتلة المحافظة في فوز حزب "العدالة والتنمية" على التوالي في الانتخابات منذ عقدين، ولهذا بدأ العمل بشكل مبكر على استقطاب هذه الشريحة، مطلقاً تصريحات منذ أكثر من عام تحدث فيها عن مسيرته الهادفة إلى تسامح حزبه، مع كافة شرائح المجتمع التركي، ومنها الكتلة المحافظة.
كما أعلن كلجدار أوغلو عن خطوات ومشروع قانون لدعم حرية ارتداء الحجاب في البرلمان، إلا أن خطوة كلجدار أوغلو كشفت عن مساعيه وحزبه لتحقيق خرق في صفوف الكتلة المحافظة، التي يتململ جزء منها من طول فترة حكم أردوغان وعدم التوصل إلى حلول اقتصادية.
وسعى كلجدار أوغلو إلى استغلال اسم الزعيم الإسلامي الراحل نجم الدين أربكان بالتحالف مع حزب "السعادة" الذي أسّسه الأخير، وأعلن عن اسمه مرشحاً للرئاسة من أمام مقر الحزب، وشارك مع هذا الحزب في شهر رمضان الماضي في برامج إفطار عديدة، محاولاً التقرب من الكتل المحافظة والحديث عن الأخوّة والمساواة في البلاد.
مطالب الكتلة المحافظة
الدكتور في قسم العلاقات الدولية في جامعة باتمان، محمد رقيب أوغلو، تحدث لـ"العربي الجديد" عن الكتلة المحافظة في تركيا وتوزعها وأبرز مطالبها. وقال رقيب أوغلو، إن "نسبة الكتلة المحافظة في تركيا تبلغ قرابة 35 في المائة من المواطنين يشكلون الكتلة الإسلامية المحافظة، تضاف إليهم الكتلة القومية المحافظة، بحيث تشكل الكتلتان قرابة 45 في المائة".
وأكد الأستاذ الجامعي أن "الأحزاب والتحالفات السياسية تسعى إلى استقطاب التيارات المحافظة، فالحزب الحاكم يسعى للحفاظ على القيم الإسلامية والوطنية، منها جامع آيا صوفيا، ومسألة الصناعات الدفاعية، وقضية الحجاب، ومعاهد القرآن، وإزالة العوائق أمام الحجاب".
وحول ذلك، أوضح رقيب أوغلو أن الرئيس أردوغان "يسعى لإقرار تعديلات دستورية لحماية هذا الحق (الحجاب)، ومقابل ذلك فإن حزب الشعب الجمهوري شهد تحولاً ملفتاً خلال الحملة الانتخابية الحالية، إذ أصبح الحزب الكمالي وكلجدار أوغلو يتحدثان عن السماح بحرية العبادة للجميع ويتعهدان بإزالة أي عائق أمام المحجبات". كما لفت إلى أنه "داخل الطاولة السداسية (للمعارضة) هناك أحزاب السعادة والمستقبل ودواء، وهي أحزاب قريبة من الكتلة المحافظة، فيما زعيمة الحزب الجيد ميرال أكشنر، أصبحت تقول إنها تصلي الصلوات الخمس وذهبت لأداء الحج".
يسعى أردوغان لإقرار تعديلات دستورية لحماية حق ارتداء الحجاب
أما لجهة مطالب الكتلة المحافظة، فشدّد رقيب أوغلو على أنها دائماً ترتبط في السياسة الخارجية بالابتعاد عن الغرب، وبأن يكون نهجها وطنياً، لافتاً إلى أن "الهجمة الإعلامية الغربية والخارجية على أردوغان تحسب لصالحه، إذ أنها تقربه من الكتلة المحافظة، وكذلك مشاريع الصناعات الدفاعية، وتعزيز التجارة، وتحدي الغرب، وتوحد العالم الإسلامي، والتقارب مع الشرق الأوسط، فهي أبرز المطالب الأخرى لهذه الكتلة".
ورأى الأستاذ الجامعي أن "الواضح هو أن التحالف الجمهوري (تحالف أردوغان والعدالة والتنمية) هو القادر على التأثير أكثر في الكتلة المحافظة، وهناك ابتعاد عن تحالف الشعب من قبل هذه الكتلة، رغم أن هناك بالتأكيد أطراف من الكتلة قد تنتخب تحالف الشعب أو العكس، أي من صوت لتحالف الشعب في السابق قد يصوت في هذه الانتخابات للتحالف الجمهوري". أما بالنسبة للناخبين المحافظين الأكراد، فإن "90 في المائة منهم يصوتون لصالح الأحزاب الكردية، وخصوصاً حزب الشعوب الديمقراطي، ومن الصعب على التحالف الجمهوري انتزاع نسبة أصوات كبيرة من المحافظين الأكراد، رغم تحالف حزب العدالة والتنمية مع حزب هدى بار الكردي الإسلامي"، بحسب رأيه.
اتجاه غالب ودرجات مختلفة
من جهته، قال الكاتب مصطفى أوزجان لـ"العربي الجديد" إن "الكتلة المحافظة قديماً كانت مصنّفة بأنها تقدر بنحو 70 في المائة، أما حالياً فلا توجد أرقام دقيقة حول نسبتها". وأوضح أنه "منذ أيام الحزب الديمقراطي و(مؤسسه) عدنان مندريس (ستينيات القرن الماضي)، تعتبر الكتلة المحافظة مهمة لإيصال شخصيات لرئاسة الوزراء، نظراً لحجم أصواتهم، وهو وضع مستمر حتى اليوم". ولفت إلى أن هذا التكتل المجتمعي "مهم لرسم مستقبل تركيا في السابق وحالياً، إلا إذا حصلت انشقاقات داخل الأحزاب المتحالفة، وحينها تتاح فرصة للطرف الآخر لكسب هذه الكتلة".
ولفت أوزجان إلى أن "مطالب هذه الأحزاب هي المحافظة على القيم الدينية والأخلاقية ومراعاتها بشكل تام، مثل عودة الأذان للعربية، وافتتاح آيا صوفيا، ومطالب تحسين المعيشة والحياة، وإيجاد فرص العمل للشباب". ورأى أنه "ربما كان هناك بعض الملل من حكم العدالة والتنمية لأكثر من 20 عاماً، فضلاً عن التدهور الاقتصادي الذي شهدته البلاد خلال السنوات الأخيرة تزامناً مع انتشار جائحة كورونا، وقد يكون ذلك أدّى للعزوف عن العدالة والتنمية، وخصوصاً من قبل فئة الشباب والعاطلين عن العمل".
وأكد الكاتب أن "حزبي العدالة والتنمية والشعب الجمهوري، كلاهما يحاولان استمالة هذه الشريحة بوعود معسولة"، مؤكداً وجود تنافس بهذا الإطار في الملفات الاقتصادية، مع التقليل من التطرق إلى الشؤون الخارجية. وذكّر أن حزب الشعب الجمهوري في هذه الدورة رشّح شخصيات محسوبة على اليمين والرئيس السابق عبد الله غل، واستقطب نائب رئيس الوزراء السابق علي باباجان وأحمد داود أوغلو، كما فعل سابقاً رئيس الوزراء الأسبق تورغوت أوزال، حين تحالف مع 4 أحزاب إسلامية، فيما يرى الحزب الحاكم نفسه الأحق بمخاطبة هذه القاعدة لعريضة".
أما أستاذ العلاقات الدولية في مركز ابن خلدون بجامعة قطر، علي باكير، فأوضح في حديث لـ"العربي الجديد"، أنه "خلال السنوات العشر الماضية بالتحديد، اتجه معظم الرأي العام التركي نحو المحافظة أو اليمينية، بمعنى أن التوجه المحافظ واليميني هو الاتجاه الغالب على الرأي العام التركي، وقد ازداد خلال السنوات الماضية على حساب الاتجاهات الأخرى".
ورأى باكير أن "هناك درجات من التنوع بالطبع داخل الاتجاه المحافظ واليميني، إذ لا يمكن القول إنهم على قلب رجل واحد أو على شكل أو لون أو اتجاه واحد، ما يعني أن هناك درجات من أقصى اليمين إلى الوسط، ودرجات في المحافظة، وهذه الدرجات تتبع طبعاً توجهات مختلفة". ولفت أخيراً إلى أنه "في الانتخابات المرتقبة، أصبحت حتى للنسب القليلة أوزان كبيرة في الصراع العام بين الكتلتين الكبيرتين، التحالف الجمهوري وتحالف الشعب".