- ℃ 11 تركيا
- 25 ديسمبر 2024
أ عبد المجيد جهاد عفانة يكتب: الشركاء يتساقطون
أ عبد المجيد جهاد عفانة يكتب: الشركاء يتساقطون
- 11 يوليو 2023, 4:03:27 ص
- 375
- تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
لم يكن الشيخ الشهيد عز الدين القسام القادم من بلاد الشام يعلم بأن أقدامه الطاهرة التي داست تراب أحراش يعبد الذي ارتقى فيها شهيداً وهو يحارب الإحتلال البريطاني قبل أكثر من مئة عام أن تلك البلدة التي تشربت من دمه جنين ستنبت سنابل ثائرة على مدار عقود متتالية بعد ذلك.
هي جنين.. غنية عن التعريف والمدح وحتى الزمان والمكان جنين التي مزقت ولا زالت تمزق كل مؤامرات الإحتلال وأذنابه، فالحديث في مدح أبطالها منذ عقود في قتال الصهاينة لا يعطيها شيئا من حقها..
لكن الأهم أن تلك البقعة الصغيرة وبالتحديد مخيم اللاجئين فيها، والذي لا يتجاوز طوله أو عرضه الكيلو متر الواحد قد اتسع كل الإرادة والقوة والعزيمة والشجاعة والعناد في الأرض كلها.
ولذلك كله سعت قوات الإحتلال ومنذ مطلع الانتفاضة الأولى ومروراً بالانتفاضة الثانية إلى قتل أي ظاهرة توحي أن المقاومة حية فيه، ولا أدلَّ على ذلك في عملية السور الواقي في العام ٢٠٠٢م عندما تكبدت حكومة شاورن خسائر بشرية فادحة من أجل قتل وملاحقة وأسر كل من فكر بالمقاومة فيها، وما قبل عملية السور الواقي وما بعده، كانت إسرائيل بحكوماتها المتعاقبة تقوم بمهمتها وهي تطهير المقاومة من هذا المخيم الصغير، ومن ثم تسلمه لشركاء مشروعها الاحتلالي والاستيطاني في الضفة، شركاء التنسيق الأمني، شركاء الخسة والنذالة والعمالة من حكومة رام الله.
ففي أي منطقة أو مدينة أو مخيم في الضفة الغربية ما إن تبدأ جيبات وعربات الإحتلال بتنفيذ مهمة لها هنا أو هناك، حتى تصل الإشارة لشركائهم في الأجهزة الأمنية لحكومة رام الله بالإنسحاب والإختباء ريثما تنفذ قوات الإحتلال مهمتها وبعدما تكون الأخيرة قد تزودت بالمعلومات الكافية للهدف المرصود من أجهزة السلطة الفلسطينية.
أدوار متبادلة لعبتها قوات الإحتلال الإسرائيلية مع شركائهم في أجهزة السلطة الفلسطينية لسنوات طويلة سراً وعلانية، فتارة هؤلاء يعتقلون وتارة شركاؤهم يقتلون، فإن صعبت المهمة اعتقلت أجهزة الأمن المطلوب مثلما اعتقلت مصعب اشتيه، وتارة تقدم الإغراءات والمناصب الدنيوية لرجالات المقاومة بأوامر من ضباط الإحتلال ومخابراته، فتنفذ أجهزة السلطة التعليمات والأوامر بشكلها المطلوب، وفي أحيان كثيرة يخرج أتباع المشروع الصهيوني من أبناء السلطة بالاجتهاد عن النص، فيقمعون ويعتقلون وأحيانا يقتلون كل من يواجه الإحتلال ولو بالكلمة مثلما حدث مع الناشط السياسي نزار بنات رحمه الله حينما قتلته أجهزة السلطة في الخليل، شراكة قامت على مبادئ مشتركة وأهداف سياسية واضحة وعلنية عنوانها لن نسمح لتجربة غزة في المقاومة بأن تتواجد على أرض الضفة.
لكن الأيام تتغير وتتبدل، والحق لابد له من سطوع وعلو، مهما بطش الظلم وأذنابه، فمنذ انتهاء حرب سيف القدس، بدأت ظواهر جديدة في المقاومة تنشأ داخل المخيمات الفلسطينية، فمن مخيم نابلس وطولكرم ومرورا بمخيم عقبة جبر وليس انتهاء بمخيم جنين، جميع تلك المخيمات الفلسطينية التي نشأ ابناؤها على صيحات التكبير وصور الشهداء وعلى الفقر والحرمان والالتزام الديني بين أهله، كل ذلك صنع أيدوليوجيا جديدة لدى مجموعات شبابية أخذت على عاتقها حمل هم القضية الفلسطينية ومقاومة الإحتلال بكافة الوسائل المتاحة بين أيديهم.
فبرزت مجموعات عرين الأسود في نابلس ومجموعات الرد السريع في طولكرم ومجموعات أخرى في عقبة جبر، لكن الأكثر تميزا وقوة فيها كانت تلك التي اشتعلت من تحت الجمر نار تلهب العدو وأجهزة السلطة من جديد، فما الذي جعل جنين تتقدم على أخواتها من تلك المخيمات؟؟
إن أكثر ما ميز قوة مجموعات المقاومة في جنين والتي ظهرت باسم كتيبة جنين التي كانت تحمل كل أطياف المقاومة فيها هو ضعف وعدم قدرة أجهزة السلطة الفلسطينية في تحجيم أو محاربة أبطال المخيم فيه، ففي شهر مارس الماضي حاولت أجهزة السلطة أن تختطف أحد المطلوبين لقوات الإحتلال، الأمر الذي حرك كل أبناء المخيم لمهاجمة مبنى الأجهزة الأمنية في وسط المخيم آنذاك، بل ووصل الأمر إلى إطلاق النار عليهم لوضع خطوط حمراء لأجهزة السلطة لمنعها من الإقتراب لأي مقاوم من أبناء المخيم حينها، فيما ظهرت بعض الحالات الفردية لأبناء الأجهزة الأمنية وهم بعدد أصابع اليد ممن وقفوا في صف المقاومة ودعموها وحاربوا معها وبعضهم استشهد أثناء المواجهات كما حدث أيضا في عملية السور الواقي قبل أكثر من عشرين عام.
ضعف الأجهزة الأمنية حقيقة عكس قوة وتمدد مجموعات المقاومة في المخيم وبالتحديد مجموعات كتائب القسام العدو المشترك والأكثر كرها لهذان الشريكان (الإحتلال والسلطة)، تطور كبير فاجئ قوات الإحتلال وأجهزته الإستخبارية حينما خرجت لهم العبوات البدائية الناسفة تفجر آلياتهم وتوقع فيهم القتلى والجرحى، لتبدأ حكومة نتنياهو بحل معضلة جنين من جديد، وتبدأ معه العملية العسكرية الأخيرة في صبيحة يوم الإثنين نهاية شهر يوليو الماضي، ولتنتهي بعد حوالي ٣٦ ساعة بصفعة جديدة من أبطال جنين ومخيمها الصامد بعدما قتلت المقاومة وجرحت عدداً من الجنود من كافة الأذرع العسكرية الخاصة الذين أتوا مع آلاف مدججين غيرهم ولم ينالوا شيئا من أبطال المخيم يومها سوى ارتقاء ١٣ شهيدا وتدمير مئات البيوت والبنية التحتية كاملة للمخيم، وما إن خرجت قوات الإحتلال ليلة الثلاثاء من المخيم حتى عاد شركاؤهم بجيباتهم العسكرية متمثلين دور المساند لأبناء المخيم، وهو ما دفع أبناء مخيم جنين لمهاجمتهم بالحجارة تعبيرا عن غضبهم من حقيقة دورهم في تسهيل مهمات الإحتلال وإنسحابهم مع علمهم بوجود عملية عسكرية للمخيم حينها، فيما عاودت قيادة حكومة رام الله وعبر نائب الرئيس العالول وجاءت تعزي أهالي المخيم بشهداءهم فما كان من أبناء المخيم إلا وطردوهم بالشتم واللعن وفضحهم بخيانتهم لدماء الشهداء، معلنين بذلك سقوطهم كما سقط شركاؤهم من الإحتلال الصهيوني وأذرعه العسكرية حينما حاولوا دخول المخيم.
سقوط مدوي وفشل ذريع عاشه الشريكان، وهو ما دفع القناة 13 الإسرائيلية بالتصريح قائلة: المشكلة الثانية هي أن الجيش الإسرائيلي لم ينجح بإعادة حكم السلطة الفلسطينية إلى جنين وتسيير دوريات للشرطة هناك.
هذا القلق الصهيوني من ضعف حالة السلطة هناك هو حقيقة إعلان فشلهم وبذات الوقت هو نجاح كبير للمقاومة في جنين وعلى رأسها كتائب القسام، وهو تطور كبير في هذه المرحلة ونقلة نوعية للمقاومة لكي تتمكن من ترميم صفوفها وتعزيز قوتها من جديد.
ختاما.. كلما ضعف شريك الإحتلال الصهيوني في أي مخيم أو بلدة من أراضينا المحتلة، سيضعف دور الإحتلال فيه، وبالتالي ستقوى مجموعات المقاومة أكثر فأكثر، فيما تشير كل الدلائل على أن مستقبل المرحلة القادمة هو انتهاء مشروع التنسيق الأمني ودفن حقبة سوداء وتاريخ أسود كان في صفحات القضية الفلسطينية مسيئا لها ولشعبها، وستثبت الأيام أن الشريكان سينتهيان معا مثلما انطلقا في محاربة شعبنا ومقاومته معا، وما تلك العمليات النوعية التي تنفذها المقاومة الفلسطينية وعلى رأسها كتائب القسام إلا دليل قاطع على ضعف مشروع الشركاء وقرب زواله قريبا بإذن الله تعالى.